الدكتور البشير عصام: منع عرض الفكاهي ديودوني بالدار البيضاء واليهود والصهيونية

24 أبريل 2015 20:41
د. البشير عصام: منع عرض الفكاهي ديودوني بالدار البيضاء واليهود والصهيونية

د. البشير عصام: منع عرض الفكاهي ديودوني بالدار البيضاء واليهود والصهيونية

هوية بريس – د. البشير عصام

الجمعة 24 أبريل 2015

كان من المقرر أن يأتي إلى بلدنا الفكاهي الفرنسي ديودوني (Dieudonné M’bala M’bala)، لإقامة عرض فكاهي بمدينة الدار البيضاء في أواخر شهر أبريل الحالي، قبل أن يمنع بضغوط من بعض الجمعيات، المدافعة عن اليهود.

قبل أن تسارع إلى الاستهانة بالموضوع، لما استقر في ذهنك من تفاهة الفكاهيين وحقارة ما يثيرونه من الموضوعات لإضحاك الناس، فأرجو أن تعيرني سمعك قليلا، لتراقب معي هذه الظاهرة العجيبة، وتستخلص منها معي بعض الفوائد.

هذا الرجل كان كغيره من الفكاهيين، قبل أن يقرر حشر أنفه في المنطقة المحرمة: ”اليهود والصهيونية”. وانهالت عليه حينئذ الآلة الإعلامية والقضائية الفرنسية، عبر المنع من وسائل الإعلام، والتشويه المنهجي، وعشرات المتابعات أمام المحاكم.

كل ذلك بدأ من استهزائه في ”اسكيتش” مشهور بمستوطن ”إسرائيلي”، ورفضه الاعتذار، لشعوره بخطورة سياسة الكيل بمكيالين، المتبعة في الغرب.

ولعلك تقول: فيم يهمني هذا كله؟

وجوابي: أن هنالك بعض الفوائد نستفيدها من قصة الرجل، منها:

1- حادثة ديودوني تجسيد عملي صريح لما نعرفه جيدا عن حدود حرية التعبير في الغرب. وهو ما ينكره بعض بني جلدتنا، ويحسبون أن الحرية لا حدود لها عندهم، عندما يرون القوم يتساهلون في نقد الأديان. والحق أن دائرة المقدس عندهم لم تندثر، وإنما تحولت من مجال لآخر!

ومَن فَهم هذا جيدا، لم تؤثر فيه دعوات بعضهم في بلادنا إلى إباحة الطعن في الدين وشعائره، تحت غطاء حرية التعبير بمفهومها الغربي!

2- كان من الممكن أن ينحني هذا الرجل أمام المنظومة المهيمنة كما فعل الكثيرون من أقرانه، ولكنه قرر رفع التحدي، ونجح إلى حد بعيد في ”نضاله”.

ونستفيد من هذا أن الإقرار النظري بالهزيمة أمام الفكر المهيمن يؤدي إلى تحققها في الواقع. لكن رفع التحدي ومواجهة الطغيان الفكري يمكن أن يؤدي إلى شيء من التغيير، ولو كان طفيفا. والناس يوزنون بميزان قدرتهم على مواجهة الصعاب، لا بمقدار روغانهم أمامها.

3- عرف ديودوني كيف يواجه المنظومة السياسية والإعلامية المتحكمة، عن طريق مسارين اثنين: النظام الإعلامي البديل (خاصة في الانترنت)، واستغلال الثغرات القضائية التي تمكن من خلالها من أن يحرج خصومه بقدر ما يحرجونه.

وتفصيل هذا يطول جدا. والذي يهمني منه هو: استفادة كل ذي فكرٍ مخالف للفكر المفروض المهيمن، من هذا التجربة العجيبة، والانتهاض لاستغلال الفرص المتاحة ما أمكن ذلك، بدلا من الانسحاق أمام المنظومة الفكرية الطاحنة.

4- يجتمع حول ”نضال” ديودوني أقوام من اتجاهات فكرية مختلفة جدا، يتجمعون حول غاية واحدة، هي: مكافحة الفكر المتسلط.

وأقول: يمكن اجتماع مشارب مختلفة متباينة على غاية واحدة. وإن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم. ولكن: لا بد من الحفاظ على وضوح الغاية وصحة الوسائل.

وبعد هذه الفوائد التي ذكرتها، لا تكتمل الصورة إلا بالتحذير من أخطاء هذا الرجل. فالاستفادة من تجربته لا تعني ثناء على شخصه أو فكره أو معتقده، بل ذاك شيء يشبه الاستفادة من التجارب العسكرية أو العلمية أو الحضارية لأمم الكفر أو لبعض الأفراد منهم، مع الاحتفاظ بأصول الولاء والبراء الثابتة في الشرع.

فمما أحذر منه:

• تجاوزه القبيحُ في بعض عروضه الساخرة، باستهزائه مثلا من بعض الأنبياء أو الصالحين. وليس بعد الكفر ذنب أصلا. وإن كان في عروضه الأخيرة أكثر تحفظا.

• الفحش اللفظي البالغ المدى!

• عدم تفريقه بين أهل الجهاد الحق وغيرهم من الأدعياء. فكل من تظاهر بمناوأة أمريكا والصهاينة، كان عنده من الأبطال. ولذلك يجمع في سلة واحدة مثلا بين: حماس وحزب الله والقذافي وبشار الأسد!

• للرجل علاقات مشبوهة بأقطاب الرفض، وله زيارات منتظمة إلى إيران ولبنان، ولقاءات سابقة بأحمدي نجاد وبعض قيادات ”حزب الله”.

• الرجل غارق حتى الأذنين في نظرية المؤامرة، ويفسر أغلب الأحداث الكبرى بها، مما يفقده كثيرا من تماسكه الفكري. وهو واقع تحت تأثير بعض أقطاب هذه النظرية بالغرب.

هذا ملخص صغير حول هذا الفكاهي، أحببت أن أشاركه مع الأفاضل، لعله مما تحصل به بعض الفائدة.

والله الموفق.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M