الكنبوري: ما هي العلمانية التي تدفع شخصا إلى سب الذات الإلهية بدل أن تدفعه إلى النقاش؟

13 يونيو 2020 19:43

هوية بريس – عابد عبد المنعم

قضت المحكمة الابتدائية بمدينة اليوسفية في حق موظف جماعي بالسجن ثلاثة أشهر نافذة وغرامة مالية قدرها 3000 درهم بتهمة سب الذات الإلهية والأنبياء والرسل عبر منصات التواصل الاجتماعي. ووفقا لما نشرته الصحف فإن المتهم عبر عن ندمه بعد متابعته قضائيا، وقال إنه رجل مسلم ويؤمن بالله ورسله، موضحا أنه كان ضحية مواقع وصفحات تروج للفكر العلماني، حسب ما ورد في الأخبار.

وفق الكنبوري فهذا الخبر الصغير يثير مجموعة من القضايا، منها أن “هناك نية في إعمال القانون في حق كل من تسول له نفسه التعرض للمقدسات بالسب والشتم والطعن، مما ينافي الأصول المتعارف عليها في الثقافات كلها، وهي أصول الحوار والجدل العقلاني الخالي من المساس بمشاعر المؤمنين، لأن من يلجأ إلى السب والشتم للمقدسات والقيم الدينية العليا للأمة شخص عدواني حاقد لا حامل فكرة، وهذا لا ينبغي محاورته بل معاقبته أو علاجه”.

وكشف المفكر المغربي أنه “فيما يتعلق بالجانب القانوني هناك مشكلة ترتبط بغياب الوعي والخلط بين الحقوقي ـ السياسي وبين الديني ـ الهوياتي. فالقانون الجنائي الحالي لا يتضمن ما يفيد إنزال العقوبة بمن يسب الذات الإلهية أو يتعرض للمقدسات الدينية بسوء، والفصول الواردة في الموضوع فقيرة تماما بل لا ترد فيها الإشارة إلى هذا الأمر، ما يعني أن هناك فراغا قانونيا واضحا يتم استغلاله من طرف البعض، ولعله الأمر الذي يشجع الكثيرين على الطعن في المقدسات الدينية وهم يتخفون وراء الجانب الحقوقي من جهة ووراء الفراغ القانوني من جهة ثانية.

لكن القضية الأكثر إثارة هي الموقف من فصول مشروع القانون الجنائي المعدل المعلق، المرتبطة بموضوع سب الذات الإلهية والمقدسات، وهي فصول صريحة خلافا للنص الحالي. غير أن هناك بعض الأصوات دأبت على انتقاد هذا المشروع، خصوصا في هذه الجوانب، تحت ذريعة أنها تمس “حرية الاعتقاد والضمير”. وقد كتب بعض الحقوقيين وبعض الأصدقاء من الصحافيين والمثقفين خلال السنوات الماضية عندما طرح المشروع للنقاش مقالات في هذا الاتجاه، وهذا يثير الأسف والحسرة، لأنه عندما يكون لدي كمجتمع أفراد متعلمون ومحترمون يعتبرون السب والشتم في المقدسات الدينية للأمة دليلا على حرية الاعتقاد والضمير، فيجب إلغاء الاعتقاد وقتل الضمير من البداية”.

القضية الثاني وفق المتحدث ذاته هي ما جاء على لسان الشخص المعتقل، وقوله بأنه تعرض لتأثير بعض المواقع والصفحات “العلمانية”، الكنبوري وضع “كلمة علمانية بين معقوفتين حتى لا يتهمني أحد بأنني أفهم العلمانية على أنها الإلحاد أو الكفر، وسأفترض أنني أتحدث عن علمانية “جان جاك روسو” لا عن علمانية حافية بلا حذاء.

