الشرع الإسلامي لا يجيز ضرب المرأة
ذ. حمّاد القباج
هوية بريس – الثلاثاء 05 أبريل 2016
ضرب الأزواج لزوجاتهم من العنف الأسري الذي تفشى في جميع الأمم والبيئات؛ ومنها البيئة العربية التي نزل فيها القرآن العظيم وشريعته المصلحة لأحوال الناس؛ فقد تفشت في البيئة العربية عادة ضرب الرجال لزوجاتهم بشكل متفاوت..
وقد عملت الشريعة الربانية على التدرج في حظر ومنع هذه العادة السيئة؛ من خلال قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُن} [النساء:34].
فبدأت بحصر إباحة الضرب في حال واحدة؛ وهي حال نشوز الزوجة؛ ومعناه: “ترفعها على زوجها، وامتناعها من أداء حقوقه، وإظهارها كراهية لم تكن معتادة منها”.
وجعلت الإباحة مشروعة بعد استكمال خطوتين؛ هما: الوعظ ثم الهجر في الفراش..
قال سعيد بن جبير: “يعظها، فإن قبلت، وإلا هجرها، فإن هي قبلت، وإلا ضربها”، ونقل مثله عن علي.
وقد استحسن بعض الفقهاء؛ أن الإباحة وردت في حق من كان الضرب من عاداتهم المألوفة:
يقول الطاهر بن عاشور: “ما ورد في بعض الآثار من الإذن للزوج في ضرب زوجته الناشز، وما ورد من الأخبار عن بعض الصحابة أنهم فعلوا ذلك في غير ظهور الفاحشة..
تلك الآثار والأخبار محمل الإباحة فيها أنها قد روعي فيها عرف بعض الطبقات من الناس، أو بعض القبائل، فإن الناس متفاوتون في ذلك؛
وأهل البدو منهم لا يعدون ضرب المرأة اعتداء، ولا تعده النساء أيضا اعتداء، قال عامر بن الحارث النمري الملقب بجران العود:
عمدت لعود فالتحيت جرانه***وللكيس أمضى في الأمور وأنجح
قال: “أذن فيه لقوم لا يعدون صدوره من الأزواج إضرارا ولا عارا ولا بدعا من المعاملة في العائلة، ولا تشعر نساؤهم بمقدار غضبهم إلا بشيء من ذلك”. (التحرير والتنوير (5/41).
ثم بين أنه مذهب الجمهور؛ فقال:
“الجمهور قيدوا ذلك بالسلامة من الإضرار، وبصدوره ممن لا يعد الضرب بينهم إهانة وإضرارا“.
وبعد ذلك كله أرشد الشرع الإسلامي إلى جعل الضرب شيئا رمزيا؛ وليس عنيفا؛ وهو ما جاء وصفه في السنة وآثار السلف بكونه “غير مبرح“، “اتق الوجه“، “يكون بالسواك”… إلـخ.
أخرج ابن جرير في تفسيره عن عطاء قال: “قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح”؟
قال: “بالسواك ونحوه“.
ولذلك قيد المالكية الضرب بكونه غير مخوف؛ فإن غلب على ظَنّه أَنَّهَا لَا تتْرك النُّشُوز إِلَّا بِضَرْب مخوف لم يجز الضرب:
قال في التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (4/266):
“وتقييد المصنف الضرب بأن يكون (غَيْرَ مَخُوفٍ) صحيح، وإذا غلب على ظنه أن الضرب لا يفيد لم يجز له ضربها، لأن المقصود صلاح الحال، والوسيلة عند ظن عدم مقصدها لا تشرع”.
وقد نص المالكية على أن من تجاوز الضرب الخفيف الرمزي إلى الضرب العنيف؛ أحيل على القضاء:
ففِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: “مَنْ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ عَمْدًا (أي: مؤذيا) قَضَى عَلَيْهِ بِمَا جَرَى مِنْ حَقٍّ؛ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ”.
