د. محمد الديج: فضيحة الماستر.. الشجرة التي تخفي الأدغال

20 أغسطس 2018 01:16
تطورات خطيرة في قضية الماستر مقابل المال

هوية بريس – د. محمد الديج

بعد فضائح الجامعة المغربية وآخرها فضيحة البيع والشراء في الماستر، حان الوقت في نظري، لنشر ودعم ثقافة التقويم والمراقبة والاعتماد الأكاديمي للجامعات ومؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي.

وأقدم فيما يلي، لتحقيق ذلك، مقترحا ببرنامج متكامل، شرعت في إنجازه منذ مدة، لإصلاح وتطوير القطاع، في جزئين:

الجزء الأول: “إشكالات تعيق تطور التعليم العالي”

لاشك أن الجامعات المغربية والتعليم العالي عموما، تحتاج إلى إصلاح جذري يقوم على أسس مختلفة تماما عما كان وما يزال سائدا إلى حد الآن، سواء من ناحية رسم الرؤية والاستراتيجية والغايات أومن حيث تحديد المضامين والآليات والوسائل والتجهيزات وتأهيل الطاقات البشرية. إصلاح شمولي يأخذ بعين الاعتبار واقع منظومة التعليم وأولويات المجتمع المغربي ومتطلبات النمو في جميع أبعاده، ويستند على تصور محدد عن وضع المغرب ودوره محليا وإفريقيا وعالميا.. ويمكن اختصار تلك المشكلات والمعيقات، في النقاط التالية:

1 -غياب التخطيط الاستراتيجي، وغياب رؤية وطنية واضحة المعالم، تنبني على فلسفة شاملة للتعليم العالي والبحث العلمي. الأمر الذي كان دائما وراء فشل برامج الإصلاح والتردد والتخبط الذي ميز السياسات الحكومات المتعاقبة في المسألة التعليمية، حائلا دون الانتقال إلى نظام تعليمي عمومي جيد، نظام حديث منصف وعادل، يضمن المساواة وتكافؤ الفرص بين كافة افراد المجتمع . سياسات كان من المفروض أن تعتبر ومن حيث المبدأ، أن الإصلاح الحقيقي للشأن التربوي والتعليمي على مختلف مستوياته و أنواعه، يشكل الأساس الذي يواكب التحول الديموقراطي و الإصلاح الدستوري والسياسي ببلادنا وينبني على حكامة التدبير وربط فعلي ودائم للمسؤولية بالمحاسبة.

2 – تشتت جهود التعليم العالي والبحث العلمي ومؤسساته، بين العديد من القطاعات الحكومية و المؤسسات العمومية منها والخاصة (أكثر من 18 قطاع)…فكما هو معلوم فإن لكل وزارة تقريبا، مؤسستها للتعليم العالي والتكوين المتخصص، مبدئيا لسد حاجياتها من الاطر والكفاءات. لكن ما نلاحظه أن هذا التشتت، لا تواكبه بالضرورة، عمليات المواءمة والتنسيق والتعاون والتكامل والتراكم… كما لا يخضع دائما لنفس التشريعات والتنظيمات الادارية والتربوية وظروف العمل والالتحاق وبرامج التكوين وشروط التخرج ومستويات التكوين وكفاءة المكونين…مما يخلق تفاوتات ومتناقضات تزيد من تعميق أسباب الازمة.

3 – غياب استقلالية حقيقية للجامعات ومؤسسات التعليم العالي عموما، ، فالقرارات الهامة لازالت تتخذ على مستوى الإدارة المركزية في وزارة التربية الوطنية وغيرها من الوزارات المعنية، فضلا عن ضعف في ثقافة الجهوية واللامركزية وغياب المقاربة التشاركية للتدبير الاداري والمالي والبيداغوجي للمؤسسات وللقطاع عموما.

4- القرارات الارتجالية والمزاجية للمسؤولين المتعاقبين على القطاع، من أسباب تعميق الأزمة كذلك، قرارات عشوائية لا تنبي على دراسات علمية متأنية ولا تعتمد منطق التشارك والحوار ولا تستند على تتبع وافتحاص وتقييم داخلي وذاتي ولا على مراقبة خارجية محايدة ونزيهة، لعمل المؤسسات ونتائجها ولا على تراكم التجارب الناجحة واستبعاد التجارب الفاشلة، مما سبب ويسبب في الكثير من الصراعات والازمات والاحتجاجات، من مثل أزمة كليات الطب والصيدلة والأسنان، سنة 2015، والتي دامت أسابيع عديدة من مقاطعة الدراسة والمطالبة بإلغاء مشروع الخدمة الوطنية الصحية، أو ما عرف بـ”الخدمة الإجبارية”، وهو المشروع الذي شكّل جوهر احتجاجات الطلبة والأطباء المقيمين والداخليين، والذي كان يقضي بإلزامهم بالعمل لمدة سنتين في المناطق النائية مباشرة بعد تخرّجهم، دون أن تنصّ المسودة على إدماجهم بعد ذلك في الوظائف العمومية.

