هل من الممكن أن يكون الفزازي مدخلا للمصالحة مع التيار السلفي؟
عبد الله أفتات
هوية بريس – الأحد 30 مارس 2014
مباشرة بعد انتهاء صلاة الجمعة يوم الجمعة بمسجد طارق ابن زياد بطنجة التي ألقى فيها الشيخ محمد الفزازي الخطبة الأسبوعية أمام الملك حول “الأمن والاستقرار”، حتى سارعت العديد من الجهات ومجموعة من الكتاب والباحثين إلى اعتبار أن الأمر يتعلق بمحاولة للمصالحة مع التيار السلفي الذي يعتبر محمد الفزازي أحد شيوخه البارزين، لدرجة أن هناك من وصلت به الحماسة إلى اعتباره حدثا وتحولا في العلاقة بين الدولة والسلفيين في المغرب.
لكن وبالنظر للمعطيات الماثلة أمامنا وبتفحيص دقيق بين سطورها يتضح أن ما حدث هو فقط مكافأة يمكن اعتبارها رمزية لأحد خدام السلطة الأوفياء، والسلطة الحاكمة بالمغرب تعتبر أن ما قدمه هذا الرجل لحد الآن يستحق التفاتة قد تكون مقدمة لما هو آت، ولقد كان الشيخ ذكيا في طريقة بعثه للإشارات التي تفهم السلطة لغتها بشكل جيد، وإنها في كثير من الأحيان ترد التحية بأحسن منها، لن أعود إلى بداية ما يمكن اعتباره تحولا في فكر ومواقف الرجل لأن الأمر سيطول، لكنني سأشير هنا إلى نقطتين غاية في الأهمية أراد الشيخ السلفي من خلالهما في تقديري تسريع عملية التقارب بينه وبين السلطة.
أولا، فمنذ مغادرة محمد الفزازي للسجن في 14 أبريل 2011 بفضل الضغط الذي مارسه الشارع من خلال شباب حركة 20 فبراير وهو يهاجم قادة ورموز الحراك تارة والتنظيمات الداعمة له تارة أخرى، بل إنه شارك في مسيرات ووقفات معادية لحركة 20 فبراير، بل أكثر من كل هذا فقد وصف طليعة الحراك بالمغرب في حوار أجريته معه لفائدة موقع “المبادرة بريس” المتوقف عن الصدور بوكالين رمضان وشباب طايش، ومدفوع، وغيرها كثير، وهذا بالنسبة للسلطة وفي ذلك الوقت الذي كان الشارع في عنفوانه وفي وقت كانت فيه السلطة في حرج من أمرها، يمثل الشيء الكثير، خاصة وأن ما عبر عنه الفزازي كان يتماها ويوازي ما كان يثار في الإعلام الرسمي.
ثانيا، لم تكن السلطة لتتغاضى عن تصريحات الشيخ وهو الذي تسلط عليه كل الأضواء داخليا وخارجيا بخصوص رأيه في مدير المخابرات المغربية الذي قدمت ضده شكايات تزعم أن جهازه مارس التعذيب على أصحابها، “فشجاعة” الرجل جعلته يدعي في تصريح لم يجرأ على قوله حتى الراسخ والمنغمس في السلطة أن “الحموشي يمارس مهامه باحترافية مدهشة وبأخلاق هائلة” وأضاف “يمكنني أن أشهد للتاريخ أن عبد اللطيف الحموشي رجل نزيه وكفء، ومخلص لوطنه، وللمسؤولية الجسيمة التي أنيطت به”، مردفا أن “الرجل أكبر من أن تتلوث يده بتعذيب أيّ كان، أو أن يأمر بذلك أو يشرف عليه”.
أما بخصوص من اعتبر الحدث مدخلا للمصالحة مع التيار السلفي، وأن الشيخ “الطنجاوي” ممكن أن يكون المفتاح فالأمر غير ممكن لمجموعة من الاعتبارات، فالشيخ الفزازي لا يمثل إلا نفسه فبنظرة سريعة على الأسماء التي رافقت باقي ما يطلق عليهم بالشيوخ نجدها بارزة ولها مكانتها المعتبرة سواء تلك التي رافقت محمد عبد الوهاب رفيقي إلى حزب “الشمس” أو تلك الملتفة حول الشيخ عمر الحدوشي، أو تلك التي ساهمت مع الشيخ حسن الكتاني في تأسيس “البصيرة”، بل إن المئات من هذا التيار الذين لا زالوا يقبعون في غياهب السجون المغربية لا أحد منهم في تقديري يمكن أن يسمع لهذا الشيخ فمعظمها “تتمشيخ” حول الشيخ نور الدين نفيعة الذي يعتبرونه القائد الميداني الحقيقي، ثم إن اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين تعتبر الفزازي تخلى عن المعتقلين وعن الملف برمته، ليبقى السؤال المطروح من ممكن أن يستمع للشيخ الفزازي في حل الملف هذا إذا اعتبر مفتاحا؟
الجواب لا أحد إلا مجموعة تأثيرها ضعيف ومتواضع جدا بحيث فشل معها في محاولة تأسيس الحزب الذي لا طالما بشر به المغاربة قبل توليه منبر الخطابة وهو الحل الأسهل بالنسبة إليه، ما دام الحزب مكلف سياسيا وتنظيميا وأدبيا وأيضا على مستوى المال والجهد والوقت.
ثم لا ننسى أن السجون المغربية تغلي بالاحتجاجات، فما يكاد التيار السلفي يخرج من معركة حتى يدخل في أخرى ولا نسمع للفزازي رأيا أو قولا أو موقفا بخصوص ما يجري داخل السجون، وإذا كان سجناء السلفية يحققون من حين لآخر نجاحات على المستوى الحقوقي، فإن السلطات المغربية فشلت فشلا ذريعا في فتحها لنقاش فكري وشرعي حقيقي خاصة مع القيادات الميدانية بل الاصطدام وتشويه صورة هذا التيار في مختلف وسائل الإعلام الرسمية أو القريبة هو سيد الموقف، أما التجاوزات التي تكون في بعض الحالات انتهاكات فإنها خلفت آثارها البليغة ليس فقط في نفسية السجناء بل أيضا على عائلاتهم مما يتطلب الأمر معالجة شاملة يبدو أن الفزازي لن يكون مدخلها بالتأكيد.