سي إن إن: ما الذي حدث بالسعودية؟
هوية بريس – متابعة
الإثنين 21 أكتوبر 2013م
لاشك في أن رفض السعودية اختيارها لتكون عضواً في مجلس الأمن كان مفاجأة غير متوقعة، إذ أعلنت ذلك في 18 أكتوبر/ تشرين الأول، وذلك بعد يوم من اختيارها لتحتل مقعداً من أصل عشرة للعضوية غير الدائمة بالمجلس الأول في العالم، الذي يشهد نقاشات حول مختلف القضايا الدولية، حسب ما أوردته شبكة “سي إن إن”.
إذ أظهرت السعودية، بصرف النظر عن أي أمر آخر، توجهاتها فيما يتعلق بالقضايا الدولية خلال السنوات الأخيرة، خاصة بمشاركتها في قمة مجموعة العشرين، ومع نشاطها السياسي مؤخراً على الساحة الإقليمية.
لكن التقليد الذي يحكم في العادة تمثل بأن السعودية لطالما فضلت العمل من وراء الكواليس، لدعم رؤيتها حول الاستقرار في المنطقة، ومواجهة ما يسمونه بالتهديد الإيراني المتنامي، وكان السعوديون الداعم الأكبر لالتحام دول مجلس التعاون الخليجي، الذي يسمى أيضاً بـ “circling of the Sunni wagons”، أي حلقة المركبات السنية، بالإضافة إلى تأكيد المملكة أن سعودياً سيتولى القيادة في منظمة التعاون الإسلامي التي تتخذ من جدة مقراً لها.
وبهذا، فإن كل هذه العلامات أوحت بأن السعودية كانت تتحضر لدورها في مجلس الأمن، وتأخذه على محمل الجد، بالإضافة إلى تدريبهم لفريقهم في نيويورك حول ما الذي يتوجب عليهم فعله لترك انطباع جيد.. إذاً ما الذي حدث بالضبط؟
وأشار البيان السعودي الذي أظهرت فيه المملكة رفضها لعضوية مجلس الأمن إلى ازدواجية المعايير الدولية، وفشل المجتمع الدولي في حل العديد من القضايا المفصلية، منها الأزمة السورية، والمعاناة المطولة التي خاضتها القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى الفشل في توفير شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل، وأكد المسؤولون في البيان أن السعودية ترفض دخول المجلس قبل إصلاحه بشكل يتيح له القيام بمهامه القائمة في الحفاظ على الأمن والسلام.
وبالطبع فإن العديد من الدول خارج الدائرة السحرية الخماسية لأعضائه الدائمين (الممثلين ببريطانيا، وفرنسا وأمريكا وروسيا والصين) أرادت رؤية إصلاح جذري في مجلس الأمن، كما أن الأعضاء الخمس أنفسهم أبدوا قلقهم نحو فشل المجلس تجاه إظهار قوى العالم المتغيرة، وتمكن المجلس من الانفتاح لعضوية لاعبين جدد، وأن ذلك كله يمكن أن يشكك بمصداقية وشرعية الأمم المتحدة.
ولا يوجد مجال للشك بوجود غضب متنام، في السعودية وفي أرجاء أخرى بالعالم العربي تجاه فشل المجتمع الدولي بحل القضية الفلسطينية، وتوفير الأسس لبناء الدولة الفلسطينية، التي طال الحديث عنها، وهذا الغيظ موجه بالتحديد نحو الغرب، وبالأخص واشنطن، ويحمل في طياته حساً قوياً بوجود المعايير الغربية المزدوجة.
وبهذا يطرح السعوديون السؤال: كيف يمكن للغرب المنادي بحرية تحديد المصير والديمقراطية حول أرجاء العالم، أن يتوقف عن هذه لمطالب عند مناقشة القضية الفلسطينية؟.. وهذا بسبب الدعم الأساسي لـ”إسرائيل” النابع من أمريكا، وإن كانت أمريكا جادة بالموضوع، ألن يكون لها نفوذ كافٍ لإقناع “إسرائيل” بالتوصل إلى اتفاق؟..
ولماذا أبهر باراك أوباما الجميع في خطابه بالقاهرة خلال الفترة الأولى من توليه الرئاسة، ليفشل بنجاح في تنفيذ وعوده؟
ولا يتوجب البحث معمقاً للعثور على ما يشبه الهشاشة من الناحية السعودية، إذ أن الرياض، وبكل النواحي تعد حليفاً للغرب، خاصة في أي أمر يتعلق بإيران، لذا فإن السعوديين لا يرتاحون عندما تبدو إيران في صدارة من يحمل حل القضية الفلسطينية، خاصةً عندما تشير إيران للشعوب العربية بأن دولهم متحالفة مع الغرب، وأن مناداتهم بالقضية الفلسطينية يعد مجرد كلام، أو حتى خيانة للقضية.
