قراءة في كتاب: «أصل الأمازيغ للأستاذ الباحث سعيد بن عبد الله الدارودي»

10 مارس 2016 23:09
قراءة في كتاب: «أصل الأمازيغ للأستاذ الباحث سعيد بن عبد الله الدارودي»

أسامة مغفور

هوية بريس – الخميس 10 مارس 2016

لو اتجه الأستاذ محمد شفيق نحو جبال ظفار لوجد هناك الكثير من الأسماء الجغرافية ذات الصيغ الأمازيغية الصرفة.

لو قام الأستاذ محمد شفيق بترأس مشروع مؤسساتي يقارن بين اللهجات الأمازيغية ولهجات جنوب شبه الجزيرة العربية لوجد الكثير من الألفاظ العربية الجنوبية لها وجود في الأمازيغية.

لو زار الأستاذ محمد شفيق ظفار وعرج على جبالها وصحاريها ثم شاهد المسند المنقوش والمرسوم في الصخور والكهوف لحسم أمر التيفيناغ نفسه.

لو أن الأستاذ محمد شفيق ألقى ببعض بذور اهتماماته وإمكاناته في التربة الخصبة لجنوب شبه الجزيرة العربية لأنبتت شجرا عملاقا معمّرا، نستظل بأوراقه ونقتات من ثماره ونحن في دعة وهناء.

هذا ما يريد أن يقوله الباحث اللغوي سعيد بن عبد الله الدارودي للقارئ العربي عامة والمغربي خاصة، من خلال هذا الكتاب الذي بين أيديكم.

بهذه الفقرة أنهى الأستاذ الباحث سعيد بن عبد الله الدارودي كتابه الثاني أصل الأمازيغ الصادر عن منشورات طوب بريس بالرباط بتاريخ حزيران 2015، وبها لخّصه داعيا كل من يطعن في عروبة البربر إلى زيارة موطنه ظفار ليطلع بنفسه على حجم التشابه بين اللهجات البربرية ولهجات جنوب شبه الجزيرة العربية.

يأتي هذا الإصدار ردا على الباب الثالث من كتاب لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين للأستاذ محمد شفيق، تحت عنوان أصل إمازيغن، لتوضيح بعض الأمور التي غابت عن الأذهان.

يقول الأستاذ شفيق:… وبناء على هذا، يمكن القول إن من العبث أن يبحث ل البربر عن مواطن أصلية غير التي نشأوا فيها منذ ما يقرب من مائة قرن. ومن يتكلف ذلك البحث يستوجب على نفسه أن يطبقه في التماس مواطن أصلية للصينيين مثلا أو لهنود الهند والسند، أو لقدماء المصريين، أو لليمانيين أنفسهم والعرب كافة، ليعلم من أين جاؤوا إلى جزيرة العرب.

ويأتي رد الأستاذ الدارودي مذكرا بما قاله جابرييل كامب في كتابه البربر الذاكرة والهوية: إن علماء الأجناس يؤكدون أن الجماعات البيضاء بشمال إفريقيا سواء الناطقة بالبربرية أو بالعربية، تنحدر في معظمها من جماعات بحر متوسطية جاءت من الشرق في الألف الثامنة بل قبلها، وراحت تنتشر بهدوء بالمغرب العربي والصحراء. ويردف الأستاذ الدارودي قائلا: كان حريا بالأستاذ شفيق أن يكون قدوة للباحثين الشباب من أبناء بلده، فيقوم هو بالبحث المقارن في اللغة (مجاله وتخصصه)، وليس أن يقرر عدم وجود رابط بين اللسان البربري بلهجاته واللسان العربي بلغاته القديمة والحديثة، المندثرة والحية المعاصرة، وهو لم يحرك ساكنا، فلم يسع إلى التنقيب في المأثورات الشعبية خاصة المأثور اللغوي للوصول إلى الحقيقة، ولم يوجه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية عندما ترأسه إلى البحث المقارن في شتى المجالات الثقافية والتراثية بين جنوب الجزيرة العربية (اليمن وظُفار وعُمان)، والتراث والمأثور الشعبي البربريين

وفي معرض حديثه عن أسماء الأماكن يقول الأستاذ شفيق: عدد لا بأس به من أسماء الأماكن التي توجد على الطريق البري الواصل بين المغرب الكبير وبين اليمن عبر القارة الإفريقية، لها صيغ أمازيغية واضحة ولبعضها مدلولات في اللغة البربرية. منها في صعيد مصر: أبنو، وأسيوط، وأخميم، وتيما، وتلا، وأصوان … لكن لا يوجد في اليمن نفسها، حسب ما هو مرسوم في الخرائط العادية، أسماء أماكن من هذا القبيل، إلا اسم جزيرة أنتوفاش.

