قراءة نقدية تفصيلية مختصرة حسب الأصول الفقهية لفتوى “الأستاذ السكنفل”

13 أغسطس 2018 19:22

هوية بريس – أحمد محمد عرُّوبي

بعض الأصدقاء في تعليقاتهم طلبوا تحرّي الإنصاف، والرد على المفتي بطريقة علمية، وها نحن نفعل ذلك مع آخرين من الفضلاء والعلماء من عرفناهم ومن لم نعرفهم، جزاهم الله خيرا..

ما الأخطاء العلمية في فتوى “الأستاذ اسكنفل”؟

تنبيه مهم:

سأشير في التفصيل المختصر إلى أخطاء المتكلم، فبعضُها ظاهر، يمكن أن يفهمه عموم القراء، وبعضُها لا يمكن أن يفهمها إلا المتخصصون، فمن لم يفهم، فلا يعقّب على الكلام، إلا إذا أراد الاستفسار.

بعد الإنصات إلى كلام ذ. لحسن السكنفل، يمكن تحليل كلامه إلى العناصر الآتية مع التعقيب عليها:

1– قوله: حكم الأضحية هو أنها سنة مؤكدة فقط، وليس بواجبة؛

أقول: هذا صحيح، وهو أمر مقرر معلوم.

2– قوله: تركها لا يجوز على القادر عليها؛

أقول: وهذا خطأ؛ والصواب أن يقول: جائز تركها ولو كان قادرا عليها، لأنها من باب المندوب الذي فعله يثاب عليه، وتركه لا يعاقب عليه؛ وهذا خلْطٌ في استعمال ألفاظ الفقه، ومن اختلطت عليه المسائل البدائية في العلوم، كيف له أن يرتقي فيه إلى أعلى رتبِه وهو الاجتهاد !!

3– قوله: الاقتراض الحسن (بدون فائدة) جائز، إذا كان في قدرته أن يؤدي ما عليه، وكان يعلم أن سيحصُل على مال بعد ذلك،

– أقول: وهذا صواب، ولا بأس به بشرط علمه بأنه قادر على الأداء بعد ذلك.

4– قوله: من لم يستطع فلا حرج عليه، لأن النبي قد ضحّى عنه، كما في الرواية المشهورة، أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحّى بكبشين وقال في الثاني: “اللهم هذا عن من لم يقدر من أمتي”.

أقول: رواية الحديث ليست على ذلك اللفظ، وإن اشتهر عند الوعاظ بذلك، بل المروي ثلاثة ألفاظ:

أحدها: أخرجه أبو يعلى (3/11)، عن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين فقال: عند الذبح الأول: “عن محمد وآل محمد” وقال عند الذبح الثاني: “عمن آمن بي وصدق من أمتي”.

واللفظ الثاني: رواه أبو يعلى والبيهقي عن جابر بن عبد الله قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بكبشين أقرنين أملحين عظيمين موجوءين فأصبح أحدهما وقال: “بسم الله والله أكبر اللهم عن محمد وآل محمد”، ثم أضجع الآخر فقال: “بسم الله والله أكبر عن محمد وأمته من شهد لك بالتوحيد وشهد له بالبلاغ”.

واللفظ الثالث: عند الدارقطني في سننه (6/300) والطبراني في المعجم الأوسط (2/ 250) عن أبي هريرة قال: «ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين أملحين، أحدهما عنه وعن أهل بيته، والآخر عنه وعن من لم يضح من أمته».

وهذه الألفاظ كلها زائدة على اللفظ الصحيح المروي عند البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أنس بن مالك وليس فيه إلا : “أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين املحين أقرنين”.

وهذه الألفاظ مع كونها زائدة على اللفظ الصحيح، ففيها اضطراب من جهة اللفظ وضعف من جهة السند لعلنا نفرده في بحث خاص إن شاء الله. فلينتبه لهذا !

5– قوله: القرض من البنوك فيه فائدة؛

– أقول: في كلامه تشويش، وتردد ظاهر، فهو لا يريد أن يسمّي هذه المعاملة البنكية باسمه الشرعي كما سمّاها العلماء، وهو “المعاملة الربوية”، لماذا لم يفعل؟!!

6-قوله: الأصل في الاقتراض بالفائدة، أنه لا يجوز، حسب قول الناس الذين يقولون أن الفائدة حرام!!

– أقول: في كلامه تشويش أيضا، وكأنه يمهّد لما يأتي بعده، مع أنه لم يبين لماذا قالوا بالتحريم، انظروا، ما زال مصرّا على عدم ذكر الاسم الشرعي للمعاملة !!

7– قوله: ليس هناك رأي واحد، بل هناك رأيان، هناك من يحرم الفائدة وهناك من لم يحرمها؛

– أقول: في كلامه تلبيس ظاهر، فإنه جعل الخلاف في مستوى واحد، وكأنهما رأيان متكافآن، وهذا عجيب جدا، والمعلوم المعروف عند جميع المسلمين اليوم أن الفائدة البنكية من الربا الحرام، وأن المخالف فيها عدد قليل جدا، لا يساوي الجمهور الكبير العريض القائلين بالتحريم، حتى صار كالإجماع على أن الفائدة البنكية ربا حرام!

فلماذا يعرض ذ. السكنفل هذا الخلاف بذلك الشكل؟!

فانظروا إلى الرجل:

– لا يريد أن يسمى الفائدة البنكية باسمها الشرعي وهو “الربا”.

– أشار إلى الخلاف في المسألة، ولم يبين أنه خلاف شاذ.

– أشار أن فتواه جارية على القائلين بالتحريم، وكأن من اختار الجواز أصلا فلا حرج عليه!!

