ربيع الكتب

16 ديسمبر 2015 14:38
الحْمُوضة.. بالثمن!!

ذة. لطيفة أسير

هوية بريس – الأربعاء 16 دجنبر 2015

حيثما ولَّيتَ بوجهكَ في ربوع وطننا العربي، طالعَتك الجهالةُ نافثةً سمومَها بكلِّ ركن من أركان حياتنا، خلَل عظيم يقضُّ فِكرَ كلِّ مسلم غيور على أمَّته، وهو يرقُب ركبَ الأمم الأخرى يسير قُدُمًا وركب أمَّته يأبَى إلَّا أن يرجع القهقرى، غيوم الجهل طال مُكثها في ديارنا، وأنِسَتْ بصحبتنا أعوامًا مديدة، ضِقنا ذرعًا بهذا الجاثوم الذي كدَّر عيشَنا، وسفَّه أحلامَنا، وجعلَنا بمنأًى عن تعاليم ديننا وشرعِ ربِّنا، الإحصائيَّات السنوية عن مستوى القراءة تُشعِرنا بالخجَل وتدمي قلوبَنا، ورغم ذلك نُصرُّ على مناصبة العداء للقراءةِ والكتب، ونأبى إلَّا أن نجعلهما في ذيل اهتماماتِنا، مع أنَّ نهضة أيِّ أمَّة رهينة بمدى اهتمامها بالعلم وأهله.

ولئن كانت الجهود الرَّسميَّة ضعيفة، ولا تَرقى لمستوى التطلُّعات التي تنشدها قلوبنا العطشى للعِلم والمعرفة، فإنَّ المبادرات الفرديَّة التي يَحمل مشعلَها كلُّ غيور على دينه وأمَّته لم تَنقطع على مرِّ التاريخ الإسلامي؛ بل كانت ومضات نور استضاءت بها الأجيال المفتقرَة للمرشد والموجِّه المعرفي.

ورغبةً في غَرس بذور الأمل في جيل اليوم، وتبديد تلك الصورة القاتمة عن شبابه؛ أحببتُ تسليطَ الضَّوء في هذا المقال على وجه أدبي شابٍّ، أبَى إلَّا أن يَنخرط في سلك المحرِّضين على القراءة بمبادرة فرديَّة، جاعلًا الكلمةَ المسدَّدة سلاحَه، وشبكاتِ التواصل نافذتَه المطلَّة على العالم؛ إنَّه الأديب المغربي ربيع السملالي.

مَن يطالِع كتابات ربيع السملالي على صفحات التواصُل ومقالاته وكذا إصداره الأول “أفكار على ضِفاف الانكسار”، يتَّضح له ذاك العشق الجنوني بينه وبين الكتاب، عشقٌ فريد بالنسبة لشابٍّ في ريعان شبابه أَلِف أقرانُه مغازلةَ الكرة، أو الرَّقص على نغمات مغنِّيهم المفضَّل، وفضَّل هو مغازلةَ القلم والرَّقص على نغمات الحروف المبعثرَة بين دفَّتي الكتب، يقول في مقالته: “إعارة الكتب من منظور عاشق”: (الكتابُ، وما أدراك ما الكتاب؟! إنَّه العِشقُ الدَّفين الرَّاسخ في أعماق مَن اختاروه صديقًا وفيًّا وحبيبًا دائمًا، واتخذوه وليًّا ونصيرًا! إنَّه شيء كالهواء في قلوبهم، وكالماء العذب الزُّلال في أعماقهم العطشى، بل هو الحياة التي لا حياة بعدها! يَقرؤونه ويقلِّبون صفحاتِه بمتعةِ مَن يبحث عن كنزٍ نفيس لا مجال للشكِّ في وجوده، يتلذَّذون بمسامرته كما يتلذَّذ العاشقُ الولهانُ بقرب حبيبتِه التي طال انتظاره لها؛ بشوق محرِق، وحنين مُرهِق).

وهذه العلاقة الحميمية لم تَكن وليدةَ لحظتها، بل نشأَت منذ صغره، وجرَت منه مَجرى الدَّم؛ حتى خالطَت كل ذرَّة من كيانه، رغم أنَّ البيئة التي ترعرَع فيها لم تكن -كغيرها من بيئاتنا- محفِّزةً على الانغماس في بَحر العلم، لكنَّه أصرَّ على خوض غمار هذه الأمواج ومزاحمة أهل العِلم منذ صغره.