ومن هنا ذهب بعض الفقهاء إلى القول بمشروعية سن قوانين تمنع الزوج من ضرب زوجته إذا خيف استعماله للضرب العنيف؛ قال الطاهر بن عاشور: “يجوز لولاة الأمور إذا علموا أن الأزواج لا يحسنون وضع العقوبات الشرعية مواضعها، ولا الوقوف عند حدودها؛ أن يضربوا على أيديهم استعمال هذه العقوبة، ويعلنوا لهم أن من ضرب امرأته عوقب، كيلا يتفاقم أمر الإضرار بين الأزواج، لا سيما عند ضعف الوازع”. (انظر: التحرير والتنوير (5/44).
إن التأمل في السنن النبوية الثابتة في الباب؛ يجعل الباحث المتفقه لا يستبعد القول بأن إباحة ضرب المرأة الناشز؛ حكم منسوخ؛ وأن الآية الكريمة شرعت التدرج لإزالة عادة ضرب الرجال لزوجاتهم، كما تدرجت آيات أخر في تحريم عادة شرب الخمر:
عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تضربوا إماء الله».
فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذَئِرْن النساءُ على أزواجهن، فرخّص في ضربهن.
فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم»1.
وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أنها طلقت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : “إذا حللت فآذنيني” فلما حلت ذكرت له أن معاوية وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فَصُعْلُوك لا مال له. اِنْكِحِي أسامَةَ بنَ زيد»2.
فأرشدها إلى عدم الزواج من أبي جهم لأنه ضراب للنساء.
وعن عبدالله بن زمعة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يَجْلِدْ أَحدُكُم امرأَتَهُ جَلدَ العَبد ثُمَّ يُجَامعها في آخر اليوم»3.
وعن معاوية القشيري قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما تقول في نسائنا؟ قال: «أطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكتسون، ولا تَضربوهن ولا تُقَبِّحُوهُنّ»4.
فالأحاديث ظاهرة في نسخ الإباحة المفهومة من الآية؛ وأن الإباحة فيها شرعت تدرجا نحو الوصول إلى تحريم الضرب..
ونسخ السنة للقرآن جائز وواقع على الراجح:
قال أبو محمد ابن حزم: “اختلف الناس في هذا بعد أن اتفقوا على جواز نسخ القرآن بالقرآن وجواز نسخ السنة بالسنة؛ فقالت طائفة: لا تنسخ السنة بالقرآن ولا القرآن بالسنة، وقالت طائفة: جائز كل ذلك والقرآن ينسخ بالقرآن وبالسنة والسنة تنسخ بالقرآن وبالسنة.
قال أبو محمد: وبهذا نقول وهو الصحيح؛ وسواء عندنا السنة المنقولة بالتواتر والسنة المنقولة بأخبار الآحاد؛ كل ذلك ينسخ بعضه بعضا وينسخ الآيات من القرآن وينسخه الآيات من القرآن.
وبرهان ذلك ما بيناه في باب الأخبار من هذا الكتاب من وجوب الطاعة لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كوجوب الطاعة لما جاء في القرآن ولا فرق؛ وأن كل ذلك من عند الله تعالى {وما ينطق عن لهوى إن هو إلا وحي يوحى} فإذا كان كلامه وحيا من عند الله عز وجل، والقرآن وحي؛ فنسخ الوحي بالوحي جائز لأن كل ذلك سواء في أنه وحي” اهـ.
الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (4/107).
ومن أبرز الدلالات على النسخ في الأحاديث المتقدمة: قوله عليه السلام: “ليس أولئك بخياركم“.
وهو ظاهر في الزجر الشديد عن الضرب، بعد إباحته؛ ولا يمكن أن نتصور صحابيا يستمر في الضرب بعد هذا الوصف النبوي؛ ولا أعتقد أن المؤمن يرضى أن ينفي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيرية؟؟
ومن فوائد هذا السياق؛ أنه عليه السلام قال ذلك بعد أن أباح الضرب؛ وفيه دليل واضح على أن النهي هنا جاء بعد الإباحة.
قال إمام الحرمين الجويني (ت 478هـ) في نهاية المطلب في دراية المذهب (13/274):
“تكلم الشافعي في ترتيب الكتاب والسنة، فذكر وجهين:
أحدهما: أنه يحتمل أن تكون الآية وردت بإباحة الضرب.
