التعليم المستجد خلال وبعد “كورونا” المستجد
هوية بريس – الحبيب عكي
سبحان الله العظيم،تعليمنا الذي بخل على التلاميذ بالحواسيب الثابتة من النوع الجيد في مدارسهم أيام كانت هي الرائجة في البيوت والمحلات،واكتفى بذر الرماد في العيون ببعض قاعات “جيني” في بعض المؤسسات لم يسمع لمعظمها طوال وجودها حيوية ولا مردودية،ولا حتى أداء أثمنه صفقاتها؟؟. وتعليمنا الذي استكثر على التلاميذ توزيع لوحات مبرمجة بمقررات دراسية تفاعلية على غرار بعض الدول المجددة في برامجها و وسائلها التعليمية والمستثمرة في أجيالها المستقبلية،واكتفى بدلا عن ذلك بالمعهود من المحافظ التقليدية التي قد تحتوي في ثقلها وكبر حجمها وتعدد أدواتها،على أي شيء إلا اللوحة التفاعلية؟؟. وتعليمنا الذي ليس في برامجه ما يسعف لا الأستاذ ولا الإداري ولا التلميذ ولا الأباء من تعلم المعلوميات ولا إبداع التطبيقات ولا ترشيد الإبحار عبر المواقع والدردشة عبر الشبكات،فلا زال الجميع يجد الصعوبة حتى في الولوج إلى منظومة “مسار”وتفعيل مضامينها؟؟،بل تعليمنا الذي ليس هناك شيء أعدى إليه من أن يحصل الأستاذ على تلميذه هاتفا ذكيا يعبث فيه خلال الحصة مما يدفعه للتو وبكل عنف إلى نزع الهاتف من صاحبه بقوة وكتابة تقرير فوري مشحون بشأنه وطرده المباشر من الفصل؟؟.
اليوم في ظل جائحة “كورونا” – رفع الله وبائها عن الجميع – يقرر تعليمنا هذا – ودون سابق إنذار،بل متضاربا مع ما كان يدعيه أنه من الإشاعات – يقرر مضطرا توقيف الدراسة في المدارس والفصول وإفراغ المؤسسات التعليمية من كل شيء،وتعويض الدوام والحضور الملزم بالدراسة عن بعد في البيوت وفي المنازل،وطبعا عبر الإنترنيت والتلفاز وبواسطة الحواسيب والهواتف الذكية واللوحات والتطبيقات التفاعلية،وكل ما كان يعاديه ولم يؤهل له أي فئة تعليمية تعلمية كما ينبغي؟؟. المهم،أنه بدأ الدعاية الخارقة لكل ذلك كبارا وصغارا،مسؤولين ومشاهير فنية ورياضية،على أن الأمر أصبح اليوم من المسلمات التربوية المحسومة التي لا يناقشها ولا يتباطىء في تطبيقها إلا مشوش على تدبير الأزمة بل وربما أمن العباد واستقرار البلاد،exécution ؟؟. لا وقت إلا للتنفيذ والتنفيذ الفوري فساهم معنا أيها الأستاذ المحترم،ويا أيها التلميذ الذكي ويا أيها الآباء والأولياء،أدوا واجبكم الوطني والمهني والأبوي ولو بإنشاء مجموعات تواصلية عبر تطبيقات “الواتساب” و”الفايسبوك”، كنا قد نهيناكم عن “اللايفات” و فضح واقع التدريس عبر “يوتوب”،الآن ف”ليففوها وليففوها” ولو عبر أبيه وأمه حتى نهزم “كورونا”؟؟.
التعليم عن بعد مقاربة تربوية لها إيجابياتها وسلبياتها،ناجحة في بعض الحالات وفاشلة في أخرى،ضرورية في بعض الحالات وعبثية في أخرى،ورغم ما يؤمن به الجميع من أن أعمال العقلاء منزهة عن العبث،ورغم ما بدأ يستأنس به الجميع من أن المقاربة التشاركية ضرورة تربوية لا يمكن تجاوزها،فاليوم دعونا من كل هذا،وأمسكوا لكم أفكاركم وأغلقوا عنا أفواهكم،لا مجالس تدبر ولا نقابات ولا جمعيات ولا آباء ولا أولياء،ف”كورونا” قد “كورنت” أفكارنا ومؤسساتنا قبل أجسادنا و تعليمنا؟؟،وليكن لكم ذلك جدلا،ولكن فقط لماذا بدأنا تعليمنا عن بعد بدون حقيبة تربوية ولا تراكم ولا تنوع في الإبداعات والمنتوجات وكأنه لأول مرة؟؟. أين مردودية قاعات “جيني” وإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في المنظومة التربوية؟؟،أين منتجات الفرق التربوية المجددة والمبدعة الجهوية منها والمركزية أم هي مجرد هالة وحظوة وامتيازات دون حسيب ولا رقيب،وهي التي لم تزود خلال كل عقود نشأتها المختبرات العلمية في المؤسسات التعليمية ولو بقرص تعليمي واحد،ولا زال الأستاذ المبادر المجدد العصامي يشتغل في فصله ومؤسسته بجهاز عرضه الخاص(Datashow)؟؟.
