كلمة الدكتور مصطفى بنحمزة لدعاة الحريات الفردية المطلقة
هوية بريس – د. مصطفى بنحمزة
.
لا يوجد في أي ثقافة من الثقافات شيء اسمه الحرية بالمعنى السائد الذي يتحدث عنه الناس الآن ويعتبرونه ميزة المجتمعات الغربية باعتبارها لا تتدخل في حرية المعتقد وفي حق الأفراد في فعل ما يحلو لهم بأنفسهم داخل المجتمع، هذا الكلام هو تغليط في فهم الثقافات الأخرى، أقول من جانبي أن الثقافات والحضارات الأخرى تنحاز في الوقت الحالي إلى المجتمع ولا تعلي من شأن الفرد على حساب المجموع، بمعنى أنها تعطي السلطة العلوية للمجتمع، فالإنسان يبني بيته ولكن وفق منظور المجتمع وتخطيطه فلا يجوز له أن يخالف في البناء أو في اللون الذي تختاره المدينة فهو إذن محكوم برؤية المجتمع، كما أن هذا الانسان وإن كان حرا إلا أنه لا يمكنه أن يدخن أمام الناس في مكان عمومي، فحريته في هذه الحالة ليست معتبرة بل وجود المجتمع هو المعتبر، وبناء على ذلك أصبح هذا الفعل أي التدخين مجرما ولا يمكن بالتالي لأي إنسان في أوربا أن يدخن في مقهى لأنه يمارس حريته، وهكذا فكل الممارسات تجدها محكومة بحرية مجتمعية والمجتمع هو الذي يقبل هذا أو يرفضه.
وفي المجالات الفكرية والتعبيرية، نلاحظ أن حرية التعبير في هذه المجتمعات ليست حرية فردية بل إنها مقيدة ومنضبطة، وأذكر هنا القانون الذي صدر في فرنسا هذا الأسبوع والذي ينص على تجريم التشكيك في إبادة الأرمن، وفرنسا الحداثية أقرت هذا القانون وهي تعرف ماذا يعني هذا القرار، وقبل ذلك تم تجريم إنكار الهولوكست ومن قبل تم تجريم أي دعوة إلى الكراهية، كما تجرم الإشادة بالنازية لأن ذلك يعتبر مصادمة للذهن الجمعي الأوروبي.
ولا يسمح الأوربيون أيضا لأي كان بأن يسيء إلى العلم الوطني لأنه بالنسبة لهم بمثابة مقدس من المقدسات، وحينما يمزقه أو يطأه أحدهم بالأقدام فإنه لا يمارس حريته بل يكون في تلك اللحظة قد تغلغل في كيان المجتمع وأساء إلى الذهنية المجتمعية، ونحن لا نجد أبدا أن حرية بالمعنى الذي يريد أن يفرضه بعض الناس هي حق أساسي للإنسان، لأنه حق يظلم أناسا آخرين، وهذه هي الحدود التي نتحدث عنها، أما ما يروج له البعض حول مفهوم الحريات الفردية وكونها مطلقة مستدلين على ذلك بالمجتمعات الغربية، فهم إما لا يفهمون الثقافات الأخرى ولا يغوصون في أعماقها وإما يعرفون ويغالطون ويريدون أن يدفعوا المجتمع إلى فوضى حقيقية سيؤدي الجميع ثمنها.
لذلك نقول دائما إنه لابد من اعتبار المجتمع، وهذا ما يدعو إليه الإسلام، فالإنسان إذا جاز أن يفطر لسبب شرعي سواء كان مسافرا أو مريضا يفعل ذلك شريطة احترام مشاعر الآخرين، كما لا يجوز له أن يسب آلهة المشركين لأن القرآن نهاه عن ذلك وكل هذه الأشياء هي جزء من الآداب الإسلامية.
إذن الإسلام علم الناس أن يحسنوا التعايش، وهكذا عاش المسلمون مع الأغيار من أوربيين وهندوس على أساس الاحترام المتبادل، لكن دعاة الحريات الفردية المطلقة يريدون الاستعلاء على المجتمع وأن يجعلوا من أنفسهم شيئا أعلى من المجتمع، وهذا فكر خاطئ لا يقول به أحد في العالم.
مقال في الصميم لله در فضيلة الشيخ العلامة مصطفى بن حمزة