ثم نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنه تنزيهاً.
ثم لمَّا استطالت النسوة بأذاهن على الأزواج أذنَ في ضربهن.
فلما بالغوا، قال آخراً: خياركم خياركم لنسائكم، واستحث على الصبر على أذاهن والإعراض عن مجازاتهن على شكاسة الأخلاق وشراستهن، وهذا لعمري هو الأصل..“
قلت: وهذا الوجه يرجح؛ أن قوله عليه السلام: “ولا تضربوهن” متأخر على نصوص الإباحة.
قال العظيم آبادي: “وظاهر الحديث النهي عن الضرب مطلقا وإن حصل نشوز، وبه أخذ الشافعية” اهـ5.
وقد سألت شيخنا العلامة عادل بن المحجوب رفوش عن القول بالنسخ؛ فأجاب نفع الله به:
“مسلك النسخ سائغ، وإن كانت شرائطه ليست ظاهرة.
ولكنه يجوز ادعاؤه ظنا في مسائل؛ كما يقولون فيما قارب الإجماع: “شبه إجماع”، وفيما قارب التواتر يقولون: “كالمتواتر”..
فهذا الذي ذكرتموه وجه صحيح وقال به بعض العلماء.
وفيه مسلك آخر قوي وجميل:
وهو الاعتداد بالمدة؛ بحيث لا يقع التأديب بالضرب إلا بعد الوعظ المعتبر مِن زوجٍ أهل في مدة سائغة أقلها سنة..
ثم الهجر كذلك..
وفي السنة الثالثة يمكن استخدامه.
وهذا في زماننا لا يكاد يوجد فكأنه حكم فقد محله.
ووجه آخر ذكروه؛ وهو حمل الوعظ على العالم يعظ:
يشكو الرجل نشوز زوجته له.. ثم الهجر للزوج.. ثم الضرب للقاضي تعزيراً إن كانت تستحقه…
ثم الحكومة في الخصومة ثم مرحلة الطلاق إن تعسر الوفاق…
والله تعالى أعلم” اهـ جواب شيخنا حفظه الله ونفعنا بعلمه.
وقد قال الله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].
ولم يكن عليه الصلاة والسلام يضرب أزواجه: قالت عائشة رضي الله عنها: “ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له ولا امرأة“6.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) أخرجه أبو داود (2145) وابن ماجه (1985).
([2]) أخرجه مسلم (1480).
([3]) أخرجه البخاري (5204) ومسلم (2855).
([4]) أخرجه أبو داود (2144) وصححه الألباني. «لا تُقَبِّحُوهُنّ»؛ أي لا يقل أحدكم لامرأته: قَـبَّحَكِ الله.
([5]) عون المعبود.
([6]) رواه أحمد (6/32) ومسلم (79) وأبو داود (4786) وابن ماجه (1984).
جزاكم الله خيرا على هذا البيان الشافي
تقدم أو روتوش ملموس لكن المشكل دائما مطروح ويزيد تعقيدا عندما نضع الحديث معاكسا للنص القرآني في حين الصواب هو أن نبحث عن السبب الحقيقي والذي سبق وتكلم عنه بعض المجتهدين قالوا أن عبارة اضربوهن مشكل خطأ بشري وأن سياقها المنطقي والتاريخي هي اضربوعنهن أي ابتعدوا من اضربوا في الارض حتى تصفى الأجواء ويزول الغضب والقلق والخلاف وهذا هو ما نعيشه واقعيا. أما ضرب خفيف أو ثقيل أو عادة فما حرم كثيره فقليله حرام.بمعنى أن الضرب بأي شكل من الأشكال يمس بكرامة الإنسان وحتى الحيوان فالمودة والرحمة هي الأصل في الإسلام والمسلم من سلم الناس من لسانه فما بالك من عصاه ومن يسلم منه من هي لباس له وهو لباس لها. إنها أمور تحتاج للمزيد من الحوار. والمجتهد بنية صادقة له جزاء الاجتهاد