الإصلاح بين التدافع السياسي وطبيعة النظام

22 مارس 2017 18:44
الإمارات.. ماذا يفعل "صليب البابا" في قلب الإسلام؟؟

إبراهيم الطالب-هوية بريس

في ظل هذه الأحداث السياسية ينسى كثير من الناس أن الغرض من المشاركة السياسية هي السعي نحو تنزيل قواعد الإصلاح ليفشو الصلاح ويتمكن من تدبير الحياة العامة، ولن يتأتى ذلك إلا بعد هدم قواعد الإفساد التي يستند إليها الفسادون في استفادتهم من الشأن العام ومؤسساته وما تخوله من سلطة ومال.

وكثير من الناس أيضا ينظر إلى الفساد على أنه كتلة من الزبالة مركومة في المؤسسات العمومية، لا تحتاج إلا إلى مجموعة من عمال النظافة يشفطونها بمكنساتهم الكهربائية.

 ويتخيلون أنه بمجرد أن تشكل الحكومة من حزب العدالة والتنمية، سينتصر المصلح على المفسد.

 الإصلاح عندما يكون في ظل الاستقرار، فهذا يعني أن أمده سيطول كثيرا، وأن فعله وفعاليته ستكون بمنهج عوامل التعرية والنحت، قد تجعل الجبل غبارًا تذروه الرياح، لكن ببطء شديد يجعل الناظر المستعجل يظن أن لا شيء يتغير.

لكن رغم هذا البطء وهذه التؤدة التي تغيظ المتابعين، إلا أن الذين يتحكمون في الملعب السياسي واللاعبين فيه، ارتأوا أن الوقت حان لتغيير عميد الفريق.

صحيح أن السيد بنكيران قد أحدث فارقا هائلا في ممارسة السياسة، وأعطى لها مصداقية وروحا أخرجتها من التحنيط والرسمية الباردة، لتصبح حيوية نشيطة تغري بالمتابعة والمشاركة، ولأنه كبر فوق اللازم، وأزعج فوق المطلوب، وغطى على مَن يجب أن يبقى دائما هو الظاهر، ارتأى الذين يشخصون مصلحة النظام أن السيد بنكيران قد حان وقت انسحابه، وجلوسه في الظل حتى يستراح من صداعه.

النظام يعلم علم اليقين أنه لا يمكنه الاستغناء عن العدالة والتنمية، ليس لأنه حصل على الرتبة الأولى في الانتخابات فقط، ولكن لأن لديه رأسمالا غير مادي لا يوجد إلا بشكل طفيف شحيح في الأحزاب الأخرى، ألا وهو النزاهة والمصداقية والإخلاص للمصلحة العامة.

فالذين يشخصون مصلحة النظام يعلمون أن حزب العدالة والتنمية هو حزب لا يستغنى عنه في تدبير المرحلة خصوصا وأن السياسة الوطنية العليا اتجهت نحو الديبلوماسية الاقتصادية وانخرطت في سلسلة من الفتوحات الاقتصادية، الأمر الذي يلزم منه أن تبقى الجبهة الداخلية مستقرة وهادئة.

ومع ما تعرفه الساحة السياسية من إفلاس من حيث مصداقية العمل الحزبي، وفساد أغلب زعمائه الورقيين، وكذا سقوطهم في الجيب الصغير للمخزن، يبقى الدور الأساسي لحزب العدالة والتنمية أساسيا وحاسما في تحقيق هذا الاستقرار والهدوء.

لكن هذا ما سيجنيه القصر والنظام ومن يدور في فلكهما من الأقطاب الاقتصادية التي يمثل الدفاع عن بعضها عزيز أخنوش، والذي تَكفَّل بإحكام عملية البلوكاج بكفاءة، حتى يتمكن من عزل بنكيران المزعج عن التباري السياسي الظاهر.

ماذا عن طموحات الشعب عن شعارات الإصلاح في ظل الاستقرار؟؟

ماذا عن الفساد والاغتناء الفاحش من السلطة؟؟

ماذا عن الجمع بين الثروة والسلطة والنفوذ في مغرب لا زالت أغلب ملايينه الغفيرة تعيش تحت خط الفقر؟؟

ماذا عن القهر الذي يعيشه المغاربة من تسلط السلطات على العمل الجمعوي؟؟

ماذا عن إقصاء مواطنين من المسؤوليات الإدارية بسبب انتماءاتهم الجمعوية والدينية؟؟؟

ماذا عن محاربة الإسلاميين وحرياتهم في تأطير المواطنين واعتقالهم والتضييق عليهم وشيطنتهم؟؟

