بين أحداث 16 ماي بالبيضاء.. وأحداث 17 ماي بمكناس

21 مايو 2016 21:17
العدالة والتنمية في مواجهة العاصفة (شروط النصر السبعة)

أحمد الشقيري الديني

هوية بريس – السبت 21 ماي 2016

ما الذي حدث يوم الثلاثاء 17 ماي الماضي بكلية العلوم التابعة لجامعة مولاي اسماعيل بمكناس؟

ما علاقته بأحداث 16 ماي 2003 بالبيضاء؟

هل تزامن الحدث الوحشي جاء بالصدفة مع ذكرى أليمة مرت عليها ثلاثة عشرة سنة ولا زالت محفورة في الذاكرة المغربية، أم هو قدر إلهي يسائل مقاربتنا لاجتثاث العنف من مجتمعنا، على اختلاف مرجعياته، بوسائل تقنية مخابراتية احترافية متطورة، لكنها لا تنفذ إلى العمق الفكري والإيديولوجي الذي يغذي التطرف ويمنحه قوة الاستمرار؟

لماذا لم تتحرك الجمعيات الحقوقية اليسارية للتنديد بالوحشية التي جسدها حدث 17 ماي 2016 كما فعلت يوم اصطفت منددة بوحشية أحداث 16 ماي 2003؟

هل نحن إزاء مجتمعين ومغربين وعنفين؟ نندد بأحدهما ونغض الطرف عن الآخر، فقط لأننا نشترك وإياه في المرجعية؟

أين شعارات المساواة والحرية وتجريم العنف ضد النساء؟ أم هي فقط “مساواة في الإرث”، و”صايتي حريتي”، و”تجريم تعدد الزوجات”، من أجل أجندة خارجية ممولة؟

إن حدث 17 ماي لا يقل جرما ولا بشاعة عن حدث 16 ماي..

كلاهما وراءه فكر مشبع بالعنف والكراهية والحقد الأعمى والانتقام..

وراءه عقيدة استالينية أو عقيدة تكفيرية..

وراءه مرجعية يسارية مشوهة أو مرجعية إسلامية مشوهة..

الأول يمتح من أطروحة ماركسية لينينية تعلي من العنف أداة للتغيير، ولا ينظر للمجتمع إلا بنظارات حمراء.. لا يعترف بالدولة ولا بقوانينها، ولا بالمجتمع ومرجعيته الدينية، يصنع دولته ورايته الحمراء ورموزه وقوانينه وقضاءه ومحاكمه وأدوات التنفيذ.. وينسب ذلك كله للجماهير الشعبية والثورة الشعبية..

إنه الفكر الذي صنع حدث 17 ماي بمكناس منذ أيام، وقبله أجهز على حياة الطالب الحسناوي، وأياديه السوداء في الجامعة منذ عقود لا تخفى على أحد..

إنه الفكر الذي أنتج التنظيم القاعدي السري المسمى البرنامج المرحلي الذي يثير الرعب في الجامعة بسيوفه وسواطيره وهراواته التي لا تستثني أحدا.

يوازيه في الهمجية فكر آخر، هو أشد منه وحشية وظلاما وعنفا، يغلف وحشيته بالدين، فينتج غلوا وتطرفا وتشددا ويهلك الحرث والنسل..

فكر يمتح من أطروحة تكفيرية رافضة للدولة وقوانينها ومحاكمها ومؤسساتها..

 أطروحة مفاصلة للمجتمع ونظمه وأعرافه ومعتقداته..

يصنع هو الآخر فضاءه ودولته وشريعته ومحاكمه وأدوات التنفيذ تحت شعار “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”..

إنه الفكر الدموي الذي صنع أحداث 16 ماي بالبيضاء..

الفرق أننا نحن لا نخجل من التنديد بالأعمال الوحشية التي ينسبها “دواعشنا” لمرجعية نشترك وإياهم في اسمها.. كلا.. بل نتبرأ منهم سرا وعلانية ونطالب بإنزال أشد العقوبات بمن ثبت تورطه منهم في تلك الأعمال الإرهابية، لأنها، فضلا عن أنها مفسدة في الأرواح والممتلكات، فإنها تشويه لدين يحمل في اسمه معنى “السلام”، جاء نبيه رحمة للعالمين:

 (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين

 مذكرا غير مكره لأحد: (فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر)؛ (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مومنين)؛ (وما أكثر الناس ولو حرصت بمومنين)؛ (وما أنت عليهم بوكيل)؛ (فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون)..

والقرآن مليء بهذه المعاني التي تصب في معنى الآية المحكمة: (لا إكراه في الدين).

نحن ننقض أطروحة “دواعشنا” ونكشف زيفهم ونرد شبهاتهم، ونعلي من جمالية مرجعيتنا الإسلامية التي يسعى أولئك الهمج لاختطافها وتشويهها.