ويرد الأستاذ الدارودي داعيا الأستاذ شفيق إلى التوجه قليلا نحو الشرق إلى ظفار، ليجد هناك الكثير من أسماء المناطق والمواضع ذات الصيغ الأمازيغية الصرفة كأشمصي، إخموم، أخفوري، أخيوم، أخندق، أجار، أجمجوم،…

وفي ما يخص أوجه التشابه بين اللهجات البربرية والعربية، يقول الأستاذ شفيق: لقد عثرت شخصيا على عدد من الألفاظ العربية التي قال بشأنها صاحب لسان العرب إنها حِميرية أو يمانية، وهي ألفاظ لها وجود في الأمازيغية، إما بمدلولها الحِميري وإما بمدلول معاكس، وكأنها انقلبت إلى أضدادها، لكن عدد هذه الألفاظ قليل لا يسمح بجزم في الموضوع، إلا إذا تمت دراسة مقارنة ميدانية بين اللهجات الأمازيغية واللهجات اليمانية الحالية من حيث معطياتها المعجمية والصرفية والفونولوجية

ويرد عليه الأستاذ الدارودي قائلا: لكم تمنيت أن يقوم شفيق بهذا المشروع، خاصة عندما ترأس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فيستغل إمكانات هذه المؤسسة الحكومية لعمل دراسة ميدانية مقارنة بين اللهجات البربرية واللهجات الجنوبية لشبه الجزيرة العربية، المعاصرة منها وغير المعاصرة، اليمنية منها وغير اليمنية، من حيث معطياتها المعجمية والصرفية والصوتية، عن طريق فريق متخصص من باحثي المعهد. ويختم رده بسرد الكثير من الأمثلة من ألفاظ ظفارية وعُمانية ويمانية لها مثيل في الأمازيغية.

أما في ما يتعلق بحروف تيفناغ فيقول الأستاذ شفيق: “بين حروف تيفناغ” القديمة منها والتوارقية، وبين حروف الحِميريين شبه ملحوظ في الأشكال، لكنها لا تتقابل في تأدية الأصوات، إلا في حالتين اثنتين بتجاوز في التدقيق (مراسلة شخصية بيني وبين الباحث الفرنسي كريستيان روبيان).

ويأتي رد الأستاذ الدارودي على النحو التالي: ألم يطلع شفيق على أقوال العلماء الغربيين والعرب الذين أكدوا بأن التيفناغ أصلها من الشرق، وهي تطابق وتشبه الكتابات العربية القديمة كالصفائية والثمودية والمسند واللحيانية والسينائية؟. يقول الباحث العرباوي: هكذا تتجلى لنا الحقيقة ناصعة، وهي أن الكتابة البربرية ما هي إلا نموذج من نماذج الكتابات العربية القديمة، وليس هذا بالأمر الغريب طالما أن البربر ما هم في الحقيقة إلا عرب قدامى توافدوا على المنطقة على مراحل حملوا معهم تنوعهم اللغوي وأنماطا شتى من عاداتهم وثقافتهم الشرقية. وبهذا تسقط تهويمات أصحاب النزعة البربرية الذين أرهقوا أنفسهم بالسفر إلى متاحف روما، وأكلوا أبصارهم في التحديق إلى حجارة تاسيلي والهقار بالجنوب الجزائري، بحثا عما يمكن أن يكون دليلا على ابتكار الكتابة وعما يمكن أن يكون أصلا للخط اللوبي وخط “تيفناغ”، والحال أن الأمر ما كان يتطلب كل هذا منهم، لو تخلوا عن تفكيرهم الذاتي اللاعلمي”.

يعيب الأستاذ الدارودي على الأستاذ شفيق وعلى كل رواد الحركة الأمازيغية انكفاءهم على الذات وحساسيتهم المفرطة من المشرق العربي ورفضهم المطلق الانفتاح عليه. كما يلاحظ حكمهم القاطع على انعدام وجود مشترك بين العرب والبربر دون أدنى محاولة جادة في البحث العلمي العقلاني.

يدعو الأستاذ الدارودي في نهاية كتابه، الأستاذ شفيق إلى التحلي بالشجاعة الفكرية إسوة بباحثين ومؤرخين بربر كالدكتور عثمان سعدي والدكتور فؤاد بوعلي والأستاذ محمد المختار العرباوي والدكتور محمد علي عيسى، أكدوا على عروبة البربر وتراثهم وألسنتهم. كما أدان الإرهاب الفكري والبدني أحيانا الذي تمارسه الحركة الأمازيغية في حق كل من يجرؤ على الدفاع عن عروبة البربر.