ونفس الأمر حصل مع طلبة الهندسة، (منذ2016) حيث أتى قرار دمج المدارس الوطنية للعلوم التطبيقية مع كليات العلوم والتقنيات والمدارس العليا للتكنلوجيا “مفاجئا وغير منطقي وغير مدروس”، لدى الطلبة المهندسين الذين شعروا بتهديد هذا القرار الارتجالي لمستقبلهم المهني، وتهديدهم بالتالي بآفة البطالة، قرار تمثل في المرسوم رقم 2.15.645، القاضي بدمج تلك المدارس مع المدارس العليا للتكنولوجيا وكليات العلوم والتقنيات، في مدرسة واحدة تحت مسمى “بوليتكنيك”.

وسبق لهؤلاء الطلبة أن استنكروا هذا المرسوم، منددين بما اعتبروه ظلما سيطالهم نتيجة هذا الإدماج، خاصة وأن ولوج المدرسة العليا للعلوم التطبيقية يستلزم الحصول على معدلات عالية في الباكلوريا، ثم الخضوع للانتقاء الأولي، وبعدها المباراة، كما أن التكوين الذي يمتد في هذه المدارس لخمس سنوات يتم على اعتبار أنهم يتخرجون مهندسي دولة وليس تقنيين، كما هو الشأن بالنسبة للمدرسة العليا للتكنولوجيا وكلية العلوم والتقنيات.

هذه أمثلة عن القرارات المركزية المرتجلة وغير المدروسة وما ينتج عنها من اضطراب وفقدان الثقة، وغيرها كثير، مما تعاني منه الجامعات والمدارس العليا و مراكز التكوين المهني و مؤسسات التعليم والتكوين بشكل عام.

5- التدبير المركزي والتوزيع غير العادل لمؤسسات التعليم العالي: قدّم بهذا الخصوص، الكاتب الوطني لقطاع التعليم العالي بالاتحاد الاشتراكي، جمال الصباني، أرقاما حول نسبة الطلبة في التعليم العالي، قائلا إنّ المغرب يبقى متخلّفا، بشكل كبير في هذا المجال، إذ لا تصل النسبة سوى إلى 13 في المائة، بينما تبلغ النسبة في فرنسا 55 في المائة، وتصل في الدنمارك إلى 91 في المائة؛ وتابع أنّ المغرب في هذا المجال متخلف حتى عن عدد من الدول العربية، مثل تونس، ومصر، التي تصل فيها النسبة إلى 28 في المائة، والأردن، بنسبة 41 في المائة.

وقال الصباني إنّ الجامعة المغربية انتقلت من مرحلة التأسيس، إلى “مرحلة التهميش” ما بين 65 و 75 بسبب الصراعات السياسية، على حدّ تعبيره، وأضاف أنّ الطلبة المتفوقين يتوجّهون نحو مؤسسات تكوين الأطر، بينما يتوجه أبناء الأغنياء إلى الجامعات الخاصّة، مثل جامعة الأخوين، فيما يلتحق باقي الطلبة بالجامعات العمومية؛ ودعا إلى أن يرتكز التعليم العالي على النقد والديمقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية، وأن تكون المعرفة ملكا عموميا

إن استقلال الجامعة يعني بالاساس ترشيد تطبيق سياسة اللامركزية في ميدان التعليم العالي والبحث العلمي، مع ضرورة إعادة النظر في التركيبة الحالية للجامعات لتصبح قادرة على الاضطلاع بمهامها ولن يتم ذلك إلا من خلال توحيد يعمل على حذف الحدود الفاصلة بين التعليم الجامعي ومؤسسات تكوين الأطر المتوسطة والعليا. إن هذا التوحيد لن يتم إلا في فضاء جامعي منعدم الحواجز تماما، يمكن الجامعة من القيام بدورها كاملا، فضاء ليس فيه فصل بين الكليات المختلفة ولا بينها وبين المعاهد والمؤسسات العليا، فضاء وحدته الأساسية مختبرات البحث والتدريس سواء في العلوم البحتة أو التطبيقية أو الإنسانية فضاء يمكن مؤسسات تكوين الأطر العليا من التنظيم داخل جامعات متعددة التخصصات أو المشاركة في بعض الجامعات الموجودة.

