“كلام في السياسة” وحديث عن لطيفة أحرار
هوية بريس – سعيد الغماز
“كلام في السياسة” في حلقته الثالثة، لم يتحدث في كل شيء، لكنه تحدث في أهم شيء. تحدث عن البطالة وقال توفيق بوعشرين “البطالة قنبلة موقوتة تحت رِجْل البلاد”. عبارة لخصت كل شيء، وأغنتنا عن نقاش نسبة البطالة. 13% التي جاء بها تقرير المندوبية السامية للتخطيط وكان رقما صادما، أو 21،3% كما جاء في الإحصاء الأخير الذي يقول عنه صاحب “كلام في السياسة” إنه الرقم الألعن والأسوأ، لكن يبقى رقما أكثر مصداقية وصدقية ودقة من كل الأرقام الأخرى.
سواء اعتمدنا الرقم الأول أو الرقم الثاني، تبقى البطالة قنبلة قابلة للانفجار في عهد حكومة الكفاءات. فيروس خطير بدون تلقيح في مواجهة حكومة تشبه التلميذ الكسول، كما قال صاحب الكلام، يضع نتائجه أمام والده في الصالون ثم ينسحب إلى غرفته بدون تعليق. الحكومة هي الأخرى تتعامل مع الأرقام بدون تعليق، اللهم تعاليق “العصابة” ومن يدور في فلكها، نيابة عن الحكومة. كل الحكومات السابقة لم تعرف هذا الكساد العظيم الذي يشبه أزمة 1929 التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية، أزمة الخميس الأسود. يقول صاحب الكلام.
للبطالة أسباب كثيرة عدَّدَها توفيق بوعشرين، نذكر منها على الخصوص صعوبة الزواج وصعوبة الطلاق بين المشغل والعامل. لكن الحكومة بمقترحاتها حول مدونة الأسرة، لأول مرة تكون منسجمة مع ذاتها، وتبرز لنا حقيقة ذكائها. الكلام لي وليس لصاحب “كلام في السياسة”. عقَّدَت الحكومة علاقات الزواج، وعمَّقَت العزوف عن الزواج، وخاصمت الرجل والمرأة. البطالة منتشرة، والرجل ليس له دخل ولا عمل، فكيف يفكر في الزواج…أليست هذه قمة الانسجام الحكومي؟؟؟
لم تسلم لطيفة أحرار من “كلام في السياسة”. استنكر صاحب الكلام ما تعرضت له الممثلة من التنمر والاعتداء على حياتها الخاصة، بمناسبة تعيينها في لجنة مراقبة جودة التعليم العالي، واختزال أحرار في ثبان، وفخذ يطل على جمهوره تحت القفطان. “ما فيها باس” أهمس في أذن صاحب “كلام في السياسة” لأقول له إن الأمر ليس مرتبطا لا بفخذ مبتسم، ولا بتبان غير محتشم. ولا يمكن خلط الموضوع مع من يتعرض للتشهير وهو يحمل هم الوطن ولا يستفيد من أي شيء لا “صالير” ولو في الريع، ولا منصب. إننا أمام تعيين فاق منطق الفساد، وتجاوز حدود الريع.
لنفترض أن السيد وزير التعليم العالي عيَّن في نفس المنصب، المهندس رشيد اليزمي مخترع بطاريات الليثيوم.
لنفترض أن السيد وزير التعليم العالي عيَّن في نفس المنصب، منصف السلاوي المتخصص في اللقاحات.
لنفترض أن السيد وزير التعليم العالي عيَّن في نفس المنصب، الدكتور محمد الخمسي المتخصص في الرياضيات، وصاحب العديد من المقالات والمحاضرات حول جودة التعليم في المغرب.
لنفترض أن السيد وزير التعليم العالي عيَّن في نفس المنصب، أستاذا جامعيا من أي جامعة مغربية.
