الفزازي: الغلو في الدين (التطرف) في المجتمعات الغربية
هوية بريس – محمد الفزازي
لنفترض حسن النيّة لدى المتنطعين والمتشددين. ولنضع الإصبع على الأثر السيئ الذي يخلّفه هؤلاء حيثما حلّوا وارتحلوا.
هناك مستويات عديدة لتواجد هؤلاء الغلاة في حياة الأوروبيين وخصوصاً في جموع الجاليات الإسلامية، فمنهم من يرى سلفاً أن المساجد كلها سواء في أوروبا أم في بلاد الإسلام، يرون أنها مساجد ضرار، وأنها عبارة عن بؤر للاستخبارات والتجسس، وأن الصلاة فيها لا تصح، وأنها مجمعات للمنافقين وأعوان الظلمة أكثر من أي شيء آخر. وهؤلاء الذين ابتلوا بهذا التفكير والتكفير من أسوء أنواع المتطرفين. لكنهم في واقع الأمر يرحمون بيوت الله بالابتعاد عنها وعن عمّارها. وفي المقابل، للأسف، نجدهم ينشطون في الأحياء ومع من يخالطونهم في العمل ونحو ذلك، وينشطون أكثر عبر وسائل التواصل الاجتماعي…
وهؤلاء يعدّون مشاريع إرهابية خطيرة، إذ لا يفصلهم عن القتل وسفك الدم الحرام سوى العجز.
نوع آخر من هؤلاء المتطرفين، يهجرون المساجد أيضاً، ولكن ليس من نفس منطلق الذين ذكرتهم أولاً، ولكن من منطلق البدعة والسنة والتشبع بآراء بعض المشايخ الذين يمنعون الصلاة في المساجد بدعوى وجود بدع ومبتدعة.
وهناك الذين يصلون في المساجد، ولا يأمن الناس من البلبلة التي يحدثونها والتجاذبات المتشنجة التي يثيرونها.
وهذا بيت القصيد كما يقال.
عموما في بلاد الإسلام كالمغرب مثلاً فإن الدولة هي التي ترعى المساجد وفق مذهب معين وتحميها من متاهات التنابز الفقهي والمذهبي… وهي بذلك تجنب عباد الله المسلمين ويلات التفرقة وسوء الاصطفاف وراء هذا الشيخ أو ذاك…
في بلاد المهجر، الأمر مختلف. انتماءات المصلين لجنسيات مختلفة، ولمذاهب مختلفة، بل ولعقائد مختلفة… يجعل الفتنة أقرب ما يكون إلى المسلمين هناك، وبدل المحبة الإسلامية والأخوة في الله والتعاون على البر والتقوى تتحول بيوت الله إلى حلبات للصراع والتنابز والعداوات…
ولا شك أن سلبيات هذه الأوضاع عديدة ومتنوعة. فهبْ أن محسناً ما أراد التبرع بشيء من ماله لصالح المسجد، فلا أستبعد أن تتنافس على استقطابه والظفر بتبرعاته جهات متعددة وقد يعدل ذلك المحسن عن ذلك التبرع إبتداءً وينصرف دون عودة.
ومثل ذلك لو أن نصرانياً أو غيره شرح الله صدره للإسلام وجاء إلى المسجد يطلب العوْن والنصيحة… لا أستبعد أيضاً أن يتنافس على استقطابه والظفر به هؤلاء أو أولئك.
وهذا ما يفسر الانتماءات المختلفة لدى المتحولين إلى الإسلام، فمن أسلم على يد السلفيين صار سلفياً، ومن أسلم على يد المتصوفة صار صوفياً… وهكذا نجد من الأوروبيين من هو مدخلي ومن هو شيعي وسلفي وصوفي وإخواني… الخ.
اللهم إلا أن تكون تلك المساجد منظمة ومحكمة التوجيه وموحدة الإدارة والنفقة… فهذا يفوت على الغلاة فرصاً كثيرة للتغلغل.
لذا أنصح إخواني القائمين على المساجد في غير بلاد الإسلام أن ينظموا عملهم في إطار رسميّ، مثل الجمعيات والوداديات وما شابه. وأن يكونوا على قلب رجل واحد، وألا يتركوا فرُجاتٍ للمتطرفين يتسللون من خلالها. هؤلاء هم الذين جعلوا من جهلهم بالدين ومقاصده الشرعية ديناً آخر ما أنزل الله به من سلطان.
بل أنصح بالتنسيق مع مساجد أخرى والتعاون على البر والتقوى وتضييق الخناق على الفتّانين والمغرضين…
بدون تنظيم وبدون تعاون ستظلون إخواني عُرضة لهؤلاء المغرر بهم باسم التوحيد والجهاد والسنة وغير ذلك مما يُعتبر عندهم مادة الاستقطاب… لكنهم لو فهموا أن نصوص الجهاد والقتال والسنة مثلاً هي نصوص تُفهم بقواعد أصولية محكمة وضوابط شرعية دقيقة… ما انساقوا في جوقة الفتن والقلاقل عن حسن نية ربما، ويعيثون في المسلمين تفرقة ونفوراً ومقاطعات… وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.