ولقد ختم الأستاذ الدارودي كتابه بمقطع للأستاذ محمد المختار العرباوي في كتابه:”البربر عرب قدامى” جاء فيه:

“إن البربر عامة ما هم إلا فرع كبير من تلك الشعوب العربية القديمة، انتقل إلى المغرب على مراحل وانعزل فيه مما ساعده خلال أحقاب طويلة على الاحتفاظ ـ إن قليلا وإن كثيرا ـ بسمات من الصورة التي كانت لأجدادنا ذات يوم في العهود القديمة.

وهكذا تتضح عراقة البربر في العروبة وأصالتهم فيها، وهم لهذا السبب ـ على عكس من الفرس والأتراك وسكان إسبانيا القدماء ـ اندمجوا بالعرب الفاتحين ونسجوا معهم في سياق التطور العام التكوين الجديد للأمة العربية.

بعد كتابه الأول حول عروبة البربر. مدخل إلى عروبة الأمازيغيين من خلال اللسان، يعود الأستاذ الدارودي بهذا الإصدار الجديد ليؤكد فيه على عروبة البربر، متبعا نفس المنهجية العلمية المرتكزة على البحث الميداني المقارن في المجالات اللغوية والتراثية بين جنوب شبه الجزيرة العربية (اليمن وظفار وعُمان) والتراث البربري. وقد تم إغناء الكتاب ببيانات في غاية الأهمية لعشرات الكلمات البربرية وما يرادفها في لهجات ظفار وعُمان واليمن واللغات العروبية القديمة كالأكادية والكنعانية والآرامية ليكتشف القارئ أننا أمام أصل واحد وحضارة واحدة.

ولقد استطاع هذا الكتاب أن يرد بطريقة علمية على مغالطات المثقف العرقي الذي يعتمد على أيديولوجية إقصائية مبنية على الأساطير واختلاق الأمجاد لصنع هوية بديلة هدفها زعزعة الهوية الوطنية العربية الإسلامية والطعن في الثوابت والمشترك الجمعي. وهو بذلك يعتبر إضافة نوعية للمكتبة العربية ولأبحاث مؤرخين عرب وأجانب أكدوا جميعا على عروبة البربر وحروف تيفناغ التي تطابق حروف المسند. كما يعتبر دعما وسندا لكل من حملوا على عاتقهم مهمة الدفاع عن عروبة المغرب رغم الضغوطات والإرهاب الفكري واللفظي والجسدي الذي تمارسه الحركة الأمازيغية بدعم من السلطة ومن بعض الأحزاب.

فباسم التعددية المفترى عليها والمظلومية والحق في الاختلاف، دسترت الدولة أمازيغية المختبر وحروف تيفناغ ليصبح المشهد اللغوي أكثر ضبابية، عوض التركيز على اللغة العربية العالمة الجامعة وحمايتها من الهجمة الفرنكفونية. والهدف الحقيقي من هذه الدسترة هو ضرب الوحدة الوطنية وخلق ضرة للعربية لإضعافها والتمكين للغة الفرنسية وزيادة حجم هيمنتها على المجتمع. كما أصبح إعلام السلطة موظفا للدفاع عن أكذوبة السنة الأمازيغية وتحويل الكاهنة إلى أيقونة للمرأة المناضلة في كل بلاد المغرب العربي.

يكتسي كتاب الأستاذ الدارودي أهمية بالغة في ميدان البحث المقارن. إنه دعوة لكل الفاعلين السياسيين والمثقفين والباحثين إلى إعادة الأمازيغية إلى المربع الأول والكف عن التعامل معها بطريقة أيديولوجية في تغييب تام للعقل ولأبجديات البحث العلمي الأكاديمي، ورفض إرهاب الحركة الأمازيغية التي تقودنا إلى التشرذم وإلى أنهار من الدماء. إنه دعوة إلى الحكمة وتحكيم المنطق في التعامل مع أمور بالغة الحساسية لقطع الطريق أمام المشاريع الاستعمارية الرامية إلى تقسيم الوطن العربي على أسس طائفية في المشرق وعرقية في المغرب.

إننا إذ نعتز بهذا الإصدار الجديد للأستاذ الدارودي، ندعو كل المدافعين عن عروبة المغرب إلى دعمه ونشره في كل المواقع وبكل السبل المتاحة.

متمنياتنا بالتوفيق والنجاح للظفاري المتألق الأستاذ الدارودي، شاكرين له هذه المساهمة القيمة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M