فقراء العالم.. بين الإسلام والنظام العالمي الجديد!

07 يونيو 2019 10:08

هوية بريس – طارق الحمودي

تأملت في حالة الفقراء، فعجبت من تهرب كثير من الناس عن الحديث عنها، ثم تأملت واقع الفقير في عالم اليوم وتحدياته فهالني ما رأيته بسبب تشعب القضية وعمقها التاريخي والفكري والإنساني بل والديني، وهذه المقالة كالتقييد العاجل للملاحظات التي سجلتها في كل ذلك، وغيرها مثلها يحتاج إلى قراءة حقيقية وتحليل دقيق للكشف عن أبعاد “مسألة الفقير المحروم“في العالم والله الموفق للحق.

(1) الذهب..الاستعمار ونهب الثروات

يعد الذهب من أهم الأصول المالية في الاقتصاد قديما وحديثا، وهو معدن دفع دولا استعمارية إلى احتلال واغتصاب أراضي غيرها وقتل سكانها الأصليين لصناعة الفقر، كما فعل الإسبان مع هنود أمريكا الجنوبية، وكما فعل الإنجليز والفرنسيون في إفريقيا، وقد تمكنت منه ومن سوقه جهات رأسمالية صارت تتحكم في قيمته وتحرك به العالم وتوقفه، وقد ألف “ماثيو هارت” لبيان حقيقة الذهب وتاريخه ودوره في العالم وتأثيره في إفقار الناس والدول ونهب ثرواتها كتابه “الذهب، التنافس على أكثر معادن العالم إغراء” فليراجع فإنه مهم.

(2) المستهلك ودافع الضرائب

يسمى المواطنون الأمريكيون في لسان الساسة والإعلاميين والباحثين الاقتصادين “دافعو الضرائب” وهو أمر يلخص الحالة القطيعية التي يعيشها الغرب، فالمواطن عبارة عن رأس بهيمة مستهلك وسط القطيع يعمل لكسب المال، ثم ينفقه في استهلاك موجه إعلاميا وتربويا لإغناء الأغنياء، ويدفع الضرائب كي تزيد قوة السلطة الحاكمة والمتحكمة، فيثقل كاهل الفقير ويزيد غنى الغني الذي يستطيع في الغالب التهرب من دفع الضرائب كلها أو بعضها، وقد ظهر للعالم ما يمكن أن تفعله الضرائب في المجتمعات الاستهلاكية من دافعي الضرائب في فرنسا، حين خروج مواطنين فرنسيين للشارع محتجين إذلم يكونوا يتصورون أن يدفعوا للخروج إلى الشوارع وإظهار الإنكار من وصول قيمة الضرائب إلى حالة تهدد بها حياة الرغد القطيعية التي يعيشها كثير من دافعي الضرائب، أولئك أصحاب السترات الصفراء، من رجال ونساء وأطفال وعجائز تلقتهم الشرطة بالعصي بأوامر منقابضي الضرائب، اللهم فاشهد.

(3) المجاعة في العالمالإسلامي خاصة

منذ وعيت على حقائق هذا العالم وأنا أشاهد لقطات لأشخاص سود كبارا وصغارا يقدمون مثالا لحالة المجاعة في العالم، وقد كانوا يقولون لنا: إن سبب ذلك الجفاف، وإذا بنا نكتشف اليوم أن السبب هو كونهم سودا! بل مسلمين في أغلب الأحيان، وتتفاوت الدول الإسلامية في حالة المجاعة، وكل ذلك بسبب نهب الاستعمار للثروات قديما وحديثا وبسبب القصد إلى التجويع للإذلال.

(4) الديون الدوليةوثقلها على الفقراء

لقد استطاعت النخبة العالمية المتمكنة أن تطوع الدول والحكومات عن طريق مؤسستين غريبتين هما: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهما مؤسستان بنكيتان ربويتان تابعتان للنخبة العليا الرأسمالية، تقرض الدول والحكومات أموالا بزعم التنمية، وتشترط في المقابل شروطا ظاهرها اشتراط التنمية وباطنها عكسها، وقد سبق لي أن سمعت الملك الحسن الثاني يقول مرة في لقاء صحفي: إن مشكلة المغرب ليست في عجز الميزانية الطبيعية بل في ثقل الديون التي عليها، ولا نزال إلى اليوم نستدين ونستدين لكي نستدين..والخطير في كل هذا، أن الذي يؤدي الدين ورباه هم الفقراء.

(5) الفقراء والصيام

يتحدث الوعاظ والدعاة عن إحدى حكم الصيام في تذكير الصائم الغني بجوع الفقير، لكن جهات مشبوهة حوَّلت الشهر إلى نقيضه المقصود منه، فجعلته شهرا ينسى فيه الفقير أكثر، فتمتلئ الموائد بألذ الأطعمة، ويتكلف الناس ملأ البطون في ما يشبه الانتقام من الصيام، فترتفع الأسعار ويضيق الفقير بذلك، وعوض الاتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود ما يكون في رمضان، صار كثير من الناس يتأسون بعضهم ببعض في التبذير والمبالغة.