(من أكبر نِعَم الله عليَّ أنَّني انبثقتُ من بِيئة لا علاقة لها بالعلم، ومن مجتمع لا حظَّ له في حقول المعرفة، فحُبِّب إليَّ العلمُ والعلماء، والأدبُ والأدباء، حبًّا ملكَ عليَّ شَغاف قلبي الصَّغير حينذاك)، ويقول في موضع آخر: (حينَ أحسَسْتُ بموهبة الكتابة تضطربُ في أعماقي، ودودتُها تَنغَلُ في دَمي وأنا دون العشرين من عمري، جعلتُ أقرأ كلَّ كتابٍ يقعُ تحتَ يدي يومئذٍ بحثًا عن طريقة تخلِّصُني من العِيِّ والحَصَر، وركاكة الأسلوب، وفقر المعلومات اللُّغوية بنحوها وصرفها وإملائها).

لذا لا تَعجب إن قرأتَ أنَّ حلمه لم يكن يومًا امتلاك القصور الجميلة والسيارات الفارِهة؛ بل الظَّفر بمكتبة عامرة تصْطفُّ في رفوفها مصنَّفاتُ الفقهاء والأدباء واللُّغويين والنحويين وهلمَّ جرًّا، يقول ربيع الأدب: (كنتُ قديمًا وأنا دون العشرين من عمري أحلمُ بمكتبةٍ ضخمة، تضمُّ بين جنباتها كلَّ ما لذَّ وطاب من أصناف الآداب وألوان العلم والفنون، وكنتُ أستبعد أن يتحقَّق هذا الحلم لقلَّة ذاتِ اليد، وعدم القدرة على اقتناء ما تصبو إليه الذَّائقة ونفسي الأمَّارة بالحبِّ والحنين لتلك الكتب)، لكنَّه تحلَّى بالصبر، وتجمَّل بالتأنِّي، وتنازَل عن الكثير من مُتَع الحياة؛ رغبةً في تَحقيق هذا الحلم، حتى ظفرَ به؛ ليبعث رسالةً لكلِّ من يُهدر أموالَه في الملاهي والكماليات، ويقْلب ظَهْرَ المِجَنِّ لمثل هذه الضروريات: (فمرَّت الأيَّام، وتعاقبَت الليالي، فتحقَّق الحلم، وأنفقتُ من أجل تكوينها كلَّ ما أملك، وتنازلتُ في سبيلها عن كثير من الكماليات الدُّنيوية التي يسبِّح بحمدها كثير من النَّاس بكرة وأصيلًا)، بل تجاوز الحلم المدى، وصارَت الغرفة تَضيق بما فيها من كتب وقد رَبَتْ عن ألفَي كتاب: (أنا الآن أحتاج لرفوف تَليق بهذه الكتب المتراكمة هنا وهناك، كما أحتاج لمساحةٍ شاسعة يتَّسع حائطُها لها، أستطيع من خلالها أن أرتِّبها ترتيبًا أبجديًّا لا يُتعبني وأنا أخوض غِمار البحث والتَّفتيش… أمَّا الكتب، فأستطيع أن أقول: قد اكتفيتُ وتحقَّق ما أردتُ، والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصَّالحات).

ومن منطلق إفادته من المكتبة المنزليَّة، صار حريصًا على الدَّعوة لإنشائها بكلِّ بيت، فيقول: (تكوينُ مكتبةٍ ولو صغيرة في غرفة نومِك من أكبر المُحفِّزاتِ على القراءة والمطالَعة، وإنَّ قراءة عشر صفحات فقط في اليوم تعدِلُ قرابة عشرة كتب في السَّنَة).

ولعلَّنا نشاطِره الرأي؛ لأنَّ وجود مَكتبة بالمنزل يشكِّل حافزًا مهمًّا يؤهِّله للمواظبة على القراءة، كما أنَّه يَسمح للطِّفل بالاستئناس بالكتب والمطالعة، ممَّا يساعِده على تَنمية مَدارِكه ومهاراته اللُّغوية وتَنشيط ذاكرتِه، وكلَّما كانت المكتبة متنوعة تستجيب لميولات أهل البَيت، كانت فائدتها أعظم.

فالكتاب إذًا بالنِّسبة للأستاذ ربيع السملالي يَأتي في مقدِّمة اللذَّات التي تُبهِج فؤادَه، وهو مِن أجمل الهدايا التي يُمكن أن تصادِف هوًى في فؤاده، ما من شيءٍ يُدخل السرورَ على قلبه، ويَجعله يرقص طربًا كالطِّفل – مثل ظَفره به، وخلوتِه به في هدْأة اللَّيل وسكون الضَّجيج، بل إنَّه يفقد إحساسه بالزَّمان والمكان ويَغدو كالعاشِق الولْهان الذي خلا بمعشوقته بعيدًا عن أعين المتطفِّلين.

