اليهود والنصارى ليسوا كفارا…؟! علماء وأكاديميون يغذون خطاب التطرف والتكفير

28 يونيو 2017 17:01
اليهود والنصارى ليسوا كفارا...؟! علماء رسميون وأكاديميون يغذون خطاب التطرف والتكفير

 د. رشيد بنكيران هوية بريس

 بَثّ برنامج “مباشرة معكم في رمضان” في القناة الثانية بتاريخ 07 يونيو 2017، أي في شهر رمضان المنصرم لسنة 1438 هجرية، حلقةً بعنوان: “مخاطر خطاب التكفير”، وإذا كان حريا بنا أن نشكر القائمين على البرنامج على اختيار هذا الموضوع الكبير والمهم، والذي له تداعيات خطيرة جدا على الأفكار والمعتقدات، وعلى سلوك الأفراد والمجتمعات، غير أن الضيوف المشاركين -وخصوصا من لبسوا عباءة العلماء- أبوا إلا أن يكون هزيلا لا يروي غليلا ولا يشفي عليلا، فاستعملوا لغة التعميم والتعتيم، والكلام المنمق الفضفاض، الذي لا يرجع منه المخاطَب إلا بخف حنين، خاوي الوفاض، صفر اليدين، وكأن القوم يتحسسون مواقع الألغام خوفا من أن تنفجر عليهم.

ومع هذا الوضع الذي لا يسرّ المشاهدين والسامعين، لفت انتباهي، بل صك سمعي قول أحد الضيوف المشاركين وهو باحث أكاديمي -أستاذ علم الاجتماع الديني بكلية محمد الخامس بالرباط- في الدقيقة السادسة والعشرين من وقت البرنامج، إنه يستغرب ممن يعتقد من المغاربة المسلمين أن المسيحين والنصارى وأهل الكتاب عموما هم كفار، مع العلم أنهم موحدون حسب قوله، وأعاد الفكرة في الدقيقة قبل الخمسين بقليل بأسلوب آخر.

ولنا على هذا الكلام ثلاث وقفات؛

الوقفة الأولى: هي وقفة حزن وأسى، ووقفة دمعة وحيرة من هذا الوضع المعرفي المخزي الذي وصل إليه بعض الباحثين الأكاديميين في بلادنا، أن يكون منهم من يجهل معلوما من الدين بالضرورة، هذا المعلوم الذي لا يستطيع أحد دفعه عن نفسه، بل هو يهجم على الجميع -على العالم والمثقف والحرفيّ والعوام وربات البيوت وذاوت الخدور- يفرض عليهم نفسه دون جهد منهم أو طلب استئذان، فإن كفر أهل الكتاب يهودا أو نصارى بعد بعثة محمد عليه محمد عليه لصلاة والسلام من المعلوم من الدين بالضرورة، لا يختلف فيه اثنان، ولا يجادل فيه عاقلان، ولا يتمارى فيه صبيان.

قال ابن حزم الأندلسي في كتابه مراتب الإجماع (ص:119): “واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفارا” اهـ.

قلت: فتكفير اليهود والنصارى عليه إجماع من الأمة واتفاق كما نقل ابن حزم، والإجماع من الأدلة القطعية التي لا تقبل التأويل، وقد بين ذلك القاضي عياض -وهو من كبار علماء المالكية- بيانا شافيا في كتابه الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 285).

فقال رحمه الله: “وكذلك من ادعى نبوة أحد مع نبينا صلى الله عليه وسلم، أو بعده، كالعيسوية من اليهود، القائلين بتخصيص رسالته إلى العرب… فهؤلاء كلهم كفار مكذبون للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر صلى الله عليه وسلم أنه خاتم النبيين لا نبي بعده… فلا شك في كفر هؤلاء الطوائف كلها قطعا إجماعا وسمعا” اهـ.

قلت: ينقل القاضي عياض رحمه تكفير من اعتقد نبوة محمد عليه الصلاة والسلام أنها خاصة للعرب فقط، فكيف بمن أنكرها جملة وتفصيلا من اليهود والنصارى كما هو حالهم اليوم !!؟؟ فلا شك أنهم أشد كفرا وتكذيبا له من باب أولى.