ماذا عن المرأة التي يستباح عرضها في مواخير الدعارة ويتاجر بشرفها وكرامتها في اقتصاد السياحة الجنسية، ومناصب الشغل المهدرة لعزتها وأنوثتها؟؟

ماذا عن البطالة والفقر المتحكم فيه بسياسات التفقير؟؟

ماذا عن التوزيع العادل للثروات ؟؟

ماذا عن سياسات التجهيل التي تعتمد سياسة إفساد التعليم العمومي لصالح التعليم الخاص؟؟

ماذا عن الارتهان للتدخل الأجنبي في سياسات البلاد الاقتصادية والاجتماعية والدينية؟؟

ثم ماذا وماذا عن مئات ملفات الفساد المختلفة؟؟

هل سيحل هذه الملفات وهذه القضايا تهميشُ بنكيران وتعيين العثماني؟؟

المشكلة في السياسة المغربية ليست في من يفوز في الانتخابات أو من يشكل الحكومة، هذا جزء مهم من اللعبة السياسية، لكن الجزء الأهم والأكبر والذي يمنع من حصول الإصلاح والتقدم هو في أمور نختار منها:

 1- طبيعة النظام المغربي الذي يعرف حكومتين

فالنظام المغربي كما هو منصوص عليه في الدستور يعرف وجود سلطتين:

– سلطة منتخبة: وهي التي تتشكل منها الحكومة بنوابها ومستشاريها ووزرائها بالإضافة إلى المعارضة ورجالها. وهذه السلطة مؤقتة متحولة.

– وسلطة عليا وتتمثل في الملك ومستشاريه وديوانه وما يتفرع عنه من مؤسسات وهي ما يطلق عليه من الناحية العرفية السياسية: حكومة الظل، وهذه السلطة دائمة ثابتة.

فهذه الطبيعة المزدوجة في البنية السياسية للنظام المغربي تجعل العمل والعلاقة بين الدائم الثابت وبين المؤقت المتحول جد معقدة تمنع من الحديث عن حكومة تتحمل مسؤولية كاملة عن فشل الإصلاح أو نجاحه.

 هذه الطبيعة المزدوجة تفسر غياب آلية واضحة تنظم العلاقة بين السلطتين الحكوميتين المذكورتين، وتجعل كليهما لا يخضع لمبادىء الشفافية والمحاسبة والمراقبة، كما ينتج عنها تداخل في اختصاصاتهما، الأمر الذي يسهِّل إلقاء المسؤولية على بعضهما البعض حين فشل السياسات، ويجعل الجميع في منأى عن المحاسبة، وبالتالي لا نستطيع الحديث عن برنامج حكومي أو سياسات عامة كما هو متعارف عليها في الدولة التي لا تعرف هذه الازدواجية في الحكم.

 2- الاستمرار في الهيمنة على المشهد السياسي عن طريق:

– الوضع المسبق للخريطة السياسية التي تراعي الحسابات والأرقام التي ستفرزها الصناديق للحيلولة دون حصول أي حزب عَلى أغلبية مطلقة أو على الأقل مريحة تمكنه من تشكيل حكومة قوية تستطيع تغيير القوانين الجامدة أو تمكنه من وضع برنامج حكومي.

– التحكم السلطوي في الأعيان خصوصا في البوادي والذي يؤثر بشكل حاسم على نتائج الانتخابات الأمر الذي يكرس بلقنة قاتلة للعمل السياسي.

3- غياب إرادة حقيقيّة للإصلاح

وهذا الغياب ليس لعدم رغبة النظام في الإصلاح، ولكن -حسب رأينا- لأنه يتجنب تكلفته الباهظة داخليا، والمتمثلة في وجوب ثورته على جيوب الفساد المتمثّلة في محيطه المتكون من العائلات المخزنية التي تجمع بين السلطة والمال، والتي تصبح نظرا لقوتها ونفوذها فوق المحاسبة والعقاب.

ومع وجود هذه الأثافي الثلاثة في المشهد السياسي يبقى التحكم هو من يحدد للمغاربة طبيعة الطبخة التي ستحتويها القِدْر السياسية.

ولذا نرى أن الإصلاح السياسي لن يكون عبر التنافس الحزبي ما لم يعرف المغرب إصلاحات دستورية تحقق مبدأين أساسيين:

– القوة من حيث البنية السياسية والطبيعة الهيكلية.

– الرجوع إلى مقومات الهوية وعلى رأسها الإسلام عقيدة وشريعة وسلوكا.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار
2 تعليقان
  1. مثل هذه القالات النيرة المتورة هي التي تجعلني أفتح كل يوم هذه الصفحة الرائدة، البناءة، وتجعلني أكن حبا واحتراما كبيرين للأستاذ إبراهيم الطالب،

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M