لذا لا تَعجب إن ألْفيتَه كثيرَ التردُّد على المكتبات، التي لا يحجبه عنها إلا مُزاحمة مسؤولياته الأسريَّة لهذا الولَه العجيب، فيضطر مُرغمًا لتأجيل زِيارتها إلى حين مَيسرة، يقول: (البارحة زرتُ مكتبةً أنيقة جديدة بمدينتي، فرأيتُ كتابين لا يوجدان في خزانتي… ذهبتُ بفِكري إلى المطبخ فذكرتُ الدَّقيق، والزَّيت، والشَّاي والسُّكر والحليب، وما إلى ذلك من لوازم العيش، وأنا أبٌ لثلاثة أطفال، فقلتُ بيني وبين نفسي: (لا أستطيع اقتناءهما)، ثمَّ قبَّلتُهما قبلات يسيرة وعيني تكاد تفيض من الدَّمع حزنًا وأسفًا عليهما).

ولأجل نفاستها وقدسيَّتها في نفسه؛ يرى ربيع السملالي أنَّ إعارة العلماء والكتَّاب كتبَهم لمن لا يستحق ضربٌ من ضروب السَّفَه، بل (وصمة عارٍ على جبين مكتباتهم، وخيانة عظمى لخزاناتهم)؛ لأجل ذلك كتَب على جدران مكتبته: (زيارتك تسرُّنا، وإعارتك للكتب تضرُّنا، فلا تفسد الزيارةَ بالإعارة!)، ولعلَّ هذه الشدَّة في إعارة الكتب انبثقَت من تجربة شخصيَّة جعلَته يخشى على محبِّيه من الضَّياع، فيقول في مقالته الآنفة عن الإعارة: (أرى أنَّه من المفيد أن أذكرَ قصَّةً وقعَت لي مع صديق عزيز طلَبَ منِّي كتابًا في “تاريخ دولة الموحدين”؛ للدكتور علي الصلابي، فترددتُ كثيرًا في إعارته له، وأنا شديدُ البخل على كتبي، ولكنَّه ألحَّ وأصَرَّ عليَّ ووعدني أن يرده في أقلَّ من أسبوع، فاستحييتُ منه وأعَرتُه له على مضَض، وبعد مرور أسبوع طلبتُه منه، فقال: لم أكمِلهُ بعد، فزدتُه أسبوعًا آخرَ، ثم سألتُه فقال: والله لم أكمله، فزدتُه أسبوعًا آخر وقد ضاق صَدري بذلك، وبعد انقضائه ذهبتُ إلى بيته لأطلبه منه فقال لي وعلى وجهه مسحة من حياءٍ: كم ثمنه أخي ربيع؟ فاتَّسعَت حدقتا عينيَّ من الدهش، وقلتُ: لماذا؟ فقال: أريد أن أشتريه لك؛ فقد أخذَته ابنتي الصَّغيرة ولم أنتبه لها، وألقَته في الماء! فقلتُ كاظمًا غيظي: أعطني الكتاب كما هو، دون أن تكلِّف نفسك بشرائه؛ فهو نادر وغيرُ موجود في مدينتنا، ولكن لا تُحدِّث نفسك مرَّةً أخرى بإعارة أي كتاب منِّي، فوافقَ بأسف، وأخرج لي الكتاب وقد لعبَت به يدُ الصبية، وعبث به الماء، فجعله كقطعة قُماش بالية!)؛ اهـ.

لكن الجميل في الأديب ربيع السملالي أنَّه لم يَبخل بتجربته هذه على النَّاس، بل جهَر بهذا الحب العنيف، وأوقَد في قلوب الكثيرين نورًا جعل كلَّ من يتابعه يَسعى لمنافسته والسير على نهجه، ولأنَّ مِن برَكة العلم بذْلَه، تَراه يبذله بسخاء من خلال التعريف بالكثير من الكتب في الأدَب والدينِ واللُّغة، وكذا التحذير من الطبعات السيِّئة من خلال سلسلته القيمة “حمَّالة الحطب”، والإرشاد إلى منهجيَّة القراءة انطلاقًا من تجربته الشخصيَّة، والتَّحريض المُلح عليها: (يا طلَّابَ العلم والأدب، دُونَكم نصيحةَ شابٍّ ثلاثيني عاشَ أجملَ أيَّامه في أحضان الكتب، نصيحة لا يريدُ من ورائِها جزاءً ولا شكورًا:

