عرس أهل التراويح
هوية بريس – د. عبد الله الشارف
السبت 20 يونيو 2015
إن أفئدة المؤمنين تهوي إلى المساجد في رمضان، وإن شعورهم بالفرح والطمأنينة، وهم يؤمون المساجد لأداء صلاة العشاء ثم سنة التراويح، شعور لا يحتاج إلى برهان كما لا يحتاج النهار إلى دليل. وما من مؤمن في مشارق الأرض ومغاربها، إلا ويتذوق حلاوة هذا العرس الإيماني من خلال أداء سنة التراويح الحميدة.
وما أجمل الأحاديث التي تدور بين المصلين في أبواب المساجد، بعد الانتهاء من صلاة التراويح؛ فهناك من يثني على الإمام وصوته الرخيم العذب، الذي يجعلك تسبح في فضاء إيماني رائع وعميق. وهناك من يحدثك عن نعمة رمضان، ومناخه الإيماني العظيم، ويتمنى لو كانت السنة كلها رمضان. ومؤمن آخر يصف لك حاله قائلا: إني لأجد في رمضان خفة في الروح والبدن، كما أجد متعة نفسية قوية، عندما أتحرر من شهواتي خلال الصوم، إلى غير ذلك مما ينساب على ألسنة المؤمنين من الكلام الوجداني، و هم يتفيؤون ظلال عرسهم الإيماني.
بعد أن تدبرت الأمر مليا، ألفيت أن الله سبحانه وتعالى، من على المؤمنين بهذا الشهر العظيم؛ شهر القرآن والتوبة والعتق من النار. إنه هدية من الله لعباده المؤمنين، وفرصة غالية وثمينة، تدعو العباد إلى الاجتهاد في التوبة والطاعة.
إن هذه الفرصة عبارة عن حمام روحي وبدني، لمن أراد أن يستحم ويتوب كي يفوز، لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له” (انظر شعب الإيمان للبيهقي).
نعم إن وسائل التوبة والإنابة، وتزكية النفس متوفرة للعبد على مدار السنة. لكنها تكون في رمضان، ذات طعم خاص وجاذبية متميزة، بحيث يسهل على من عزم على التوبة، أن يتوب، وعلى من أراد إصلاح نفسه، أن يصلحها، أو فعل خير أن يفعله.
ولذا كان السلف الصالح رضوان الله عليهم أكثر المؤمنين حبا لرمضان، وحرصا على الإكثار فيه من الطاعات والأعمال الصالحة. وما أن يودعهم هذا الضيف الكريم، حتى يشرعوا في دعائهم: اللهم بلغنا رمضان!!
أخي المسلم؛ إن الله سبحانه و تعالى أهدى إليك هدية رمضان، وعبد لك طريق التوبة والعتق من النار. واعلم أن تلذذك وفرحتك ساعة فطرك وأكلك، وتنعمك حين تقبل على أداء صلواتك، وحين تستمع إلى صوت الإمام الندي، وشعورك بالسعادة والطمأنينة، وأنت في فضاء العرس الإيماني، كل ذلك لأنك في مأدبة الله !. فقد أكرمك عندما أبقاك حيا، ودعاك إليها، وشرفك بحضورها وهو ملك الملوك، وقد حرم منها خلقا كثيرا!!
ولو اجتمع المؤمنون في كل بقاع الأرض وتضافرت جهودهم، ليجعلوا شهرا من شهور السنة أشبه برمضان، بل يوما وحدا من أيام السنة، أشبه بيوم من أيام رمضان، لما استطاعوا ولا وجدوا إلى ذلك سبيلا. فاعلم أنها مأدبة الرحمن، خصها الله في رمضان بعباده؛ عباد الرحمن!!
فاجتهد أن تكون منهم، واشكر الله على دعوته إياك. وإلا فقد يحول الموت بينك وبين تلبيتك لدعوة أخرى، فقد تموت وأنت غير تائب، فالله الله، وما أراك تطيق الحرمان الأخروي، ولا رؤية مالك؛ “يا ما لك ليقض علينا ربك، قال إنكم ماكثون” (الزخرف، آية:78)!!
تلك كانت نفحة من نفحات رمضان، زارتني عقب صلاة التراويح، فسطرتها على التو، وهي في كامل توهجها، وأهديتها إليك أخي القارئ الحبيب، سائلا الله أن تتوهج في صدرك مثل ما فعلت في صدري.