من تساؤلات القارئ المتدبر لسورة الفاتحة (8)

16 مايو 2019 14:40
من تساؤلات القارئ المتدبر لسورة الفاتحة (15)

هوية بريس – سفيان أبو زيد

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ

التساؤل 11 : لماذا جاء لفظ يوم الدين ؟ لماذا لم يسمه يوم القيامة أو يوم الحساب؟

الجواب:

يوم الدين هو يوم القيامة ، ويصلح هنا في معنى الدين الحساب والجزاء والقهر، ومنه قوله تعالى{إنا لمدينون}

قال العلماء: لمعنى الجزاء مزية ، يعني يرجح معنى الجزاء على غيره من المعاني الأخرى، وذلك للإشعار بأنه معاملة العامل بما يعادل أعماله المجزي عليها في الخير والشر.

لأن الله عزوجل متصف بالعدل فإذا فسرنا يوم الدين بمعنى الحساب فلن يتضمن هذا المعنى لأن الحساب قد يكون عادلا وقد يكون ظالما، وكذلك إذا فسرناها بالقهر، فالقاهر قد يكون عادلا وقد يكون ظالما.

فإذا فسرناها بالجزاء، فالجزاء فيه معنى العدل، لأن الجزاء أن تعطي الشخص قدر ما أعطى وقدر ما يستحق.

وذلك قال العلماء : وذلك العدل الخاص، قال تعالى{اليوم تجزى كل نفس ما كسبت لا ظلم اليوم}[1]

لذلك لم يقل ملك يوم الحساب، فوصفه بأنه ملك يوم العدل الصرف فإذا كانت الدابة غدا يوم القيامة تقتص من ناطحتها في الدنيا، إذا كان هذا بين الدواب التي أعمالها وأفعالها غير محاسبة عليها، فما بالك بالعدل والقسط الذي يكون بين بني البشر، فيوم الدين ألصق بيوم الجزاء، وألصق بمعنى العدل، ومعنى القسط الذي ذكره الله تعالى في غير ما آية.

فوصفه بأنه ملك يوم العدل الصرف، وصف له بأشرف معاني الملك.

لأن الملك يقتضي سيطرة وصلاحيات واسعة ، ولكن متى يكون وساما لهذا الذي اتصف به؟ إذا كان عادلا، إذا أعطى كل ذي حق حقه، إذا أخذ من نفسه وأعطى غيره.

فلذلك قوله تعالى{ملك} أو{مالك يوم الدين} أي مالك يوم العدل، فهو عادل في ذلك اليوم.

قال العلماء : لأن الملوك تخلد محامدهم بمقدار تفاضلهم في إقامة العدل، وقد عرف العرب المدحة بذلك.

لذلك فالمتدبر إذا قرأ هذه الإضافة فليستحضر هذا المعنى، وهو العدل والإنصاف وأنه ما من مظلوم في هذه الدنيا إلا وله أمل في أن يسترجع حقه وهذا من مقتضيات الإيمان باليوم الآخر.

فكثير من الناس يفهم الإيمان باليوم الآخر من جانبه العدمي، فهو نهاية للعالم وأنه يوم الفصل فريق إلى الجنة وفريق إلى النار، وهذه معان لا غبار عليها.

ولكن هناك معنى دنيويا نلمسه في الدنيا للإيمان باليوم الآخر وهو يتمثل في أن هذا اليوم هو يوم استرداد الحقوق، فإذا منع الإنسان من حقه في الدنيا وقد سلك شتى الطرق للحصول عليه، فهناك يوم سترجع فيه الحقوق بالذرة وحبة الخردل، فالإيمان بهذا اليوم يعطي للمؤمن شعورا بالأمل، وشعورا بالاستمرار.

ومن جانب آخر، فقد روت لنا السيدة أُم سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كما في البخاري: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، بِقَوْلِهِ: فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلاَ يَأْخُذْهَا “[2]

فمن المقامات التي كانت له صلى الله عليه وسلم هو مقام القضاء فكان صلى الله عليه وسلم يفصل بين الناس في الخصومات وقد يأتيه شخصان أحدهما ألحن حجة من الآخر، أي له مهارة في الكلام والنقاش ، والنبي صلى الله عليه وسلم يعمل بصفته قاض بحسب الحجج التي عرضت أمامه، فهو صلى الله عليه وسلم ينبه صحابته رضي الله عنهم أجمعين، والأمة جمعاء، أن من كان ألحن حجة في عرض حججه ومستنداته ليس معناه أنه على حق، فقد يكون ظالما متجاوزا معتديا، فهذا لا يبيح له ذلك الأمر، فيأتي يوم الدين والجزاء ليحل هذا الإشكال، ويأتي لينبه هذا الظالم الذي أخذ حق غيره وإن كان الظاهر أنه حقه حسب الحجج التي أدلى بها، فهذا لا يعني أنه أخذ الحق الذي أجازه الله له.

لهذا جاء قوله تعالى{ملك يوم الدين}[3]

 

[1] – سورة غافر : 17

[2] – صحيح البخاري (3/180/ 2680)

[3] – أنظر [ التسهيل (1/65)/ التحرير والتنوير (1/171-177)/ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن

المؤلف : محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى : 1393هـ) (1/6)دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان  1415 هـ – 1995 مـ/ تفسير القرآن الكريم (ابن القيم) لمحمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ) (1/37) المحقق: مكتب الدراسات والبحوث العربية والإسلامية بإشراف الشيخ إبراهيم رمضان دار ومكتبة الهلال – بيروت الطبعة: الأولى – 1410 هـ / تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى : 1376هـ) (39) المحقق : عبد الرحمن بن معلا اللويحق  مؤسسة الرسالة الطبعة : الأولى 1420هـ -2000 م/ النكت والعيون ( تفسير الماوردى ) لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري (6/223)دار الكتب العلمية – بيروت / لبنان –تحقيق : السيد بن عبد المقصود بن عبد الرحيم/ زهرة التفاسير لمحمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (المتوفى: 1394هـ) (1/60)دار الفكر العربي

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M