ادفعوا عنكم الكسَلَ والخمولَ وأنتم تقرؤون وتطالعونَ الكتبَ والرَّسائلَ والمجلاتِ، واتَّخذوا كرَّاسةً لكلِّ فنٍّ من الفنون لتسجيل الفوائد والفرائد التي تَعرض لكم، فمع مرور الأيام وتعاقب اللَّيالي ستجدونَ ثمراتِ هذه الفوائد، وقد ترتِّبونها وتهذِّبونَها وتطبعونها بين دَفتي كتاب، ويستفيدُ منها غيركم.. كما فعل كثير من أهل العلم والأدب قديمًا وحديثًا!).

ولقد أقرَّ له الكثير من الناس بهذا الفضل؛ كبيرهم قبل صغيرهم، ومثقَّفهم قبل جاهلهم، تقول الأديبة الأنيقة الدكتورة صفية الودغيري -تعليقًا على أُمْنية ربيع السملالي في إنشاء مكتبة عامَّة يستفيد منها عموم القرَّاء مجانًا-: (أنت أنشأتَها يا ربيع القلم الحر من غير أن تَشعر.. أنت صنعتَ مكتبة متحرِّكة من خلال ما تنشره وتكتبه من مقالات أو رسائل أو خواطر، أو أدب رفيع أو نثر فريد، أو نكت علميَّة أو فوائد نفيسة.. وأنت قرَّبتَ المكتبة على اختلاف فروعها وفنونها للقرَّاء وحبَّبت إليهم القراءةَ والارتباط بالكتاب ارتباطًا وثيق الوشائج ونفضتَ الغبارَ عن سلسلةٍ من الكتب ما عاد القارئ من أبناء هذا الجيل يهتمُّ لشأنها أو يعرف بوجودها.. وجعلتَ الكثيرين يعشقون الأدبَ ويرغبون في الإقبال عليه بحبٍّ بعد أن زهدوا فيه أمام هذه التحدِّيات المعاصرة.. وبالتالي الذي يسَّر لك أن تحقِّق هذا الحلمَ العظيم لقادر على أن يحقِّق لك هذا الحلم الذي تنشده ويبلِّغك غايتك النَّبيلة ومقصدك الحميد.. ومَن جدَّ في الطلب لا بدَّ وأن يُفتح له الباب).

فأنْ تُحيي في النُّفوس حبَّ القراءة، وتصالِح العقول مع الكِتاب، وتوقِظ الهمَم الرَّاكدة في مُستنقع الكسَل – ليس بالأمر الهيِّن، بل هو عملٌ جليلٌ، وفضلٌ عظيمٌ، يُغبط حامل مشعله، خصوصًا في زمنٍ يناصب العداء للعلم ومَن سارَ في دربه الصحيح، وقد كان له – بعد الله تعالى – فضل عظيم عليَّ لا أفتأُ أذكره كلما دبَّجتُ مقالًا أو حلَّقتُ في سماء كتاب، فبعد انقطاعي الطويل عن القراءة والكتابة، استطاع بفضل توجيهاته ونصائحه أن يعيدَ لِنفسي ذاك الرواء الذي كانت تَفتقده بسبب انغماسِها في متاهة المرَض والعمل.

منشوراته المحرِّضة على قراءة الكتب، وحديثُه عن مُتعة القراءة ونفائس الفوائد التي يَظفر بها – جعلَت الكثيرَ من الشباب يهبُّ من مرقد الخمول، ويَنتفض للتحصيل العِلمي الجادِّ، بل أحيانًا حين يَنشر روايةً معيَّنة ويثني عليها، تجد الكثير من الصفحات على “الفيس بوك” صارَت تتحدَّث عنها، والكثير من الإخوة والأخوات يسارِعون لاقتنائها ونشرِ فوائدها؛ كما هو الشَّأن مع رواية “ثلاثية غرناطة”.

وها هو خاله يصارِحه بذلك في جلسة سمَر عائليٍّ قائلًا: (مُذْ قرأتُ كتابَك “أفكار على ضِفاف الانكسار”، وكتاباتك على “الفيس بوك”، وجدتُني مدفوعًا بحنين غريب وشوق أغرب لعالَم الكتب والقراءة والمطالَعة، ومن يقرأ لك فقطعًا سيحبُّ المطالعةَ؛ لأنَّك تُحرِّض عليها بطريقة راقية).