هل سنشهد هذا النقاش الذي أثاره تعيين السيدة لطيفة أحرار؟
الأكيد هو أن الذكاء الجمعي للرأي العام، سيتقبل هذا التعيين لأنه سيجد فيه العقل والعقلانية والمنطق. المشكل إذا ليس في الرأي العام، وإنما في طبيعة التعيين. دعوني أشرح كما يقول بوعشرين:
لم نسمع من السيد وزير التعليم العالي أي شيء عن أسباب هذا التعيين، ولا عن الأهداف المرجوة من ممثلة نريد أن تُقَوِّمَ لنا التعليم العالي، بحضور المئات من الدكاترة والمختصين. هل هذا التقويم له أهداف حقيقية، أم أننا أمام مسرحية. لم نسمع من السيد الوزير عن دور الممثلة في مجلسٍ للتعليم العالي، ولا ما تريد الوزارة منها. ثم هل انقرضت الكفاءات والتخصصات بين دكاترة التعليم العالي في جامعاتنا ومدارسنا العليا؟
كما لم نسمع من السيدة لطيفة أحرار ماذا ستقدمه لهذا المنصب الكبير. لم نسمع منها ما تتوفر عليه من كفاءة في التعليم العالي، ولا تتوفر في مئات وربما الآلاف من الأساتذة الجامعيين. ربما نكون أمام “الإنسان الأعلى” (Super men) الذي ابتكره الفيلسوف الألماني نتشيه، من يدري. السيدة أحرار لم تخبرنا عن دراسات قامت بها، ولا عن نظريات أبدعت فيها، ولا عن نصف مقال نشرته حول التعليم العالي.
لغة “كلام في السياسة” ستتفهم حيرة الرأي العام أمام قرار غريب حتى عن الغُراب، ومنطق صاحب الكلام، سيجد عذرا للمواطن الذي لا يحمل عقلا يمكن أن يفهم به هذا القرار. الأمر يتعلق بتقويم التعليم العالي، فكيف تريد من هذا العقل أن يفهم الموضوع والمعطيات المتاحة لن تجد فيها لا دراسة أكاديمية، ولا مقالا متخصصا، ولا محاضرة علمية. لكن في المقابل ستجد فخذا عاريا وجسدا بثبان.
أيُّ عقل هذا يمكنه فهم ما جرى؟ ومن وقف على الحياد لا يحمل أصلا أي عقل.
أهمس كذلك في أذن توفيق بوعشرين، لأقول إن الأمر أصبح في عهد حكومة أخنوش “ماركة مسجلة” وسيرا على نهج تحرير “كلام في السياسة” نقول “Marque déposée”، دعوني أشرح كما يقول توفيق بوعشرين:
“اشطح وهز الكتف تولي وزير…تلاقا مع مسؤول من إسرا…ئيل، أو زور تل أبيب، تولي مسؤول…بيني فخاضك من تحت التكشيطة، تولي مُنَظِّرة، ليس في معرض الأزياء، بل منظرة في التعليم العالي يا سادة…
هذا ما وصلنا إليه مع حكومة الكفاءات.
التعليم في واد وسوق الشغل في واد، كما يقول صاحب الكلام. فهل بدبلوم في التمثيل ستجد لنا لطيفة أحرار الحل المتحرر. يقول صاحب الكلام إن فشل التعليم وكثرة الفساد من أسباب البطالة. ونحن نقول إن تعيين لطيفة أحرار في منصب تقويم التعليم العالي، هو صورة تختزل الفشل في التعليم، وتعكس الفساد في التعيين. رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة السيد البشير الراشدي، الذي تعرض مؤخرا لمراجعة ضريبية، اختزل الأزمة في الأرقام حين اعتبر أن الفساد يكلف ما بين 3،5 و6 نقط من الناتج الداخلي الخام، أي ما يمثل 50 مليار درهم. كما تخسر البلاد بسبب الفساد 6 نقاط في معدل النمو أي 240 ألف فرصة شغل كل سنة. هذه أرقام تحدث عنها صاحب الكلام. ولو نطقت هذه الأرقام، لما فهمت هي الأخرى تعيين السيدة أحرار في منصب تقويم التعليم العالي.
فكيف تريدنا نحن أن نفهم ما لا منطق فيه وغير خاضع للفهم أصلا.
“كلام في السياسة” شرح دور السيد الناطق الرسمي للحكومة، وأعطى تفسيرا متقدما وتقدميا، لهذا الدور: “إقناع المغاربة بتصديق كلام الحكومة، وتكذيب الواقع الذي يعيشه المغاربة”، ربما ستكون الحكومة مطالبة للقيام بدورات تكوينية في بنغلادش لوزرائها. صاحب الكلام استفاض في عرض تجربة واحدة فقط، من هذا البلد.
هذا ما جادت به الحلقة الثالثة، فبماذا ستأتي الحلقة الرابعة؟
ننتظر لنرى، كما قال صاحب الكلام.