د.الصمدي: مصادر الإسلام.. حملة التشكيك متعددة الألوان

29 أبريل 2024 16:06

هوية بريس – د.خالد الصمدي

طفحت مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام دفعة واحدة بخرجات المشككين الأموات منهم والأحياء، في مصادر الإسلام قرآنا وسنة وقواعد الاجتهاد فيه وكل التراث المرتبط بالإفتاء في قضايا الناس في العقائد والعبادات والمعاملات.

واللافت للانتباه أن كل مقاطع الفيديو هذه مدعمة في النشر sponsorisé، وتخترق دقائقها المعدودات وصلات إشهارية من الشركات العابرة للقارات، من الفوطة الصحية إلى الآلات الذكية.

الأقصى و"البقرات الحمراء".. المدونة وعدوان "الجهلوت".. قدوات الراب و"المواعدة العمياء" - ملفات وآراء

وكلها تشترك في منهج واحد وهو التشكيك في كل شيء دون دليل ولا برهان ولا تقديم بديل علمي ولا بيان.

ومعلوم في تاريخ العلوم والحضارات أن التشكيك هو سلاح العاجز عن النقاش العلمي، ومثل هذه التشكيكات ليس شيئا جديدا، فقد كان مآلها الفشل منذ أمد بعيد، وقد لفظتها الأمة عبر التاريخ حين واجهها العلماء في المناظرات العلمية في كبريات العواصم العلمية كبغداد والقاهرة والزيتونة وفاس ومراكش وقرطبة، فدفنوها بالعلم والحلم وأحيانا بالإعراض عن الجاهلين.

ثم جاءت الدعاية الإعلامية اليوم لتنفخ في رمادها وتحيي عظامها الرميم، ودعمت نشرها على أوسع نطاق في زمن التجارة التي وقودها الناس والإثارة “البوز” وذلك في سياق حملة ممنهجة يدعهما كل من يخشى يقظة الأمة في زمن الإفلاس القيمي الذي يشهده العالم، وذلك بكسر ما تبقى من معالم وحدة الأمة وقوتها وقدرتها على حماية ثوابتها ومقدساتها لخفض منسوب المناعة في جسمها.

إلا أنهم يجهلون أن هذه الأمة تمرض ولا تموت، وأنهم مهما أرادوا إطفاء نور الله فالله متم نوره ولو كره الكافرون.

والشرط في ذلك إعلان النفير العام لحماية ثوابت الأمة من كل تضليل لعجل السامري الصقيل كل من موقعه عملا بقوله تعالى “فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون“.

وإذا كانت هذه الحملة الدعائية قد فشلت في لونها الأول حينما تصدرها المعادون للإسلام لأن وجوههم أصبحت كالحة مكشوفة يشيح الناس عنها بوجوههم ويتجاوزونها بسرعة بنقرات أصابعهم كلما فرضت عليهم واقتحمت عليهم فضاءاتهم غصبا.

فقد انتقلت الحملة في نسختها الثانية ولون جديد إلى توظيف بعض من عليمي اللسان من المجادلين بالقرآن، المطلعين على جمل من علوم الإسلام، ونتف من معارفه ومصادره، المنتسبين حديثا إلى بعض المؤسسات العلمية المتخصصة في علوم الشريعة والعقيدة وأصول الدين وباقي العلوم الإسلامية، وهم في بداية مشوارهم في البحث عن الذات، فإذا هم يقفزون من السفح إلى القمة دفعة واحدة فيقترحون إعادة النظر في قواعد الاجتهاد التي أفنى فيها علماء الأمة أعمارهم ولا يزالون، من جيل الصحابة الذين شهدوا الوحي إلى كبار التابعين وأصحاب المذاهب الفقهية إلى أساطين السنة النبوية وأئمة الحديث الشريف وفقهه كالبخاري ومسلم وأصحاب السنن وكبار الشراح كالإمام النووي وابن حجر والقاضي عياض وابن عبد البر، إلى المجددين من الفقهاء الكبار كابن العربي وابن حزم وابن رشد والشاطبي إلى المجددين المعاصرين الذين شهدت لهم الأمة بالعلم والتقوى والصلاح وتلقت اجتهاداتهم وأعمالهم العلمية بالقبول، ولا يزال أمثال هؤلاء العظام يفنون أعمارهم في تأصيل وتجديد هذه القواعد من مصادر الوحي تنظيرا وتنزيلا.

ثم تجد هؤلاء الصغار لا يتهيبون من مسح السبورة من كل هذا التاريخ التليد ثم الدعوة إلى استبداله بالذي هو أدنى من آرائهم التي يعتبروها بكل جرأة معايير حاكمة وقواعد مجددة للاجتهاد، وهي لا تعدوا أن تكون بدورها رأيا محدثا منهم لم يختمر بعد ولم يستو على النار الهادئة للبحث العلمي الرصين، فاستعجلوا الحصاد قبل الإنبات.

وإن يسر الله من جهد ووقت فسأعرض لنماذج من كتابات هؤلاء التي أضحت تتعرض للنفخ هذه الأيام في سياق حملة التشكيك الثانية بلونها الجديد، وذلك تنبيها عليها ومعذرة إلى أصحابها لعلهم يرجعون فيجلسون في مجالس العلم للتعلم قبل كل قول متسرع ليس وراءه إلا الضجيج الذي لا يغني من الحق شيئا، والله المستعان.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M