الشيخ عمر القزابري يكتب عن الأم: ذَوْبُ الرُّوحْ…!
هوية بريس – الشيخ عمر القزابري
بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أحبابي الكرام:
الأمُّ منبعُ الحنان.. وفيضُ الرّقة.. وأنسُ الروح.. الأم مِشكاةٌ في قلبها مصباحُ الحب تضيء زيتُه نورا يمسح الحزن عن الفؤاد المُعنّى.. الأم قلبٌ مفتوح لا يعرف إلا العطاء.. تنتزع من نفسها لتعطيك.. تقتطع من روحها لتمنحك.. تشقى لتريحك.. لا تبالي بأي شيء طالما أنت مرتاح.. أنت نعيمها ولذتها وأنسها.. وبهجتها وربيع عمرها وأملها وشمسها وظلها وسقيا وجدانها.. حزنك غيم يمنع شمس السرور من مداعبة فؤادها.. أمّا آلامك فنارٌ تتأجج في كيانها.. آه آه أيتها الأم.. ما أعظمك وأكبرك وأبهاك وأحلاك.. ما أزهاك وما أحسنك وما أروعك وما أمتعك.. أنتِ روض الحب الذي نبتت وروده في أرض الصدق.. وسُقيت بماء الدموع.. أنتِ الظل الممدود.. أنت العطاء بلا حدود.. الأم حملت وأرضعت وربت وكبّرت وغطت وسترت.. وأعطت ودعت وسهرت وبكت.. وتاقت واشتاقت وحنّت وأنَت.. وتفاعلت وغنّت نشيد الحب على مشهدٍ من الجوارح التي تردد صدى القلب.. آه آه.. كم أنت كبيرة أيتها الأم.. مشاعرك حديثٌ عجب.. وحنانُكِ شهدٌ ورُطَبْ.. خبرُك العُجاب.. وحديثُك الرُّضاب .. أتذكر أيها الحبيب أيام الصبا وأقاصيص الطفولة.. أتذكر زمنا مضى.. ؟أتذكر حضن أمك.. ؟ذلك القصر العالي المحاطُ بسياج الحب.. وحرسِ الحنُو… أتذكر نغماتها المنسابة كخيوط من نور تؤنسك وتنومك.. أتذكر صدرها وهي تسقيك لبنا خالصا سائغا.. تمتص خلاصتها وهي راضية فرحة مستبشرة.. أين في الدنيا قلبٌ مثلَ قلب الأم..؟
أتذكرُ بَسمتها وهي تتجول فيك بِعينٍ لا ترى إلا مَحاسِنك.. أتذكرُ يوم أَلمِك مَنْ تَقَاسَمَ السُّهْدَ معك.. إنَّها السَّنا إنَّها الهَنَا إنها أنت إنها أنا.. .أمُّك حبٌّ لا يُعبّرُ عنه بكلام.. إنها حكاية قلب.. إنها قبضةٌ من أثر الروح.. بل هي الروح.. حملتك في بطنها أشهُرا.. ولا تَسَل كم عانت تلك الأشهر.. .عانت من الوحم الشديد ولكنها كانت تُغَلِّف معاناتها بِتعليل النفس بِطلعتِك.. حملتك في بطنها تمتص الغذاء من قُوتِها وقُوَّتها.. فتخور قواها وهي راضية فرحة.. تدعو لك ولمَّا تراك.. تقطع شهور حملك بين آلامها وثِقلها وكلُّ ذلك يذوب في أنهار أشواقها.. فلمّا حانت ساعة ولادتك.. رأت الأهوال.. فاستغاثت بذي الجلال.. ولسان حالها: قَرُب لقاءُ الروح عِيانا .. وكم عانت عند وضعك.. فما شكت ولا ضجرت.. كل ذلك شوقا إليك.. وربما شُقَّ بطنها لتخرج أنت.. سبحان الله.. ما هذا القلب..؟ إنها أمُّك.. فلما صِحْتَ صيحتك.. تبددت أحزانُها.. وزالت آلامها.. وهفَت مُتطلعةً لترى مُحيَّاك.. الذي نسجته في خيالها.. نسيت تعبها وأوجاعها وسهرها ومعاناتها مع الحمل في لحظة.. وكأنما صَيحتُك بَلسمٌ أو لمسةٌ من عالم النور.. فلما رأتْ وجهك رأت فيك روحها.. وصرت أنت مالكَ فؤادها.. وسيد وجدانها.. وكأنما خُلِقتْ لتكون لك..
الأم هي ذلك الإنسان الذي تشم في ظلاله روائح الفردوس، وكم يكون الإنسان في تعب الحياة ونصبها، فما هي إلا جلسة الروح إليها، فكأنما يخلع الإنسان معطف الهم وأثقال الحياة بعيدًا، ويعود طفلًا ناضر الروح والقلب والبصيرة!
فهي وحدها من يملك حذف كل سني عمرك وإعادتك مرة أخرى صغيرًا يرى الحياة كلها سكينة وفرحًا واطمئنانًا!
اللهم ارض عن أمهاتنا، واجزِ أمهاتنا عنا الفردوس الأعلى، فلا يملك جزاءهن إلا أنت!
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.