وتأمل قول القاضي عياض أن كفر هؤلاء “قطعا إجماعا وسمعا”، أي بالدليل القطعي من الإجماع، وبالدليل القطعي من السمع؛ إشارة منه إلى نصوص الوحي من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة التي لم تترك احتمالا في تقرير كفر اليهود والنصارى كما سوف نرى.

بل نقل القاضي عياض الإجماع في تكفير من لم يكفر من اعتقد غير دين الإسلام كاليهودية والنصرانية أو المسيحية، لأنه يكون بذلك قد أنكر معلوما من الدين بالضرورة، فقال رحمه الله:

“وقع الإجماع على تكفير كل من دافع نص الكتاب… ثم قال: ولهذا نكفر من لم يكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده” من كتابه الشفا (2/286).

وما نقله القاضي عياض، وقبله ابن حزم، من اعتقاد كفر اليهود والنصارى أمر مقرر عند جميع المذاهب الإسلامية وليس خاصا بالمالكية؛

فعند الأحناف مثلا، يقول علاء الدين الكاساني في كتابه بدائع الصنائع (7/102):  “إن الكفرة أصناف أربعة؛ صنف منهم ينكرون الصانع أصلا وهم الدهرية المعطلة، وصنف منهم يقرون بالصانع وينكرون توحيده وهم الوثنية والمجوس، وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده وينكرون الرسالة رأسا وهم قوم من الفلاسفة، وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده والرسالة في الجملة، لكنهم ينكرون رسالة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وهم اليهود والنصارى” اهـ.

وكذلك قررت الشافعية، يقول أبو المعالي الجويني في نهاية المطلب في دراية المذهب (12/244): “الكفار إذا ثلاثة أقسام: منهم من تحل مناكحتهم وذبائحهم.. وهم اليهود والنصارى..” اهـ.

وأيضا قالت الحنابلة بكفر اليهود والنصارى، يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى (35/201): “إن اليهود والنصارى كفار كفرا معلوما بالاضطرار من دين الإسلام” اهـ.

وبناء على هذه النقول الكثيرة والواضحة في تقرير أمر معلوم من الدين بالضرورة وهو كفر اليهود والنصارى، والتي هي في متناول الجميع، يجب أن نطرح سؤالا يفرض علينا نفسه بقوة وإلحاح، هل أمثال هؤلاء الباحثين الأكاديميين الذين يفترض فيهم الإلمام بهذه المعلومات، هل هم فعلا يجهلون هاته الأحكام أم يتجاهلونها؟ وهما أمران أحلاهما مر. أم هل نحن أمام مشهد من مشاهد تحريف الدين؟

الوقفة الثانية: هي وقفة استغراب وذهول واستنكار، ممن تقلدوا مناصب العلماء -منهم من هو عضو في المجلس العلمي الأعلى ورئيس أحد المجالس العلمية المحلية، ومنهم من هو الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء- وقد أخذ الله على هؤلاء ميثاق بيان الحق وعدم الكتمان، فكيف يقال بحضرتهم هذا الكلام المنكر الذي يخالف صريح القرآن، والمغاربة بالملايين يشاهدون ويسمعون، وهؤلاء العلماء في غفلتهم ساهون وتغافلهم يستمرون.

ولا رخصة لهم في الصمت والسكون، أيعقل أن يصل العالم الرسمي إلى هذا الخزي والهوان والعار؟!!

فلا أحد منهم نطق ببنت شفة، وقد أنطق الله مسير البرنامج بكلمة تصف حقيقة حال هؤلاء العلماء، إذ قال في الدقيقة الوحد والخمسين من وقت البرنامج متسائلا: عن سبب انحصار العلماء أو حيائهم في الرد أو التصدي مباشرة لخطاب التكفير؟

قلت: لا يا سيدي الكريم، إن انحصار هؤلاء ما بعده انحصار، فلا هم يستطيعون تقرير معتقدات الإيمان الصحيح، فكيف يستطيعون دحض الشبه لخطاب التكفير الماكر الخبيث!!

وإليك أيها القارئ نصوص الوحي الصريح قطعي الدلالة والثبوت في تقرير كفر اليهود والنصارى:

قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85].

وقال سبحانه وتعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة:30].

وقوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:46].

وقوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:155].

وقوله تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا، أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء:150-151].

وقوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ…} [المائدة:17].

وقوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 73].

وروى مسلم في الصحيح في كتاب الإيمان، باب وُجُوبِ الإِيمَانِ بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ وَنَسْخِ الْمِلَلِ بِمِلَّتِهِ.

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».

لا أظن أن القارئ يحتاج مني أن أنقل له كلام المفسرين في بيان مراد الله من هذه الآيات التي تتعلق بكفر اليهود والنصارى لأنها واضحة غاية الوضوح.

الوقفة الثالثة: هي وقفة تنبيه وتحذير في بيان -حقيقة- من يغذي خطاب التكفير المخالف لشرع الله تعالى لدى الشباب وعند غيرهم من عموم الناس، ويعطيه قوة الحجة رغم ضعفه، ويزكي مصداقية قول قائله رغم افترائه، إنهم صنفان من الناس؛ صنف من الحكام والمسؤولين الذين عمدوا إلى ثوابت الدين وأصوله القطعية فغيروا وبدلوا وأمعنوا في نشر الفساد العام، وصنف آخر ممن نصبوا أنفسهم علماء، وهؤلاء أشد خطرا من الصنف الأول، لأنهم يتكلمون بلسان الشرع، ويفترض فيهم أن يشخصوا الداء ويعطوا الدواء، ويبلغوا الحق ولا يكتمونه، ولا يخافون في الله لومة لائم، ويصبرون على الأذى والابتلاء إذا قدر الله عليهم ذلك، كما هي وظيفة ورثة الأنبياء الذين زعموا أنهم ورثوها وعلى رقبتهم تقلدوها.

لكنهم هيهات هيهات، لقد أخلدوا إلى الدنيا واطمأنوا إليها ونسوا حظا مما ذكروا به، فلك أن تتصور أيها القارئ حينما يسمع الشاب أن اليهود والنصارى ليسوا كفارا، ومن يمثل أعظم مؤسستين علميتين في البلاد لا يحرك ساكنا، فهل بعد هذا الافتراء على الله وتحريف الدين والسكوت عمن أنكر معلوما من الدين بالضرورة سيصدقهم أحد!!؟

وهل إذا أتى أصحاب التكفير عند هذا الشاب، واستغلوا هذا المنكر الكبار والخطأ المريب، أفبعد هذا من المسؤول عن مصير ذاك الشاب إذا ارتمى في أحضان التكفير!!؟

اللهم إنا نبرأ مما يصنع هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء، اللهم إنا بلغنا، اللهم فاشهد.

آخر اﻷخبار
4 تعليقات
  1. جزاكم الله خير الجزاء أخي الكريم ونحن تعلمنا من الأصوليين أن الحكم على الشئ غرع عن تصوره ومن يتصور أن قناة اليهود و النصارى والعلمانيين ستتكلم بالحق فهو واهم والحمد لله أننا لا نأخد ديننا من البيت الأبيض إنما من محمد عليه الصلاة و السلام

  2. كلام في الصميم جزى الله الكاتب خير الجزاء، وهكذا هو دين الله مهما زوره الكذابون المرتزقة فان الله تعالى يقيض له رجالا عدولا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتزوير المرتزقة الافاكين.

  3. احيك اخي على صفح هذه القناة الصهيونية المرتدة فهم اخوان اليهود والنصارى لذلك تراهم كالكلاب في كل واد يسبحون انا اتعجب لأصحاب المدخلي تراهم في مواضع تهم المسلمين اسنانهم كالسيف ولما ياتي الامر على المرتدين تراهم يسكتون. سبحان الله حرب على الحق وسكوت على الباطل لهذا تراهم يحبون العلمانين لانهم اخوانهم

  4. القاضي عياض و ابن حزم و كل من استشهدت بهم من الاموات ، اجتهدوا وفق امكانتهم الخاصة و شروطهم التاريخية ، انت ، عقلك انت ما رأيه في تكفير اهل الكتاب و لا تنسى اننا ايضا من اهل الكتاب ، فكر اقصائي متطرف يغذي الكراهية و التعصب في عصر تبرز فيه قيم التعايش و التسامح و نبذ الكراهية و هي قيم من صميم ديننا و لنا في الرسول عليه الصلاة و السلام قدوة جاور اليهود و المسيحين و كان رحيما بهم …..

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M