إن المغرب يتوفر على 15 جامعة أربعة منها في الرباط والدار البيضاء تقدم تكوينات متفاوتة وغير موزعة توزيعا منطقيا على مستوى التراب الوطني، هذا بالإضافة إلى كون حوالي 18 من المعاهد والمدارس تابعة لوزارات غير وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

إن هذا الشتات غير المنطقي هو الذي يجب أن نفكر فيه حينما نفكر في التوحيد وهو أولا جعل جميع المعاهد والمؤسسات تابعة لوزارة واحدة أو هلى الاقل تحت إشرافها وبتنسيق منها،

التوحيد كذلك يشمل إنشاء أقطاب للبحث في كل جامعة ما يسمح بخلق أقطاب تستطيع خلق التنافسية وإثبات ذاتها على المستوى الإقليمي والدولي.

6 – التدبير الاداري التقليدي، البيروقراطي بمساطره السلحفاتية والمعقدة، لتسجيل الطلبة على مستوى الإجازة والماستر والدكتوراه، نظرًا لافتقار المؤسسات للوسائل التكنولوجية الحديثة وعدم مسايرة المستجدات في التخطيط والتدبير وغياب تكوين كاف للموظفين. فتسجيل طالب أجنبي مثلًا، في الإجازة أو الماستر أو الدكتوراه، يمر بمراحل طويلة جدًا ومعقدة وهو ما قد يسيئ للعلاقات العلمية والثقافية للمغرب مع غيره وخاصة مع الدول العربية والافريقية .

7 – مشكلة الاكتظاظ الذي تعاني منه الجامعات المغربية عموما و المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح على وجه الخصوص ؛ بسبب تدفق الطلبة الذين يحصلون على الباكالوريا بأعداد كبيرة، هذا بالإضافة إلى الطلبة القدامى. في مقابل ضعف / غياب البنيات التحتية، والتجهيزات الأساسية، والمرافق والمخابر الكافية للمؤسسات الجامعية والتي أصبح الكثير منها أقرب إلى مدارس ابتدائية وخاصة تلك التي تنشأ في المدن الصغرى وتسمى في البداية “بالنواة الجامعية” والتي قد تستمر نواة للعديد من السنين.

8 – ضعف التأطير البيداغوجي، فغياب التأطير الكافي في العديد من الجامعات ومؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، يخلق إشكالية كبيرة فيما يتعلق بالتدريس والتكوين والبحث، فتضطر بشكل غريب، إلى الاستعانة بأطر مهنية من خارج قطاع التعليم العالي، في حين يبقى الدكاترة ودكاترة الوظيفة العمومية وفي مقدمتهم دكاترة وزارة التربية الوطنية ذاتها، مبعدين ومهمشين ومعتصمين، دون أن تتمكن هذه الوزارة من إحداث مناصب لتوظيف أساتذة جدد لسد الخصاص الكبير. فضلا عما لاحظناه من ضعف بنيات الاستقبال و تقليص ميزانيات التسيير والاستثمار وهزالة التوظيفات والتكوينات مقارنة بحجم عدد الطلبة والخصاص الكبير من الأساتذة الباحثين.

ومما سيزيد في تعميق الاشكال، تقاعد عدد كبير من المدرسين والاطر الادارية في السنوات القليلة القادمة . وقد سبق لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، أن قالت على لسان وزيرها السابق محمد حصاد، أن عدد المتقاعدين، الذين سيغادرون قطاع التعليم العالي سيعرف تصاعداً كبيراً إلى حدود عام 2022، جلهم من الأساتذة الباحثين.

وحسب الأرقام، التي قدمها حصاد في اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال في مجلس النواب بالبرلمان، بمناسبة تقديم الميزانية القطاعية لوزارته، فإن عدد الأساتذة الباحثين، المتوقع إحالتهم على التقاعد بسبب بلوغهم السن القانوني للإحالة على التقاعد، بدءا من سنة 2017 إلى حدود سنة 2022، سيبلغ 2286، أما عدد الذين سيحالون على التقاعد خلال الفترة نفسها من الاطر الإدارية، والتقنية، فسيبلغ 1577.

