اشتهر اليوم الثامن من مارس باليوم العالمي للمرأة، وهو يوم أحدثته الدول الغربية اعتقادا منها أنه السبيل للنهوض بأوضاع المرأة، وتحقيق رغبتها في العيش الكريم، والحياة الرغيدة العادلة بجانب الرجل، في ظل مساواة تامة، وحرية كاملة.
غير أن هذه الدعوة انطلقت من محض التحكم العقلي، المبارز للضوابط الحقيقية، التي لا وجد لها على الحقيقة إلا في ظل الشرع الرباني، والمحضن التوجيهي السماوي، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لأن مصدره من رب السماوات والأرض، الذي خلق البشر فقال: “وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى“.
فإن كان لا بد من مناسبة لبيان قيمة المرأة، وضرورة العناية بها، والاعتراف بأدوارها، فلتكن في كل أيام السنة، لأن لحظات الزمن لا يمكن أن تستمر إلا بوجودها، بل لا صلاح للكون كله إلا بصلاحها.
لقد اتسع الخرق على أهل الغرب، لما انتهجوا سياسة الانفتاح غير المحدود، المتفلت من الضوابط الشرعية، التي اعتبروها قيودا لا تساير العصر، ولا تواكب عجلة الزمن، فأوهمونا أنهم على خير، وأن ظلم المرأة إنما ترعرع في بيئة الدول المتخلفة، التي منها الدول الإسلامية، فصدروا لنا ثقافة المساواة العرجاء، والحرية العمياء، فقبلنا ادعاءهم، وفركنا أعيننا لنصدق سرابهم، وما علمنا أن أصل الداء هم، وأن حريتهم زعم ووهم.
ففي أمريكا -مثلا- يوجد 74% من النساء العجائز فقيرات، 85% منهن يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعدة، وفي أحسن الأحوال يلقى بهم في دور العجزة، حيث البؤس المطبق، والوحدة القاتلة، حتى يتسنى للأبناء العيش السعيد، بعيدا عن مشاكل العجائز. والله تعالى يقول: “إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا“. ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يجعل الأم أحق الناس بحسن الصحبة، وجميل المعاملة. بل يوصي الابن ويقول له: “الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ” صحيح سنن ابن ماجة.
ومليونُ امرأة -تقريباً- هناك يعملن في البغاء خلال الفترة من 1980م إلى 1990م، ويتم اغتصاب 1900 فتاة يومياً، و 31% من الرجال والنساء المتزوجين، يقيمون علاقاتٍ جنسيةً غيرَ شرعية، و78% من الأزواج هناك يعتقدون أنهم يخونون بعضهم، وأن 40% من النساء المتزوجات، لهن أكثر من علاقة جنسية، وترتفع هذه النسبة عند الرجال إلى 68%.
وأوضحت دراسة لجامعة هارفارد أن 90% من الصور الموجودة على الإنترنت إباحية، وديننا يدعو إلى العفة والتصون، ويرى كل علاقة خارج إطار الزوجية زنا يعاقب صاحبه أشد العقاب. قال تعالى: “وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ”. وقال تعالى: “وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا“. وقال تعالى: “وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ“. بل منع ديننا كل سبيل موصلة إلى الفاحشة، فقال تعالى: “قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ“. بل جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا العمل الشنيع خروجا من الإيمان فقال: “لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ” متفق عليه. فانظر كيف استسهل الغرب هذه الجريمة النكراء حتى عم فيهم ولد الزنا، فوجدنا في بريطانيا -مثلا- 170 فتاة تحمل سفاحاً كل أسبوع، و60% من المواليد الجدد في السويد، ولدوا بغير زواج شرعي، وثلث المواليد في أمريكا هم أبناء غير شرعيين، ويتجاوز الرقم في فرنسا 40%.
فعن أي عيد للمرأة يتحدثون؟ والإحصاءات تقضي بأن المرأة الفرنسية تنتقل في حياتها -في المعدل- بين أحضان 17 رجلاً بين زوج وعشيق، ثلث الذكور -هناك- ارتكبوا فاحشة الزنا منذ سن 14عاما، حتى اضطرت كثير من المدارس الغربية أن توزع حبوب منع الحمل والعوازل الجنسية على الطلبة، بعد اكتشاف 15 مليون حالة إجهاض في العالم سنويا.
وفي الوقت الذي يقيم فيه الإسلام صرح الأسرة على الرحمة والمودة، وبناء اختيار أحد الزوجين للآخر على أساس من الخلق والدين، ويوصي الزوج بتقدير أمانة الزوجة المودعة عنده، حتى قال -صلى الله عليه وسلم-: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي” صحيح سنن ابن ماجة، نجد حوادث العنف الزوجي في الغرب منتشرة بين 50 إلى 60% من العلاقات الزوجية، مما كان له سيء الأثر على استمرار هذه الحياة التي تنتهي بنسبة 60% إلى الطلاق. وفي مدينة أمريكية تدعى “سان ماتيه” -وهي من أكثر المدن تقدما وحضارة-، تؤكد الدراسات أن ضمن كل 100 يتزوجون أول العام، 80 منهم يطلقون في آخره، وعمر الزواج في فرنسا لا يتجاوز 6 سنوات. فعن أي عيد للمرأة يتحدثون؟.
