حتى لا تفشل جهود السلطات بغرور بعض المواطنين.. شهادة مغربي عايش الوباء بإيطاليا
هوية بريس – عبد الغني درواش
حتى لا نغتر ونظن أننا أكثر التزاما بالحجر الصحي من الإيطاليين، وبحكم تجربتي المتواضعة ومشاهداتي اليومية لما يجري في بلد إقامتي إيطاليا؛ سأحكي لكم جانبا من الصورة التي قد تغيب عن بعض المغاربة.
دولة إيطاليا كانت أول دولة أوروبية تتخذ إجراءات قوية قبل أن يحل كورونا بأراضيها فأغلقت مباشرة الحدود الجوية مع الصين مما حدا بالصينيين المستثمرين في إيطاليا للدخول إليها برا عبر دول أوربية أخرى كانت أجواؤها مفتوحة للرحلات الصينية، وكان من هؤلاء من يحمل الفيروس دون أن أن تظهر عليه أعراضه.
كان كل شيء على ما يرام وكنا جد مقتنعين أن ما فعلته الحكومة سيحول بيننا وبين دخول الفايروس، لكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، وانتشر الفيروس بدون علم السلطات بحيث أنه لم تكن هناك تجربة في أوروبا حتى تستفيد منها إيطاليا وفور علم السلطات بتفشي الفايروس أغلقت مباشرة منطقة لومباردية المحرك الأول لكل ايطاليا، وهي جهة وليست إقليما، فهي تماثل (جهة الدار البيضاء سطات) عندنا في المغرب.
ولما تبين أن الوباء قد أخد في الانتشار في كل أنحاء البلاد أخذت حكومة كونتي على عاتقها إغلاق كل البلاد في أول سابقة من نوعها في العالم مراهنة بأعرق حزب في إيطاليا و كذلك بالاقتصاد كله مع العلم بأن الاتحاد الأوروبي قد تخلى عنها وما يزال إلى حدود كتابة هذه السطور..
أُغلقت الحدود كلها واتخذت الحكومة إجراءات أكثر صرامة بعدما كان في القرار الأول إمكانية ترك الشركات مفتوحة للعمل لكن القرار الثاني قضى بإغلاق كل الشركات إلا الأساسية والحيوية والضرورية كالفلاحة و اللوجستيك والأسواق الممتازة، ولحد الساعة لم أسمع بدولة في العالم اتخذت مثل هاته الإجراءات والأيام القادمة بيننا.
ومما يؤسف له أن هناك دولا تأخر وصول الوباء إليها ومع ذلك لم تستفد من التجربة الإيطالية الأليمة، فحتى يومنا هذا مازالت شركاتها ونشاطها الاقتصادي يعمل، ومن هذه الدول فرنسا والمغرب ومع ذلك يظنون أنهم سينتصرون على الوباء بما قاموا به من الإجراءات المخففة.
في إيطاليا الجولان بدون حاجة ملحة تترتب عليه غرامة تتراوح ما بين 500 و5000 يورو مع الجناية.
في إيطاليا لا يمكنك أن تذهب للتسوق إلا لأقرب سوق ممتاز لمقر السُّكنى ومن خالف فترتب عليه الغرامة الآنفة الذكر.
في إيطاليا تم منع كل الأسواق التي كانت تبيع الخضروات والملابس في الساحات بشكل عام وبكل أنحاء البلاد.
في إيطاليا دوريات الشرطة لا تتعدى شخصين وكلهم بالكمامات حتى لا يساهموا في تفشي العدوى.
في إيطاليا يدخل عدد معين من الأشخاص إلى السوبر ماركت ولا يدخل شخص حتى يخرج آخر، وقد ألزموا أصحاب المحلات التجارية بأن يراقبوا احترام مسافة السلامة بين الزبناء وإلا أغلقوا المحل فورا.
إيطاليا تراقب تحرك الأشخاص بطائرات بدون طيار وتحرك الأشخاص بوساطة هواتفهم النقالة.
المغرب بدأ من حيث انتهت إيطاليا ومع ذلك نلاحظ مشكلة كبيرة في التحكم في الأشخاص في كثير من مواطن الزحام في الأسواق الشعبية قد تتسبب في حصول كارثة لا قدر الله.
ورجال السلطة الذين يسيرون في دوريات كبيرة أنفسهم لا يحترمون مسافة الأمان -التي ينصحون بها الناس- لا فيما بينهم ولا في سيارات الاعتقال التي نلاحظ فيها تكديس المخالفين للطوارئ وهذا أيضا مصدر خطر كبير.
والحظر بالمغرب لا يفعل بإحكام إلا في الساعة السادسة مساء وكأن الفايروس لا ينتشر إلا بالليل.
لو كانت إيطاليا قد ابتدأت بالعدد القليل من الإصابات الذي ابتدأ بها المغرب لكانت قد أنهت عملية الحجر وأعادت الأنشطة إلى طبيعتها.
فليعلم قارئ هاته السطور أن وقت كتابتها يكلف من الوقت أكثر بعشرات المرات من وقت قراءتها، لكننى لم أكتبها إلا لأن لنا أناسا نحبهم في بلادنا ولا نريد أن يحل بهم ما حل بإيطاليا أو غيرها، فلهذا أقول لا يجب أن نغتر ونقول أن المغرب هو الدولة الوحيدة التي فضلت اقتصادها على شعبها، ولنعلم أن هناك دولا ضحت بترليونات الدولارات حتى تنقد شعبها. كوني شاهد عيان بحكم أنني لست ايطاليا لكني أعيش هنا وأحس أنني أنتمي لهذا البلد كبلدي الثاني.
يجب علينا التحلي بالمسؤولية ولزوم بيوتنا وأن لا نغتر بما عملناه فالدولة عملت ما استطاعت والباقي على الشعب.
وأمر آخر وهو أن عدد التحاليل المخبرية التي عملها المغرب قليل جدا وأعطي مثالا أن المغرب قد عمل التحاليل لـ4000 شخص مقابل أزيد من مليون شخص في إيطاليا، وهذا ما يفسر ارتفاع عدد الإصابات في إيطاليا وانخفاضه في المغرب.