وتتوقع الوزارة، أن يحال فضلا عن ذاك، على التقاعد النسبي ما لا يقل عن 6514 أستاذا باحثا، بين سنة 2017 وسنة 2022.

ومن نتائج ضعف التأطير، تكدس الطلبة الباحثين في المستويات العليا على الأساتذة المشرفين على الماستر و الدكتوراه.

الأمر الذي جعل النقابة الوطنية للتعليم العالي وغيرها، تؤكد “أن الخصاص المرصود لا يمكن معالجته بطرق ترقيعية، تهدد مستقبل التعليم العالي ببلادنا بالسكتة القلبية، وترفض في هذا الإطار عملية التوظيف بالتعاقد أو الوضع رهن الإشارة، وتطالب الحكومة المغربية بتوفير المناصب المالية الكافية لمعالجة الخصاص وتحسين نسبة التأطير البيداغوجي”.

9 – تدهور البحث العلمي والتقني والاساسي منه على وجه الخصوص، فمعلوم أن البحث العلمي يعد من الركائز التي تعتمدها الأمم في تحقيق التقدم ونيل تقدير هيأت التصنيف والاعتماد والمنظمات العلمية الدولية المعنية بتقويم المؤسسات التعليمية والمراكز البحثية، حيث تستند إلى عدد الأبحاث العلمية وجودتها، وعلى تقويم مدى دعم الدولة والقطاع الخاص لأنشطة البحث العلمي المختلفة، إذ كلّما زادت الأبحاث العلمية الجيدة ذات الإضافة والمتوفرة على عناصر الابتكار والمنشورة في مجلات ومواقع محكمة، كلما كان ذلك في مصلحة الباحث والمؤسسة الراعية والدولة ذاتها.

غير أن الأمر ليس كذلك في جامعاتنا التي تصنف دائمًا في آخر السلم، حيث البحث العلمي لا يجد سبيلا للنمو والنضج والتراكم و التطبيق، وحيث مراكز الأبحاث القليلة أصلا، كثيرة الشكوى وحيث البحث فيها بدل ان يكون جماعيا فإنه فردي و”مشخصن”، يرتبط اساسا بالحصول على الشهادة او بالترقي الإداري أو يرتبط بمكاتب الخبرة والدراسات ذات الطابع الربحي أو بجهات أجنبية متعاونة والتي قد تتحول معها بعض المراكز البحثية بالكليات إلى شبه دكاكين و متاجرلا تستفيد منها خزينة الجامعة ولا ميزانية البحث العلمي،

أو قد تخضع البحوث للبيروقراطية أو لمزاج الرؤساء، فإذا قدم مشروع بحث علمي، فقد يطول انتظار الترخيص والدعم وصرف المساعدات… بسبب الطابع السلحفاتي للإدارة…، وقد يرفض مشروع البحث في نهاية المطاف بسبب أو بدون سبب. فضلا عن قلة منابر النشر المحكمة، حتى أن بعض الكليات لا تتوفر على مجلة علمية محكمة خاصة بها، الامر الذي يعاني منه الاساتذة و الطلبة في سلك الدكتوراه على حد سواء. ( انظر – عبد الرحيم العسري، التعليم العالي بالمغرب وضرورات الاصلاح، هسبريس، 5 غشت 2017).

ومن مظاهر/أسباب قصور البحث العلمي عندنا، رغم المجهودات الكبيرة المبذولة والتي لا ينكرها عاقل، نختصر أهمها كالتالي:

– غياب استراتيجية وطنية للبحث العلمي والتقني، ترسم الأهداف العامة بناء على حاجيات المجتمع والتطورات العلمية على المستوى الدولي، وتحدد الوسائل الناجعة بالنظر إلى الموارد البشرية المرصودة والإمكانيات المادية المتاحة.

– غياب أجهزة مستقلة ذات سلطة تقريرية في مجال التخطيط للبحث العلمي وتخطيطه وتنسيقه، رغم وجود المركز الوطني لتنسيق وتخطيط البحث العلمي.

– غياب أو ضعف هيئات مستقلة ونزيهة للمراقبة والتقويم والاعتماد الأكاديمي.

– نقص واضح في تمويل البحث العلمي.

– قلة عدد الباحثين بالنسبة لعدد السكان؛ نظرا لطغيان التصور الإداري الذي يحصر مهام التعليم العالي في تلقين المعرفة، وزيادة الأعباء على كاهل الأساتذة الباحثين كما أسلفنا(عدد ساعات التدريس، الأعمال الإجرائية من حراسة وتصحيح الواجبات والاشغال التطبيقية والاختبارات…)، وسوء الوضعية الاجتماعية للباحثين.