8– قوله: كلامه السابق من الناحية الشرعية لا من الناحية الاجتماعية؛ وأن في الأضحية بعدا اجتماعيا وهو إدخال الفرحة والسرور على الأسرة.

أقول: وهنا كان الزلل والخطل، من وجوه باختصار:

الوجه الأول: أنه غلّب البعد الاجتماعي على البعد التعبّدي، وهذا خطأ كبير من المُفتي، لأنه لم يضبط ميزان الأحكام الشرعية، والقاعدة الشرعية الأصولية أن مجالات الأحكام الشرعية منقسمة إلى أقسام:

الأول: مجال التعبدي الخالص.

الثاني: مجال الاجتماعي/الخالص.

الثالث: مجال اجتمع فيه التعبدي والاجتماعي، والتعبدي فيه هو الغالب/الأصل.

الرابع: مجال اجتمع فيها البٌعدان، غير أن الاجتماعي فيه هو الغالب/الأصل.

ولكل قسم من هذه الأقسام قواعد وأحكام.

وحكم الأضحية، يدخل في القسم الأول، أعني التعبدي الخالص، كسائر العبادات من صلاة وحج وغيرهما، وما البعد الاجتماعي فيه إلا “تابع” فقط؛ وعليه فيجب الالتزام بأحكام هذا القسم والتي منها:

– استحضار النية.

– التزام الشروط الشرعية في الأداء.

– يشترط في وسائها أن تكون مشروعة إما نصّا أو استنباطا.

الوجه الثاني من أوجه الزلل: أنه بنى على هذا البعد الاجتماعي الذي هو مجرد “تابع” في القسم الأول، قاعدة مقاصدية متعلقة بجواز ارتكاب المفسدة لدفع مفسدة أكبر منها، ارتكاب مفسدة لجلب مصلحة (هذا من تعبيري الخاص، أما الأستاذ فعبر بتعبير العوام فقط)، والتي عبر عنها بالضرورة لجلب مصلحة الفرحة والسرور للأسرة، ودفع مفسدة البؤس وعدم الاستقرار يوم العيد، متجاوزا بذلك شروط تنزيلها المعروفة عند العلماء والتي منها:

– أن يكون المصلحة معتبرة شرعا وليست من المصالح الملغاة.

– أن لا يؤدي ارتكاب مفسدة إلى مفسدة أكبر منها.

والشرطان مختلان هنا:

أما اختلال الشرط الأول: فظاهر في أن المصالح التي ذكرها المُفتي (إدخال السرور والفرحة، وتلبية رغبات الأبناء ووو والمقارنة بالجيران وو) فكلها مصالح ملغاة في نظر الشرع، لأننا قد بينا سابقا أن قسم التعبدات المقصود الأصلي فيه هو الإخلاص والخضوع لله تعالى، وإذا تأملنا الشروط التي اشترطها الشرع في الأضحية لم تجد فيها إلا ما يتعلق يحقق حسْن التقرب إلى الله، وإنما راعى جانب الاجتماعي فيما يخفف على المكلف فقط، كجواز الاكتفاء بأضحية شاة واحدة لرب الأسرة وسائر من معه في البيت مثلا، يعني مراعاة الاجتماعي في الإجزاء والتخفيف لا في الإلزام!!

يضاف إليها انه أخل بشرط الوسائل في هذا القسم؛ إذ لا يقبل فيها إلا المشروع؛ أما ارتكاب الحرام من أجلها، كما في الاقتراض الربوي، فيبطل العبادة من أصلها.

وأما اختلال الشرط الثاني: فلا شك أن المفاسد المترتبة على الاقتراض الربوي أكبر من مفاسد ترك الأضحية لعدم القدرة عليها، وذلك:

أولا: ما فيه من مفاسد دينية وهي الخروج بعبادة الأضحية من الجانب التعبدي الذي يشترط فيه الإخلاص، إلى العادة الاجتماعية التي تدخل في المباهاة والمفاخرة بين الناس، وهذا نقيض مقصود الشرع، وكل ما ناقض مقصود الشرع فهو باطل، فالأضحية المشرية بالاقتراض لأجل مراعاة الناس باطلة، فتأمل جيدا !

ثانيا: ما فيه من المفاسد الاجتماعية والتي منها الاستئناس بالاقتراض بالربا، والاستعباد الطوعي للبنوك الربوية، حتى يصبح الموظف أو الأجير لا ملك له على شيء بسبب غرقه في الفوائد البنكية، فتصبح فرحة يوم واحد جالبةً لحسرات طيلة العام كاملا، حتى حان العيد قام الأجير بالاقتراض من البنك وهكذا في دوامة لا نهاية لها….

ثالثا: مفسدة عامة وهي التشجيع من أهل الفقه على الاقتراض الربوي، في جميع الأحوال بدون تمييز بين الضرورة الشرعية وبين الضرورة الوهمية، وهذا يناقض سياسة المجلس العلمي الأعلى في القيام على سن القوانين والعقود لتشجيع نشر البنوك التشاركية التي تقوم على مخالفة الطريقة التقليدية في التمويل

وأخيرا:

ماذا كان على الأستاذ الذي يمثل الجهة العلمية في البلاد يفعل؟

الذي كان عليه هو مهمة كل عالم دين أن يقيم الميزان، فإذا رأى الناس قد مالوا في تنزيل الحكم الشرعي عن مقصده الأصلي أن يدعوهم ويعلمهم ويبين لهم كيفية العودة إلى الأصل، لا أن يشجعهم على ما هم فيه من اختلال في الميزان…!! فتلكم هي مهمة المفتي والعالم الشرعي من كان من أهل العلم.

نسأل الله أن يعيننا على القيام بها والدعوة إليها وتبيين الطرق إليها.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M