(6) الشركات الكبرى عابرة القاراتالفقير لا قيمة لهإما أن يستهلك أو يموت

الشركات الكبرى العابرة للقارات شركات رأسمالية كبرى ليس لها انتماء وطني ولا هوية ثقافية إلا المال،استطاعت به أن تمتلك زمام القرارات السياسية القاضية بإعادة تصنيف الشعب إلى طائفتين، طائفة منتجة غنية وطائفة فقيرة مستهلكة، وفي كتابه “المستقبل” لآل غور، ذكر أن الرئيس بوش خطب في مجموعة من رؤساء الشركات يطالبهم بدعم الدولة، فقام أحدهم مذكرا إياه بأن هذه الشركات ليس لها انتماء لا للولايات المتحدة الأمريكية ولا غيرها، ولذلك كانت هذه الشركات دائمة متنقلة في ولاءاتها بين الدول، باحثة عن أقوى الدول التي تحمي فيها نفوذها وتتمكن من السيطرة على العالم بها، ومن يدري، لعلها تنتقل يوما ما إلى الصين بحثا عن ملاذ وملجئ آمن إذا رأت التخلي عن الولايات المتحدة الأمريكية.

(7) الفوضى والنظام.. والعقيدة الفلسفية.. الفقراء القطيع

سمعت مرة أحد الباحثين الاقتصاديين الفرنسيين يتحدث عن ما اعتبره استراتيجية النخبة الاقتصادية المعولِمة فقال: إن هذه النخبة تمارس عملية مبنية على فلسفة قديمة، وهي الفوضى والنظام، الكاو والكوسموس كما كان عند اليونان، ولذلك تحدث عن طريقتهم في خلق الفوضى في الدول التي تبدي نوعا من الممانعة والمقاومة حتى تستطيع أن تعيد نظامها من جديد على طريقة آلهة الأولمبياد.

(8) ما بعد الإنسان… من الفقير إلى الآلة

يميل العالم اليوم إلى تحويل الإنسان إلى نصف آلة سعيا لتطوير قدراته بعد أن فشل التطور الدارويني في ذلك أو تأخر، فقرر الباحثونالمدفوعيالأجر تطوير الحواس والأداء الحيوي، وهو الذي يسمى اليوم “ما بعد الإنسان“، والذي وصل فيه بعض المخبولين إلى افتراض إمكانية تحويل عقل الإنسان إلى معلومات حاسوبية توضع على خازن “يوإس بي”، وقد تكلم الباحثون العقلاء في هذا، وبينوا أشياء كثيرة، منهم”ميشيوكاكو” في كتابه “مستقبل العقل، الاجتهاد العلمي لفهم العقل وتطويره وتقويته“، والمقصود الأكبر بهذا هم الفقراء في العالم الذي يقصد تحويلهم فيه إلى آلات توجه بالبرامج الحاسوبية.

(9) الفقراء والأطباء

كان الطب قديما نشاطا إنسانيا يقصد منه تخفيف الآلام وتحسين الوضع الصحي وخدمة البشرية، لكنه صار اليوم كثير من الأطباء وغيرهم أداة للتكسب، بحيث أقيمت حول مهنة الطب أسواق للسلع الاستشفائية، وتضرر الفقراء بانعدام أخلاقية الطب وغلاء أثمان الدواء والعمليات الجراحية التي لا يوجد أي مسوغ لغلائها إلا أن يكون ثمن الدواء والمواد الخام، والدولة مسؤولة عن توفير العلاج للفقراء، لكن الفقير المريض اليوم صار مريضا مرضا مضاعفا، مرضا عضويا وآخر نفسيا إذ لم يعد يستطيع توفير ثمن العلاج.

(10) الزكاة..المغيبة

بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت، وهذه الأركان الخمس التي تبنى عليها شرائع الإسلام وعقائده نالها من النقد والطعن والسخرية ما استوفى مقالات وكتبا وخطبا، لكن ركنا واحدا من هذه الأركان بقي في حمى وعصمة من ذلك، وتواصى أعداء الإسلام بتجنب الحديث عنه لما فيه من المنعة التشريعية والاجتماعية، ألا وهو الزكاة.

يعتبر المال في الإسلام عارية ربانية لمن يملكه، فلا يتصرف فيه إلا بإذنه، وقد تولى الأنبياء تفصيل ذلك وبيانه، وامتاز الإسلام بتشريع خاص منظوم ومتكامل، يشبه أن يكون مؤسسة لها مقاصدها وقوانينها وأدوات عملها، وقد لقيت الزكاة ممانعة كبيرة من طرف الأغنياء المستغنين عن الله وشرعه، المبغضين للوحي والنبوة، ولذلك قصدوا إلى محوها من الذاكرة الجماعية وتغفيل الناس عنها، فلا تجد لها ذكرا إلا همسا، لأنها قانون مبني على وجوب المواساة والعدل والإحسان على مقتضى العارية الربانية، وهي مال يؤخذ من الأغنياء ويرد على الفقراء بواسطة الدولة الوكيلة على ذلك باعتباره حقا لهم، ولكن الأغنياء المستغنين تمنعوا فسووا بهم من هم دونهم في وجوب دفع المال للدولة لتصرفه على الأغنياء قبل الفقراء، وسموها “ضريبة” وكأنها مسجد ضرار، وقد بحث أصوات العلماء والدعاة في دعوة الحكومات والدول لإقامة شريعة الزكاة باعتبارها المخرج من الحالة الاجتماعية المقلقة لفقراء الأمة بل العالم، ولكن الأغنياء المستغنين بالمرصاد، يهددون الحكومات إن هي ألمحت أو صرحت، ويبقى حق الفقراء مغتصبا في جيوب هؤلاء المستغنين المجرمين.

 

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M