فماذا أنتم فاعلون بـ”دواعشكم”؟

إلى متى تتسترون عليهم وتمنحونهم الغطاء المادي والمعنوي؟

لماذا لا تفضحونهم وتتبرؤون منهم وتنقضون أطروحاتهم، فأنتم أدرى بها من غيركم..؟

هل تريدونهم خزانا من “البلطجية” تستفيدون من خدماتهم ضد مخالفيكم، في الجامعة وفي إفساد التظاهرات السلمية؟

هل تريدونهم سندا لظهر “التحكم” الذي تلقى ضربات موجعة من حراك 20 فبراير ومن دستور 2011 والانتخابات المنبثقة عنه، ومن الانتخابات الأخيرة للرابع من شتنبر التي فاجأتكم؟.. فبئس السند إذن..

أم تريدونهم “جلادا” لخصومكم ومنافسيكم، تستقطبونهم في مخافر الشرطة وأقبية السجون، فتستفيدون من حقدهم الأعمى على الدين وأهله، تناولونهم سوط الجلاد بعد أن كانوا يوما ضحيته، فيفرغوا مكبوتهم وغلهم وحقدهم في أعدائكم؟

أي فائدة إذن من عقد “الإنصاف والمصالحة” إذا كان الهدف هو التداول على “سوط الجلاد”؟

وما يأمنكم أن يعطى السوط لأعدائكم يوما ما..؟

أهكذا نبني مغرب الثقافات؟.. مغرب المؤسسات.. مغرب يتسع لكافة أبنائه وبناته على اختلاف انتماءاتهم السياسية والمذهبية والعقدية والإثنية.. مغرب التسامح والديمقراطية والعدالة والحرية والكرامة والمساواة..

وهي الشعارات التي غابت في محاكمة شيماء في الحرم الجامعي، ليس فقط لأنها خارج القانون، وفي إطار دولة داخل الدولة.. كلا..

إن شيماء لم يحلق شعرها وحاجبيها فحسب.. بل تم حلق كرامتها وانتهاك أنوثتها وصفعها بصورة مهينة أمام قرنائها..

إن فاحشة 17 ماي لا تقل وحشية عن فاحشة 16 ماي.. كيف ذلك؟

أولا: لأنها وقعت في الحرم الجامعي، وهو الفضاء، المتعارف عالميا وتاريخيا، عن كونه فضاء للعلم والإنتاج الفكري والحوار السياسي والنقابي، فضاء الاختلاف والتعددية بامتياز، لا مكان فيه لـ”الدواعش” من أي تيار ومن أي عقيدة ومرجعية.

ثانيا: لأن تلك الإهانة وقعت على مرأى ومسمع من الإدارة وأمام مئات الطلبة والطالبات في دولة تمثل استثناء في محيطها المشتعل، دون أن يمد لشيماء أحد يد الغوث.

ثالثا: لأن “شيماء/النادلة” وهي تخدم الطلبة والطالبات في المقصف الجامعي، كانت تنظر إليهم على أنهم محظوظون لأنهم ولجوا الجامعة، في حين ظروفها الأسرية الصعبة لم تسمح لها هي بذلك، فاضطرت للخروج مبكرا للشغل، فولجت الجامعة من بوابة “الشغل” وليس من بوابة “التعلم”، ولم تكن تتصور أن حظها العاثر سيقودها فريسة بين أيدي هؤلاء الهمج (الكلاكلية).. فمن هذه الناحية كانت تشعر بعقدة النقص والدونية أمام زميلاتها الطالبات..

تلك الحادثة الخطيرة ستعمق من شعورها بـ”الدونية” وستحدث جرحا غائرا في أعماقها وعاهة نفسية يصعب علاجها..وهذا ما لم تلتفت إليه الجمعيات النسوية الصامتة.

رابعا : وهذا هو الأخطر في تلك الفاحشة، أن الحلق كان من ذكر لأنثى بالعنف والصفع والتشويه، وهو ما زرع من دون شك الرعب في قلوب عشرات الطالبات الحاضرات وهن يسجلن في ذاكراتهن مشهدا ساديا ذكوريا، لطالما سمعن عنه أو تابعن بعض أخباره عبر إعلام ينقل كل يوم أحداث عنف تعاني منها المرأة تحت سلطة رجل لا يرقب فيها إلا ولا ذمة..

وسينقلن ذلك المشهد لزميلاتهن الغائبات ولبناتهن في المستقبل جيلا بعد جيل..

وأي فائدة ترجى من امرأة ترعى أسرة وهي تحمل عقدة الخوف أو الكراهية من رجل يستطيع حلق شعرها بالكامل وتشويه صورتها؟

إنها “عقدة شيماء” التي يجب أن تضاف لـ”عقدة أوديب”..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M