16 ماي.. في ذكرى “الظهير البربري”..

16 مايو 2020 16:54

هوية بريس – د. يوسف فاوزي

التاريخ مدرسة البشرية من لم يتعلم منها عاش عيشة الجمادات، فهو للعبرة والاتعاظ، وندب سبحانه وتعالى إلى التذكير به، فقال سبحانه (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور)، ومعرفة وقائع السابقين فائدة للاحقين، فكم ترك الأول للآخر، وكما يقال: التاريخ يعيد نفسه.

في مثل هذا اليوم 17 من ذي الحجة عام 1348هـ الموافق لـ: 16 ماي 1930م، أصدرت السلطات الاستعمارية الفرنسية بالمغرب قانون “الظهير البربري” واسمه الأصلي: (الظهير المنظم لسير العدالة في المناطق ذات الأعراف البربرية والتي لا توجد بها محاكم شرعية (بالفرنسية:: Dahir réglant le fonctionnement de la justice dans les tribus de coutume berbère non pourvues de mahakmas pour l’application du Chrâa)).

ومضمون هذا الظهير: عزل المناطق الأمازيغية بالمغرب عن المناطق العربية، وجعل الأولى –الأمازيغية- تابعة لمحاكم فرنسية، والثانية –العربية- تابعة لمحاكم شرعية، باعتبار أن المناطق الأمازيغية لها أعرافها الخاصة المستقلة عن الشريعة الإسلامية –زعموا-.

قوبل هذا الظهير الاستعماري بالرفض، وهو ما دفع المغاربة إلى الاحتجاج وقراءة (دعاء اللطيف) في المساجد، فكانوا يقولون عقب الصلاة: (اللهم يا لطيف نسألك اللطف فيما جرت به المقادير، ولا تفرق بيننا وبين إخواننا البربر).
لكن…ما سبب الرفض؟؟…

الجواب: كان هدف الاستعمار الفرنسي بإصدار هذا القانون الظالم شرعنة ممارسة أسلوب آخر من أساليب الغطرسة والشيطنة الاستعمارية بتسهيل عملية تنصير الأمازيغ لكونهم –حسب الطرح الفرنسي- ليسوا مسلمين أصالة، وأن الإسلام دين العرب، بينما الأمازيغ فالنصرانية أولى بهم.. !!

يقول الجنرال “بريمون” في كتابه “الإسلام والمسائل الإسلامية من وجهة النظر الفرنسية” الصادر سنة (1932م): (يجب محو إسلام البربر وفَرْنَستهم).

أما الأب “جيرو” في كتابه “العدالة الشريفة: عملها، تنظيمها المستقبلي” الصادر سنة (1930م) فيقول: (يجب توجيه غزو معنوي للبربر، الغزاة سيكونون من الإرساليات التبشيرية، لنكلم هؤلاء الناس حول المسيح؛ أساطيرهم مليئة باسم المخلِّص).

وتأملوا معي جيدا عبارة الأب جيرو (لنكلم هؤلاء الناس حول المسيح؛ أساطيرهم مليئة باسم المخلِّص)، فالرجل له قناعة واضحة أن دينه النصراني يتوافق مع العقيدة الوثنية التي كانت سائدة في المغرب قبل دخول الإسلام، فهو اعتراف ضمني منه أن الخرافة الوثنية هي جوهر العقيدة النصرانية المحرفة، مما يؤهلها للتوافق مع الأساطير الوثنية.
فالتنصير كان الهدف الأساس من وراء إصدار هذا الظهير المشؤوم، فهو سيقسم المغاربة إلى نصارى ومسلمين، لتكون البلاد بعدها لقمة سائغة بين أنياب فرنسا، ولقد أبان المغاربة عن تمسكهم بدينهم الإسلام فنافحوا عنه بكل الوسائل، ولله الحمد والفضل من قبل ومن بعد.

الذي نستخلصه من هذا الحدث التاريخي أن فكرة التنصير كانت بوابة الاستعمار في كل زمان ومكان، وأن اللعب على وتر القومية حيلة استعمارية قديمة لزعزعة الأمة الإسلامية من الداخل، ولقد اغتر بهذه الأفكار المسمومة الكثير والكثير من المغرر بهم الذين لم يفهموا التاريخ ولم يستوعبوا عظمة الرسالة الإسلامية الربانية التي جمعت البشرية جمعاء على اختلاف أعراقها وأجناسها ولغاتها تحت قبة دين واحد وقبلة واحدة ونبي واحد وكتاب واحد، إن هذه الوحدة هي سبيل الخلاص من كل الأزمات التي تعانيها البشرية اليوم، وأما التطبيل إلى فكرة القومية والمسألة العرقية فهي دعوة عقيمة رجعية تخدم أعداء الأمة وتحرق أبناءها..

والله غالب على أمره..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M