سياسة الصلاة المضيَّعة

14 أبريل 2021 18:22
د.بنكيران يكتب: حادثة "فقيه بادية طنجة".. مقرئ القرآن وتهمة الاغتصاب

هوية بريس – د.رشيد بنكيران

روى الإمام مالك في الموطأ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ: “إِنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ، فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ”.

قلت: يكون تضييع الصلاة بالتفريط في حقوقها، فالصلاة لها حقوق يجب مراعاتها تتمثل في شروطها وأركانها ومكان إقامتها ووقت أدائها، وغيرها من الحقوق التي إذا اختلت وقع الخلل في الصلاة وأصبحت توصف بالصلاة المضيَّعة، ومن ضيّعها بالمضيع صلاته على غرار المسيء صلاته.

وكما يكون تضييع الصلاة من طرف الفرد يكون كذلك تضييعها من طرف المجتمع أو الدولة، والأول هو المتبادر للذهن عند أغلب الناس، بينما الثاني يغيب عن الأذهان ولا يتحدث عنه إلا قليلا مع أنه الأشد خطرا.

لتضييع الصلاة من طرف المجتمع أو الدولة صور كثيرة، منها:

– ضعف الاهتمام بتعليمها للنشء وتربيتهم عليها عمليا، وهذا أمر واقع للأسف الشديد ببلدنا، فمؤسسة التربية والتعليم من خلال برنامجها التعليمي لا تصنع طفلا مصليا؛ لا عارفا بها ولا حريصا على أدائها، بل تصنع طفلا مضيعا لها.

– عدم توفير أماكن محترمة رسمية لإقامتها، فباستثناء المساجد التي تشيد من طرف المحسنين، لا توفر الدولة أماكن للصلاة في المؤسسات الإدارية والمرافق الاجتماعية والفضاءات المتنوعة، فأغلب الأماكن التي يرتادها المواطن لا توجد فيها أماكن مخصصة للصلاة كالمستشفيات العامة والخاصة…، والإدارات المختلفة….، والمطارات ومحطات النقل المتنوعة..، والمعامل والشركات…، والمدارس والكليات والجامعات…، فبجولة واحدة في تلك الفضاءات نستخلص أن سياسة الدولة في أمر الصلاة هو تجاهلها وتغييبها وصناعة واقع لتضييعها.

– إبرام مواعد رسمية وتقرير أوقات عمل لا تعير اهتماما كما يجب لأمر الصلاة، فترى الانتخابات لا تقام إلا في يوم الجمعة مثلا مما يترتب عنه تضييع صلاة الجمعة للمراقبين، وترى كذلك الامتحانات الإشهادية تقام في وقت صلاة الجمعة، مما يفرض على الممتحنين وأوليائهم والمراقبين تضييع الصلاة؛ فئة عريضة من الناس تعد بالآلاف، ولا من يهتم بالأمر رغم التنبيهات المتكررة المطالبة بإصلاح هذا الوضع المشين غير المبرر سوى صناعة واقع لتضييع الصلاة.
– إهانة المؤسسة العسكرية للجنود الذين عرفوا بالمحافظة على الصلاة، فالويل لمن عرف بذلك وضبط وهو ويؤديها في أماكن عمله مثلا، وهناك شهادات عديدة تؤكد هذه الحقيقة…

إن هذه الصور التي تدل على تضييع الصلاة موجودة بكثرة في مختلف المجالات والفضاءات ببلدنا، وهي ليست وليدة صدف، بل توشي باستراجية مقصودة تتبناها جهات معينة في الدولة، فلا غرابة أن نرى اليوم الإسراع في غلق المساجد ومنع الناس من أداء صلاة العشاء والصبح فيها بدعوى خشية انتشار الوباء ، فقد كان بالإمكان أن تمنع فقط صلاة التراويح التي يمكن أن تسبب اكتظاظا ملحوظا يخشى منه، أما أن تمنع صلاة الصبح مثلا فهذا لا تفسير له سوى الإمعان في سياسة تضييع الصلاة.

ومن ضيع الصلاة فهو لما سواها أضيع كما قال الخليفة الراشد الملهم عمر رضي الله عنه، وهو ما يؤيده واقعنا المعيش، فهناك حقوق كثيرة ضاعت وستضيع، فوجود الصلاة المضيعة مؤشر على وجود حقوق العباد المضيعة.
اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا ودبر لنا فإننا لا نحسن التدبير، واجعل علينا ولاة لا يضيعون الصلاة ولا يصنعون واقعا لتضييع الصلاة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M