10 – مشاكل الأطر والموظفين بالتعليم العالي الضامنين مبدئيا لاستمرار الجامعة كمرفق عمومي، مشاكل كثيرة ومتعددة، منها الحق في التكوين والتكوين المستمر والحق في الترقي بالشهادات الجامعية لفائدة موظفي التعليم العالي الحاصلين على الإجازة أو ما يعادلها والماستر و الدكتوراه، زد على ذلك مشكلة ضعف الحريات النقابية وأمام التصرفات السلطوية داخل المؤسسات والأحياء الجامعية، حيث يخلد العديد من المسؤولين في مقاعدهم .

كما يتعمق الاختلال في التواصل والتعاون بين مكونات الجامعة وروادها من إداريين، وأساتذة و طلبة ويزيد من تهميش بعضها و خاصة الطلبة وعدم منحهم الصلاحيات الكافية، وغياب حضورهم في المجالس الجامعية والمؤسساتية، وغياب معايير وضوابط منظمة لعلاقاتهم، وسيطرة النظرة العدائية لدى بعض الأطراف ضد بعضها الآخر وهيمنة الصراعات السياسية و الايديلوجية على العمل النقابي الطلابي، وحتى بين هيئة التدريس تظهر صراعات دخل المؤسسة وداخل الشعب ربما لنفس الأسباب ولا يكون الهاجس العلمي والتربوي من ورائها، كما يغيب التعاون والتنسيق بين أساتذة الشعبة الواحدة بل وظهور ما نسمعه من حين لآخر، من تحرشات وعنف ورشاوي…

11- التوجه نحو خصخصة التعليم العالي: لقد اصبحنا نلاحظ الانتشار غير المراقب وغير المنظم للتعليم العالي الخاص؛ والذي يتميز بطغيان الهاجس التجاري، النخوية، التمركز الشديد بمركز الجهة، عدم الاعتراف الإداري والأكاديمي بشهاداته من قبل الدولة، 80 % من تخصصاته تهتم بإدارة الأعمال والتدبير.

التمايز بين تعليم نخبوي وتعليم جماهيري؛ فالأول حظي باهتمام علمي ومالي لتخريج ثلة من المحظوظين، تكون فرصها في شغل مناسب أحسن وأفضل، فنسبة الطلبة الحاصلين على دبلومات المدارس العليا وكلية الطب لا تتجاوز 7، 7 % من الطلبة الجامعيين بجامعة محمد الأول، ونسبة الحاصلين على الإجازة المهنية لا تتعدى 2، 5 %. والثاني يعاني عجزا واضحا في التجهيز وبنيات الاستعمال والتأطير البيداغوجي والإداري، ويرمي سنويا بآلاف الطلبة إلى رصيف البطالة القاتلة، حيث نسبة الطلبة الحاصلين على الإجازة في الدراسات الأساسية بلغت 78، 6 %، وهذا ما جعل النقابة الوطنية للتعليم العالي تدعو إلى توحيد التعليم العالي.

12- ازدواجة لغة التدريس بين التعليمين الثانوي والعالي خاصة في الشعب العلمية والاقتصادية والتقنية.- خلل على مستوى لغة التدريس: تمثل في ازدواجية لغة التدريس المعتمدة بين الشعب الأدبية والقانونية مقارنة مع الشعب العلمية والاقتصادية والتقنية، والتردد الواضح حول مسألة التعريب رغم ما كلف من جهود وأموال خاصة على مستوى الشعب العلمية. وأيضا ازدواجية لغة التدريس بين التعليمين الثانوي والعالي، مما كان له الأثر الواضح في ضعف استيعاب الدروس من طرف طلبة الشعب العلمية، والجهد الكبير الذي يبذله الأساتذة لشرح الدروس وتصحيح الامتحانات، ويتضح أيضا في ضعف الانفتاح على اللغة الانجليزية واعتمادها في كثير من المواد المدرسة باعتبارها اللغة العالمية الأولى ولغة العلم اليوم، فأصبح كثير من خريجي طلبة التعليم العالي لا يتقنون أي لغة سليمة للتواصل، سوى لغة هجينة.سحب القرار المرتبط بمناهج التعليم العالي من يد الأطراف المعنية؛ إذ أن وضع الفلسفة العامة لهذه المضامين التربوية وتحديد التخصصات وأنظمة الامتحانات لا تتم إلا بمراسيم وزارية.