أكيد،لا شيء سيعوض التعليم الحضوري والإلزامي من حيث التمحيص والتفاعل وغير ذلك،ورغم ذلك،فالتعليم عن بعد كان ينبغي أن تكون له في منظومتنا التربوية مكانة خاصة، وستتعزز ولا شك بعد أزمة “كورونا” وأخواتها من أزمات الأحوال الجوية – لا قدر الله -،ويمكن استثمار هذا التعليم عن بعد في أوقات الأزمة أو في غيرها،مثلا، في حالات الأطفال الذين يفتقدون إلى المدارس في المناطق النائية، للتخفيف من حالات الاكتظاظ الحادة في الأقسام،حالات الأطفال الذين تعوزهم التكاليف الدراسية ولا تنسجم مع واقعهم المعيشي،الذين لا يجدون وسائل النقل أو ترهقهم وتربك إيقاع حياتهم بشكل حاد،في حالات الطقس السيء الذي يهدد الأسرة التربوية ككل،حالات التلاميذ الذين يعنفون ويتنمر عليهم في المدارس دون حلول،حالات المرض الطويل والغياب الاضطراري مع القدرة على التعليم أو التعلم،حالات دروس الدعم والتقوية ومحو الأمية والتربية غير النظامية،التكوين المستمر والتنمية الذاتية والتحفيز الذاتي والتهيء النفسي للامتحانات،التخفيف من كثافة المقررات الدراسية بإنجاز بعض مجزوءاتها حضوريا وبعضها عن بعد،الإخبار برخص وغياب بعض الأساتذة(ة)..؟؟. ولكن لا بد من توفير شروط نجاح العملية كلها وعلى رأس ذلك:
1- توفير البنية اللوجستيكية اللازمة للتعليم عن بعد،وخاصة الحواسيب المحمولة الجيدة والهواتف الذكية الممتازة في كل بيت،لدى كل التلاميذ وكل الأستاذة والآباء.
2- تعميم شبكة الإنترنيت على كل التراب الوطني،في الحواضر وفي البوادي وبالصبيب الجيد وبالمجان،ومعافسة تلك المجانية وذلك التعميم كما عافسنا تعميم الماء والكهرباء .
3- تأهيل الأستاذ لتغيير طريقته التقليدية في التواصل وإعداد الدروس إلى إعداد المحتوى ومهارة التفاعل،دون أن تطغى الصورة والفرجة على ذلك ويفقد المضمون؟؟،وقبل ذلك إقناعه بجدوى هذا النمط التعليمي وبأن ذلك ليس استثمار الظرف الوبائي للنيل من مجانية التعليم أو التخلص من أعداد الأساتذة الموظفين؟؟.
4- تأهيل التلميذ،وإكسابه مهارة التعلم الذاتي قبل كل شيء،وتقنية البحث عن المعلومة،ومنهجية التلخيص والتفكير والمراجعة،وضبط استعمال الحاسوب والتعامل مع المواقع والشبكات والتطبيقات،والانضباط للحصص التربوية عن بعد؟؟.
5- تعميم تدريس المعلوميات في المؤسسات التعليمية، ومهارة التعامل مع مختلف البرمجيات والتكنولوجيات الرقمية من حواسيب وهواتف ومصورات وكاميرات وداطاشو..،وإحداث منصات تربوية للخلق والإبداع والتواصل داخل المؤسسات.
6- تصحيح مفاهيم هذا التعليم عن بعد،وإعداد برامجه ومنصاته ومنشطيه وجعله في متناول الجميع،حتى لا يكون التعليم عن بعد فاشلا من البداية وبكل المقاييس،إذا بقي هكذا بنفس البرامج الفصلية في المنزل واستبدال الأساتذة بالأولياء مؤهلين وغير مؤهلين؟؟،
7- استدراك نواقص التعليم عن بعد،خاصة ما ينتج عنه من ضعف مهارات التواصل والاحتكاك والتجارب عند المتلقي..،بتنظيم دورات تكوينية خاصة يحضرها المعنيون عن قرب؟؟. واستثمار التجربة الحالية بعد عشرات المنصات ومئات الدروس وآلاف الأقسام الافتراضية،للوقوف على إشكالات الموضوع ومعالجتها بكل جدية وموضوعية؟؟
8 – الاجتهاد في الجانب القانوني الخاص بتعويض الأساتذة عن الأتعاب والخلق والإبداع، وحماية المعطيات الشخصية للأساتذة والتلاميذ،وحماية العملية من أي انحراف افتراضي محتمل،وكذلك الاجتهاد فيما يخص مسألة المراقبة والتقييم بكل أشكالهما والامتحانات الإشهادية وإجازة المستفيدين في نجاحهم أو سقوطهم؟؟.
والله الموفق