ومن هنا ورغم أن السعوديين يلعبون بجدارة على الساحة السياسية، إلا أنه لا شك بأن القضية الفلسطينية مقدسة بالنسبة إليهم، واهتمامهم العميق حول مصير القدس، وبالأخص الحرم الشريف.
كما يمكن للمرء أن يلاحظ مدى عدم السرور البادي من الناحية السعودية تجاه السياسات الغربية مع مصر، لكن من الأوضح بأن عدم الرضا السعودي تجاه الفشل الغربي في سوريا، كان العامل الأساسي في اتخاذ قرار رفض المملكة للعضوية، ويبدو ذلك واضحاً أكثر عندما رفض وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، التحدث في الجلسة الأخيرة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، إذ أمل السعوديون في بداية الأزمة السورية أن يقوم الرئيس بشار الأسد بما يلزم للبحث في مطالب شعبه تجنباً لوقوع أزمة، وعندما قرر الأسد باستعمال القوة، لم يتح مجالاً للخطأ حول الغضب المنطلق من مبدأ أخلاقي والمنبثق من رأس النظام السعودي، أي الملك عبد الله نفسه.
وانطلقت نقطة جدال السعودية بتسليح المعارضين السوريين من اعتقادهم بأن للمظلومين حق الدفاع عن أنفسهم، لكن المملكة كانت حريصة في الوقت ذاته على عدم تقوية “الهلال الشيعي”، الذي يمتد عبر إيران والعراق وسوريا ولبنان، وصولاً إلى حزب الله، وأعتقد بأنهم ورغم كل ذلك حاولوا تقوية الجماعات غير المتشددة، خاصة بعد تعلمها أكثر من أي جهة أخرى من التجربة الأفغانية ضد الحرب السوفييتية، والتي تمثلت بأن وجود الأسلحة بين أيدي المقاتلين التابعين لتنظيم القاعدة، يمكن أن يرتد أثره على المملكة يوماً ما، كما أنه من الصعب في هذا الجو الفوضوي معرفة في أيدي من يمكن أن تقع هذه الأسلحة.
ومن وجهة نظر سعودية، فإن الرسالة التي تنوي إيصالها إلى الغرب، تتمحور حول فقدان أمريكا قدرتها في الحفاظ على قوتها بأسلوب تعاملها مع توظيف الأسلحة الكيماوية في سوريا (وهي رسالة يرون فيها بأنهم لن يخسروا موقفهم مقارنة مع الإيرانيين)، وأن أمريكا ينقصها ثباتها على موقفها (إذ كان المتحدثون الرسميون يرون بأن الأسد قد قضي عليه، لكن الآن، حتى وزير الخارجية الأمريكي كيري، يشيد بموقف الأسد، بتعاونه مع مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية) وأن أمريكا غير مهتمة بالتبعات الاستراتيجية الناجمة عن هذه الأزمة، والضغوطات التي يفرضها تدفق اللاجئين على كل من لبنان والأردن والعراق..
وهذا بالإضافة إلى افتقادها للمعايير الأخلاقية، وذلك بالرسالة التي أوحتها للأسد، بأنه يمكن قتل المتظاهرين بالرصاص، لكن لا يمكن إطلاق غاز السارين عليهم، ورغم هذا كله يبدو السعوديون واثقين بأن الغرب سيحاول جاهداً تحقيق نتيجة في مؤتمر “جنيف 2″، المتوقع عقده في نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
وهم يشتركون بغرابة مع “إسرائيل” هماً واحداً، بأن المشي الأعرج للغرب فيما يخص القضية السورية، يوحي بوجود نية للموافقة على اتفاق مرض مع طهران، لتتمكن الأخيرة من التعامل مع قضايا المنطقة بحرية أكبر.
ويمكن، بل أظن أنه يتوجب أن ينصب الجدل حول الدور الذي كان يمكن للسعودية أن تلعبه في حال انضمامها لمجلس الأمن، في إسماع العالم لوجهة نظرها، لكن الصدمة المتولدة بقرار رفضها العضوية قد أوصلت رسالة قوية وعلنية لحلفائها بشعورها بالخيانة، وهي رسالة يجب على الغرب الإصغاء إليها بحذر، وخاصة الذين يأملون بالتعامل معها بعلاقات تتسم بالثبات والاستقرار.
تنويه: كاتب المقال هو توم فيليبس، السفير البريطاني السابق في المملكة العربية السعودية و”إسرائيل”، والعضو في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لمركز Chatahm House الملكي للعلاقات الدولية..