د.الودغيري يكتب: جِيل محاصَر

هوية بريس – عبد العلي الودغيري

شَخَّص الممثل المصري الشهير نور الشريف، في أحد مسلسلاته الاجتماعية الهادفة، دور الأب والمربّي المثاليّ، والمدرِّس الكفء النزيه. لكن عيب هذا الأب أنه كان رجلاً شريفًا متمسِّكًا بالقيَم الفاضلة، ومنتميًا لأسرة فقيرة، وأنه كان مدرّسًا للغة العربية، فلم تشفع له كفاءته ونزاهته واستقامته، ليحظى بما يليق به من اعتراف واحترام عند جميع فئات المجتمع، بل سرعان ما أوقعته تلك الصفات ــ ويا للمفارقة ــ في حبال من الدسائس والمؤامرات التي أوصلته إلى السجن ظلمًا، بسبب ما دبَّره له ولأبنائه وأسرته جماعةٌ تنتمي إلى طبقة فاسدة اغتَنت في غفلة من القانون، وامتلكت السلطة والجاه بطرق غير مشروعة، وأصبحت تفرض قيمَها الخاصة على المجتمع بكامله وتدفع بشبابه إلى الضياع والانحراف، وتسخر من مدرّس اللغة العربية الذي لم يعد له مكان بينها.
كان من نتائج هذا الوضع المختلّ أن تكوَّنت في نفسية الابن الأكبر لهذا المدرِّس الشريف «عقدةُ الأب الفقير مدرِّس اللغة العربية»، فانجرَّ إلى سلوك منحرِف وهو يعتقد أنه باكتسابه المال الكثير بأية وسيلة ومن أي طريق، سوف يتخلّص من عقدته تلك، ويرتفع مقامُه إلى مستوى الطبقة التي تحتقره وترفضه اجتماعيّا.
في جلسة محاكمة الأب على جريمة لُفِّقَت له من غير ذنب، صرخ نور الشريف الذي يتقمَّص شخصيتَه، أمام القضاة بأعلى صوته، وهو في موقف الدفاع عن النفس وعن الجيل الضائع، قائلًا:
«أنا مؤمن بالقانون وباللغة العربية التي كُتِبَ بها. وجريمتي أنني أصررتُ على تعليم اللغة العربية بإخلاص وأمانة. لكن الظاهر أن تعليم اللغة العربية وحده ليس كافيًا لتعليم وتربية جيل جديد مُحاصَر بكل لغات العالَم من جميع وسائل الإعلام المختلفة، ومحاصَرٍ بكل الإغراءات».
ليت كل الفنّانين والممثّلين المؤمنين برسالة الفن السامية، أن يرفعوا أصواتَهم أيضًا، دفاعًا عن اللغة العربية بطرقهم الخاصة ووسائلهم الفنّية المختلفة، ويُعلنوا موقفهم بكل قوة وشجاعة أمام جماهيرهم الغفيرة التي تتحلَّق كل يوم حول شاشات الفضائيات لمشاهدتهم وتتبّع أخبارهم بإعجاب.