وساد الاعتقاد أن المرأة هناك تعيش في الظاهر في بحبوحة من السعادة، لأن إعلامهم استطاع أن يخفي حقيقة أمرها، لولا تسريب نتائج بعض الدراسات التي تسفر عن الوجه الكالح للمجتمع الغربي في تعامله الذكي مع المرأة، مؤكدة أن المرأة هناك بلغت من المهانة درجة أصبحت معها موضوعا للتجارة بين الدول، حيث اكتشفت شركات متخصصة في توفير النساء لمن يرغب فيهن، وحدد عدد النساء والأطفال الذين يجري بيعهم إلى أسواق الجنس بالاتحاد الأوروبي بأكثر من 120 ألف امرأة وطفل سنويا، وأن كثيرا من طالبات الجامعات في فرنسا يوفرن أقساطهن الجامعية من خلال عملهن مرافقات للرجال الذين يدفعون، فضلا عن شبكات تهريب النساء اللاتي يبعن بالثمن لأغراض جنسية، يتراوح أعمارهن بين 15 و18 عاما، ويتحدثون – مع ذلك – عن عيد المرأة.
إنها المرأة المستعبدة، التي تئن تحت وطأة قساوة الرجال، التي تخفيها بهرجة المدنية، وبريق الصناعة، ولوعة الحضارة.
ما كفاكم في الغرب مليونُ طفلٍ***أنتجتهم خطيئة الدخــــلاء
ما كـفاكم مليـار أنـثـى تنــــادي***أنقذونا من وطأة الفحشــاء
يقول الدكتور “سيمونس مور”: “تؤكِّد آخر الإحصائيات عن أحوال المرأة في العالم الغربي، أنها تعيش أتعس فترات حياتها المعنوية، على الرغم من البهرجة المحاطة بحياة المرأة الغربية، التي يعتقد البعض أنها نالت حريتها”. ويكشف د. “هنري ماكو” خدعة تحرير المرأة الغربية ويقول: “تحرير المرأة خدعة من خدع النظام العالمي الجديد، خدعة قاسية أغوت النساء الأميركيات، وخربت الحضارة الغربية”.
لا تخدعنَّـكِ دعـــوة***هي بين أظهرنا دخيلةْ
شرف الفتاة وحسنُها***أنْ لاَ تميل مع الرذيلةْ
فتستـري بين الـورى***بجلال حُلَّـتِـكِ النبـيلـةْ
ولا عجب أن نكشف على هذه الثغرات المروعة، في مجتمع ارتضى نهج إطلاق العنان لنزوات النفس، ورغبات الذات، بلا قيد من شرع، ولا ضابط من دين، غير أن العجب كل العجب، من أناس ينتسبون إلى المسلمين، ويتسمون بأسمائهم، وينتمون إلى بجدتهم، ثم هم يعلنون الحرب على مبادئ دينهم، وثوابت شرعهم، ومقدسات وطنهم، فيرون إحياء عيد المرأة في رفع معاول هدم الدين، وتقويض أركان الشريعة، وادعاء أن الإسلام سبب تأخر المسلمين، وأنه وراء هضم حقوق المرأة، وسوء وضعيتها، فوجد الحل في النداء بالتشطيب على بعض نصوص القرآن الكريم، مثل آيات تحريم الخمر، لأن شرب الخمر عندهم مسألة شخصية، تتعلق بحرية الأفراد، وهم يتحملون مسؤوليتهم في شربها، فلا حاجة لوصاية الدين على الحريات.
ومثل آيات قسمة المواريث، التي تجعل للذكر في بعض الحالات ضعف ما للأنثى، ورموا كلام الله تعالى بالتمييز والذكورية. ومثل الآيات التي تمنع تزوج المرأة من غير المسلم، ورأوا ذلك تحكما في حرية المرأة.
ونقموا على ديننا أنه يبيح للرجل تعدد الأزواج، والمساواة -عندهم- تقتضي إباحة تعدد الأزواج للمرأة الواحدة، أو منع الجميع. وانتفضوا حين علموا أن الإسلام يمنع الردة عن الدين، واعتبروا التدين مسألة شخصية، وحرية ذاتية، لا دخل لأحد فيها. وجعلوا صيام رمضان اختيارا، لا دخل لأحد فيه. وآخر صيحات بعضهم، تروم إعادة النظر في تفسير نصوص القرآن بما يتماشى والحضارة الحديثة، وأن ما تواطأ عليه المسلمون منذ عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فهم لكتاب الله عفَّى عنه الزمن، وتجاوزه التاريخ. أو هكذا يحتفل بعيد المرأة، وبهذا ننهض بوضعيتها، ونعلي شأنها، ونحفظ كرامتها؟
يا درةً حُفظت بالأمـس غالــية***واليوم يبغـونها لِلَّهـو واللعــب
يا حرةً قد أرادوا جعلـها أمـــةً***غريبة العقل لكن اسمُها عربي
هل يستوي من رسول الله قائده***دوما وآخر هـاديه أبو لهــب؟
شكرا لأستاذنا المفضال على اغتنام الفرص واستثمار الأحداث والمواسم، وعدم تركها تمر دون إبراز الموقف الشرعي المناسب لها. وقد عودتمونا على هذا التناول الفريد للمواضيع والأحداث، بأسلوبكم السهل الممتنع؛ الذي يعيد الحياة للفقه الإسلامي، ويسفر عن روح النص الشرعي الذي يأبى الانفصال عن أهم صفتيه: الربانية، والخلود.
شكرا لأستاذنا المفضال على اغتنام الفرص واستثمار الأحداث والمواسم، وعدم تركها تمر دون إبراز الموقف الشرعي المناسب لها. وقد عودتمونا على هذا التناول الفريد للمواضيع والأحداث، بأسلوبكم السهل الممتنع؛ الذي يعيد الحياة للفقه الإسلامي، ويسفر عن روح النص الشرعي الذي يأبى الانفصال عن أهم صفتيه: الربانية، والخلود.