13- قصور في المناهج والمضامين: فرغم جهود الأساتذة لتطوير الطرق الدراسية وتحسين المضامين، فإن التعليم العالي لا زال يعاني من عدة نقائص:

اعتماد الحفظ والاستظهار والتلقين وشحن الدروس، بدل التركيز على مناهج التفكير والتحليل وأدوات التعامل مع المعرفة والتحفيز على الإبداع والابتكار والمبادرة والنقد.

– أغلب المناهج والبرامج مستنسخة عن دول أخرى خاصة فرنسا، لذا ليس فيها أي إبداع أو خصوصية.

– مناهج التعليم العالي ما زالت تعاني من الجمود والرتابة، ولا تتميز بالمرونة اللازمة، ويغلب عليها في كثير من الأحيان الطابع النظري التجريدي على حساب الشق التطبيقي العملي.

– مناهج التعليم العالي تتسم بالتخلف عن اللحاق بركب الاكتشافات العلمية والتطورات التكنولوجية، فنسبة 60 % من الأبحاث والنظريات المدرسة أصبحت متجاوزة علميا.

– الخلل في وضع الإيقاعات الدراسية وتدبير زمن التعلم: ما ينتج عنه إرهاق الطالب والأستاذ نتيجة وضع استعمالات الزمن بطريقة لا تراعي قدرات الفئة المستهدفة على التكيف والملائمة، وإهدار الزمن الدراسي أثناء فترة التسجيل (بسبب تأخر تقديم الخدمات الاجتماعية للطلبة)، وبين الدورتين الأولى والثانية بسبب طول فترة الامتحانات مع ما يصاحبها أحيانا من مقاطعات وغيرها

14 – معضلة التقويم التربوي: ومن مظاهر ضعف التأطير وربما من نتائجه المأساوية انشغال هيئة التدريس، نظرا للاكتظاظ والإيقاعات الزمنية وقلة المدرسين وربما انعدامهم أصلا في بعض التخصصات، انشغالهم بتنظيم الاختبارات وتصحيح الاوراق والمقابلات…على حساب التحضير والبحث العلمي و المحاضرات والتطبيقات … كل ذلك يبقي على التقويم بصيغته القديمة (الامتحان الدوري)، ولا يجعله يساير التطورات والمستجدات البيداغوجية والنماذج المتقدمة الامر الذي يؤدي إلى ضياع الكثير من الوقت والجهد والمال، ويكون على حساب زمن التكوين ما ينتج عنه من ضعف في التكوين والبحث، كما أن التقويم بشكله التقليدي يثير الكثير من احتجاج الطلاب فيفقد المصداقية حيث لا يخضع لمعايير الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص.

15 – ضعف الاندماج في المحيط الاقتصادي والاجتماعي؛ ويتجلى ذلك في عدة تجليات:

– بطالة الخريجين: ويدور سجال عقيم بين من يحدد سبب ذلك في هشاشة التكوين الذي تقدمه مؤسسات التعليم العالي، وبين من يحدده في محدودية الطاقة الاستيعابية للمحيط الاقتصادي.

– قلة الأبحاث والدراسات التي تقدمها الجامعة لفائدة الفاعلين الاقتصاديين.

– قلة طلبات القيام بخدمات من قبل مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية لانعدام الثقة في القدرة البحثية لمؤسسات التعليم العالي.

لم يعد التعليم العالي في العصر الحاضر معزولاً عن هموم المجتمع ومشكلاته وشؤون تنميته، بل اصبح لزاما على مؤسساته العمل على تهيئة المجتمع للوثوب إلى مسارات التنمية المختلفة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية وذلك من خلال تأهيل الموارد البشرية التأهيل اللازم الذي يساعدها على تحمل مسؤولية التنمية بكل جدارة واقتدار من الناحية المهنية والأخلاقية والاجتماعية وبخاصة في العالم الاسلامي حيث يدعو المنهج الاسلامي الى أن تكون التنمية للموارد البشرية معززة بمختلف القيم السامية والشاملة لجميع السلوكيات الايجابية التي تطرقنا اليها في هذا العرض الموجز.

ولكي يتحقق ذلك لابد لمؤسسات التعليم العالي الأخذ بأهمية انجاز برامجها من خلال معايير الجودة العالية التي تتضمن:

الانضباط من الناحية الأكاديمية والإدارية.

التقييم المستمر للبرامج.

التقييم الرأسي والأفقي لأعضاء هيئة التدريس.

توفير الموارد اللازمة والبيئة المشجعة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M