هذا الاعتراف المنسوب إلى الرجل يدل على أن هناك أشخاصا يتأثرون بما ينشر ويقال على مواقع التواصل الاجتماعي من طرف بعض “العلمانيين”، لكي نعود إلى “جان جاك روسو” فنقول: إذا كان هناك من تأثر بهذه العلمانية فخرج يسب الذات الإلهية مباشرة، فهل هي علمانية روسو أم العلمانية الحافية؟ ما هي العلمانية التي تدفع شخصا إلى سب الذات الإلهية بدل أن تدفعه إلى النقاش؟ هناك مشكلة، وقد أثرناها مرات كثيرة وقلنا إننا نحتاج في المغرب إلى علمانيين، لكن أين هم؟ نريد أن نراهم فنسلم عليهم ويسلموا علينا، في إطار بذل السلام للعالم.

هذه هي المشكلة الحقيقية، هي “علمانية التحريض”، لا علمانية النقاش والجدل العلمي. وهذا للأسف الشديد ليس مشكلا يخص المغرب، بل مشكل عام يخص العالم العربي والإسلامي كله، لأن أمور الدين تحظى بالمتابعة من جهات غربية لديها أهداف محددة، وقد أصبح هذا الموضوع حامضا فلا نطيل فيه.

ولذلك علينا أن نربط في التحليل بين السياقات. يجب أن تكون الفكرة واضحة لمن لديه قناعة وطنية، فالمساس بالمقدسات ينتهي بالتخريب والفوضى ضد المؤسسات في الدولة، ولن نتردد أن نعيد الكلام بأن الذين لا يترددون في الطعن في المقدسات لا يقيمون الاحترام الواجب لمؤسسة إمارة المؤمنين، لأنها قائمة على هذه المقدسات.

وخلال العشرين سنة الماضية، مع الانفتاح الذي دخله المغرب وارتفاع منسوب الحرية مقارنة مع العقود الماضية، صرنا نرى “فقها” سياسيا ذكيا يتسرب تحت منظور التحليل “العلمي”. مفاد هذا المنظور أن هناك ازدواجية في النظام السياسي المغربي بين الديني والمدني ـ وهي فكرة قديمة تعود إلى السوسيولوجيا الاستعمارية وواتربوري تمت مغربتها ـ ويجب الحسم في الموضوع باتجاه المدني. ولكن، ما القول في من يريد الحسم باتجاه الديني؟

والهدف من كل هذا هو إسقاط الشرعية الدينية للنظام السياسي. وهذا ما يحصل في بلدان عربية أخرى ليست لديها هذه الصيغة الرائعة الموجودة في المغرب، لكن لديها شيء واحد فقط، وهذا الشيء الواحد مع ذلك يزعج الكثيرين، وهو التنصيص على الهوية الإسلامية للدولة في الدستور. فالقضية لا تتعلق نهائيا ـ نعم نهائيا وإطلاقاـ بالدفاع عن حرية التعبير والرأي والاعتقاد، بل بإحداث فراغ في الدولة، يمكنه بعده العبور إلى المرحلة التالية. عبارة “المرحلة التالية” توحي بوجود معركة؟ بالتأكيد، هناك معركة عمرها أكثر من قرن على الأقل، وكل خطوة فيها يجب أن تقود إلى التالية.

الكاتب المغربي خلص في تدوينة على صفحته بالفيسبوك بعنوان “الكفر الناعم” إلى أننا “نحن كمغاربة مسلمين لا نريد أن يكون أحد في السجن بسبب شيء يتعلق بالدين، الإسلام لا يدخل أحدا إلى السجن بل يخرج الناس إلى الحرية. بل نحن نريد جو الحرية للجميع، لكن الحرية المسؤولة، لا الحرية المدفوعة. هل نكون نحن تحت مستوى القرآن الذي قال “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”؟ بالتأكيد لا، ولكن من يختار الكفر بإرادته يلزمه كفره وحده لا أن يحوله إلى منصة للدعوة، وعليه أن يدرك بأنه يكفر في إطار مجتمع من المؤمنين هو مقيد بقوانينه. هذا كفر ناعم يتمتع صاحبه بالحرية”اهـ.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. الله يقدس الوطن يحمى الملك يحترم وكل من مس هذه الثوابث يحكم عليه بعشر سنوات سجنا نافذا نهائي لوضع حد لهذه السلوكات

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M