حوار هادئ مع الباحث «جمال البامي» في ما تضمنه مقاله عن «مولاي بوعزة»

06 أغسطس 2016 23:02
حوار هادئ مع الباحث «جمال البامي» في ما تضمنه مقاله عن «مولاي بوعزة»

هوية بريس – ذ. طارق الحمودي

تواتر عندي وجود سعي حثيث من بعض الباحثين المغاربة إلى ممارسة نوع من “الغش المنهجي”، خصوصا فيما يتعلق بالتصوف المغربي وأعلامه، وكان هذا يؤلمني كثيرا، ولي على هذا شواهد كثيرة ومثيرة، لكنني فوجئت بمقال لأخينا جمال البامي وفقه الله منشور بموقع ميثاق الرابطة (العدد 234 بتاريخ 03/06/2016)، والذي لم يفاجئني بطريقته، إذ له سوابق أخرى غيرها، لكنه فاجأني هذه المرة بحجم “الغش المنهجي” الذي مارسه في المقال ونوعيته.

كان مقاله عن واحدة من أشهر الشخصيات الصوفية في المغرب، وهي بطبيعة الحال أبو يعزى الهسكوري المعروف عند الناس بـ”مولاي بوعزة”، وهو رجل ادعي له الصلاح والولاية، بل جعل نادرة أعلام التصوف المغربي، فلم تتواتر الكرامات إلا له كما قال أبو مدين الملقب بالغوث! وكان أميا لا يعرف القراءة والكتابة، ولا يحفظ شيئا وفق ما ورد في مناقبه! وإلا فثم أسئلة تحوم حوله في ذلك، لا أجد لها جوابا إلى الآن، ولست أغامر بالجواب عنها بغير بحث مستوفي الشروط، وقد كانت مناطق الأطلس الصغير والكبير مأهولة بجماعات يهود القابالا وغيرها، خصوصا وأنه قد نقل عنه أنه خدم أربعين وليا، لكنهم لم يذكروا ديانة هؤلاء (الأولياء) ولا انتماءاتهم الفكرية! فهل كان فعلا أميا؟

جعل الباحث  في مقاله لتحقيق اسمه نصيبا لا بأس به، ثم أكثر من الإشارة إلى مصادره عن الرجل، وأشار إلى كراماته ونص على بعضها، واستوقفني من طرائف ما يستظرف في البحث مسألتان، الأولى ما جعله الباحث دليلا على نباتية أبي يعزى خصوصا أكله للدفلى السامة، والثانية نهره لسوسي جاءه بقصبة ليردها إلى موضعها، والتي استنبط منها الباحث بطريقة غير مرضية الجانب البيئي في أبي يعزى!

لم أر الباحث يمارس نقدا ولا تحليلا، وكأنه يلخص ما تفرق عن الرجل في كتب المناقب الصوفية العامة والخاصة، مع أنه أخل، فقد عرض الباحثُ أبا يعزى باعتباره “عارفا كبيرا وشيخا جليلا”، مركزا المدح، ومتوقفا عنده، وإلى حدود ما ذكرته فليس على الباحث من سبيل.. لكن!

كان ما ذكره عنه أقل بكثير جدا مما كان لابد أن يذكره عنه، فعنوان المقال كان مطلقا، وبالتالي فما فعله أخونا جمال البامي بارك الله فيه كان مخالفا للأعراف المنقبية، وتطلعات البحث العلمي في المغرب، ولو على سبيل الاختصار! وما كان ذلك لينفعه ولو استساغ به “غشه”، لأن ما فعله لا يحتمل إلا تفسيرا واحدا، وهو يعرفه جيدا.

 ما الذي يضرنا من عرض الأمور كما هي، ما الذي سيضرنا أن نذكر مناقب هذه الشخصيات بجانب ما يظهر أنه من مثالبها على ما يقتضيه منهج الموازنة والنقد في باب الكتابات الترجمية الجادة، بل سينفعنا ذلك رضى عن النفس، ودفعا بالبحث العلمي إلى مستويات عالية من المصداقية والنفعية العلمية.