ومن باب التَّحريض على القراءة واقتناءِ الكتب، ستجد الأستاذ ربيع السملالي لا يَفتأ ينشر بين الحين والآخر صورًا لمكتبته -أو صَومعته- كما يَحلو له أن يناديها، يقول مُخبرًا عن ذلك: (حين أنشر صورًا لمكتبتي على المواقع التَّواصلية، أو أنشرُ خبرًا عن كتابٍ جديد حلَّ ضيفًا في بيتي – فلا يعني هذا أنَّني أقصد إلى المباهاة أو الرِّياء، فبحمد الله لستُ سفيهًا حتى تكون هذه نيَّتي وهذا تفكيري، لكن مع تجربتي المتواضعة في هذه الحياة فقد وجدتُ أنَّ الصُّور أكبر فاعل في تحريض النَّاس على الخير أو الشرِّ سواء بسواء؛ فالإعلام الفاجِر مثلًا أليس من مبادئه نَشر الفاحشة والتَّحريض عليها عن طريق نشر صور المتبرِّجات الكاسيات العاريات اللَّواتي لا يسترن من أجسادهنَّ الرَّخيصة إلَّا العورة المغلَّظة! لأنَّهم يَعلمون علمَ يقين أنَّ مثل هذه الصُّور لها تأثير قويٌّ جدًّا على أصحاب النُّفُوس الضَّعيفة من أبناء هذه الأمَّة وبناتها!)؛ اهـ.

ولئن كان هذا المجهود الفردي قد آتى من الثِّمار الخيرَ الكثير، فكيف سيكون الحال لو أنَّ جهود الأمَّة كلها تكاثفَت وصبَّت كلَّ اهتمامها على إحياء روح القِراءة في النفوس، والتحفيز على اقتناء الكتب ونفضِ الغبار عنها؟ إنَّ تفاعل القرَّاء الجادِّين مع هذا النوع من الكتابات يؤكد أنَّ أمَّة (اقرأ) وإن كانت (لا تقرأ) فإنَّ عشق الكتب فيها دفين ويَنتظر من يحرِّك سواكنه ليهبَّ من مَرقده، وهذا ما أكدَّه ربيع السملالي ذات مرة حين قال: (لاحظتُ أنَّ التفاعلَ مع منشوراتي ومقالاتي عن القراءة أكثر من غيرها، وهذا يدلُّ على أنَّ أمَّة (اقرأ) ما زالَت تتنفَّس.. فقط تَحتاج إلى مَن يوقظها من سُباتها، ويدفع عنها الخمولَ والكسل.. ويبشِّرها بغدٍ تشرقُ فيه شمس المعرفة والعلم فوقَ ديارهم التي أغرَقها الصَّقيع؛ صقيع الجهل، وبرود التخلُّف).

فيا حبَّذا لو أنَّ شباب الأمَّة جعل القراءةَ همَّه كربيع السملالي، وليتَه لا يكون أنموذجًا أحاديًّا في زمن الجهل والجهالة، ليت الأمَّةَ تَستفيق من سُباتها، وتَعلم أنَّ قطار النَّهضة لا يُسمح بامتطائه إلَّا لمن حمَل بطاقةَ العلم والمعرفة، وغاص في بحورهما بعمقٍ، متجرِّدًا من أيِّ مطامع دنيوية، ليتَنا نَشعر بالجوع الفِكري فنقصد أقربَ مكتبة لتغذِية أرواحنا، كما نقصد المطاعمَ عند سماع دويِّ أمعائنا، ليتَنا نَستحضر أمرَ (اقرأ) كما نَستحضر أمر (أقم الصلاة)، ليتَنا نجعل من أبجديَّات حياتنا ما ذكره ربيع السملالي في كتاباته: (أن تدسَّ بين ملابسك وأنت على أُهبة السفر كتابًا أو كتابين، كما تدسُّ قارورةَ عطرك الجميل، وقميصَك الأنيق، وفرشاة أسنانك الضرورية).. حينها فقط سنتنفَّس الصعداء ونحن نُبصر ركب الأمَّة يسير قُدُمًا نحو الأمام!

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. أحسن الله إليك أستاذة لطيفة، مقالة تستحق كامل الرعاية والقراءة، وحقا ما قلتيه قد زاد في قلوب من يتبع الأستاذ ربيع على صفحاته مزيد من الحماس والاجتهاد، وحقا أنا من بين من يحرصون على متابعة مقالاته وخواطره واجتهاداته، لآنها تلامس الواقع وتحرك القلب……

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M