ما لم يذكره أخونا البامي حفظه الله مما عد من مناقب أبي يعزي كفيل بإثارة أسئلة كثيرة عن أبي يعزى.. ثم عن مقاصد صاحب المقال، فمما نقل عن أبي يعزى تحكمه في الأسود وتأثيره في الناس برفع الكف في وجوههم، وأخذ الأخبار عن الجن مخفيا كان أو في صور  حيات، واطلاعه على ما يسر الناس في صدورهم، والطيران في الهواء، والمشي على الماء، وهي أمور يعرف الباحثون اليوم أنها من قبيل الاستعانة بالجن أو قريبا منها، وليست من الكرامات في شيء، فقد نقل مثلها عن سحرة الشامان وأحبار يهود القابالا وغيرهم، وصار هذا أمرا لا يمكن ستره، وقد اعترف أبو يعزى بأنه كان يقال له في أذنه ممن لا يراه: قل، فيقول!

وقد انتبه ليون الإفريقي إلى طبيعة ما يروج عن أبي يعزى، ولفت النظر إلى إمكانية أن يكون ذلك سحرا أو ما يقاربه، فقد كان السحر معروفا في المغرب، خصوصا سحر الطلسمات (التعازيم)، وبطريقة مختلفة شكك الأستاذ عبد الوهاب بن منصور مؤرخ المملكة رحمه الله في صحة ما ينقل عنه من الكرامات، مع أن أخانا البامي رآه، ونص بن منصور: «ولكنها أخبار يرفضها الشرع وينكرها العقل، وإن دلت على شيء فهي تدل على شطارة مخترعيها وبلادة مصدقيها، ولهذا لم أجد فيها ما يستحق أن يثبت في هذا الكتاب »، هذا كلام رجل محقق ومدقق، وليس هذا موضع وزن هذه الكلمات، فيكفينا أنها قيلت في حق أمثال أبي يعزى من أمثال عبد الوهاب بن منصور، ولا أظن أخانا البامي يدانيه بشيء، ولو كان اقتدى به في صراحته وصدقه في عرض الشخصية لكان في غاية التوفيق، لكنه للأسف انتقى واتقى، وقد كنت سألت شيخنا العلامة المؤرخ الخبير بتاريخ التصوف المغربي عن أبي يعزى سؤالا علميا مجردا، فنبهني إلى أن على الرجل من حيث التحقيق العلمي علامات استفهام!

متى يعرف مثل هؤلاء الباحثين أن زمن “الله يجعل الغفلة بين البايع والشاري” ولى، وأن الشعب المغربي يحتاج لمن يَصْدقه لا من يغشه، ويعينه على بناء وعي صحيح، فتحديات العصر تتطلب الارتقاء بالعقل والذوق، وفي الشعب المغربي طاقات كبيرة، تحتاج لتحفيزها لا إهدارها، وعيون أعداء الوطن متربصة، وغير ما يواجه بها وعي صحيح مؤسس على هوية نقية،  ومثل هذه المقالة يؤدى ثمنها من العقل الجماعي تأخرا وركودا، ونقصا في الأمنين، وإذا لم يكن أمثال أخينا البامي وفقه الله نموذجا للشباب الصادق مع نفسه وأمته فمن يكون كذلك، يؤسفي كثيرا أن يقع منه مثل ذلك، بل وينشر في مجلة ميثاق الرابطة الإلكترونية، وسيسجل التاريخ أمثال هذه الممارسات في حق المثقف المغربي، ونصيحتي لأخينا الفاضل جمال البامي حفظه الله وسدد خطاه، بعد نصحي لنفسي وإياه بتقوى الله، حاول في مرة قادمة أن تحتفل أكثر بالموضوعية والصرامة المنهجية، وإلا فلن يرحمك النقد، ورب كلمة تكتبها تخرب بيتك العلمي.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M