للعلماء حرمة وللطاعنين فيهم مذلة

22 أبريل 2020 10:53
د. عوام ردا على الرميد: هل يقبل المغاربة من بينهم من يجعل بيته وكرا للدعارة والفساد بحجة الفضاء الخاص؟!

هوية بريس – د.محمد عوام

الطعن في العلماء ليس منهج الراسخين في العلم، وإنما هو ديدن المغرورين بأنفسهم، لم يتأدبوا بالعلم ولا اكتسبوا آدابه وأخلاقه، ومهيع طائفة قلبت بعض الأوراق، ونظرت في بعض الصفحات، فتزببت قبل أن تحصرم، فصارت في زمن فقدان الحسبة على العلم وأهله حرة طليقة، مثل سمكة دمنة التي ادعت أنها ملكت ميراث أجدادها، وهؤلاء ملكوا بزعمهم المعرفة، وظنوا أنهم أحاطوا بمناهج العلماء، ونسوا قوله تعالى: “وفوق كل ذي علم عليم”.

العلم هو الأخذ عن العلماء لا من بطون الكتب والمصنفات

وقد حذر العلماء منذ زمن بعيد من آفة أخذ العلم مباشرة من بطون الكتب، من غير التمرس في ذلك على أيدي العلماء والأساتذة الراسخين، حتى يتعلم الطالب ويتقن الفنون بمصطلحاتها، وهذا جار في سائر الصناعات والحرف. وقد أنشد أبو حيان الأندلسي رحمه الله أبياتا مفيدة في هذا المسلك، نقلها عنه المقري في (نفح الطيب)، وسمى هؤلاء بالأغمار، الذين لا يدرون عواقب الأمور، قال:

يظنّ الغمر أنّ الكتب تجدي أخا ذهنٍ لإدراك العلوم
وما يدري الجهول بأنّ فيها غوامض حيرت عقل الفهيم
إذا رمت العلوم بغير شيخٍ ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتبس الأمور عليك حتّى تصير أضلّ من توما الحكيم

وفي ذلك فتاوى تمنع أمثال هؤلاء من الحديث في العلم، وقفت على بعضها في (المعيار المعرب) للونشريسي، بل إن بعض العلماء طعن فيهم من قبل هذه الآفة، وهي التلقي من الكتب مباشرة، وعدوا عليهم سقطاتهم لمجرد الإخلال بهذا الشرط عند بدايات التحصيل. وقد نص أيضا على هذا الشرط الشاطبي في مقدمات (الموفقات)، فلينظر هناك، ففيه كلام نفيس. وقد حذر أيضا علماء الحديث من الأخذ عن الصحفي، الذي يقرأ في الصحف أي الكتب، من غير أن يتلقى الحديث عن العلماء الحدثين.
آفتان….

هناك آفتان خطيرتان يصاب بهما أهل العلم، وهما: الغرور والتعصب، وكلاهما حجاب عن إدراك الحق، وما عند الآخرين من الصواب، وما معهم من الحق، والله تعالى نهانا من أن تحملنا العداوة لقوم، من تنكب سبيل العدالة معهم، أو غمطهم حقهم، فقال عز وجل: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” (المائدة:8).

وحري بأهل العلم علماء وطلبة، أن يتمسكوا بهذا المنهج الرباني، وهو العدل والإنصاف مع المخالف، ولو كان عدوا، وإقراره على ما عنده من حق، ونصرته على ما وفق فيه من صواب، وها هو رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول لأبي هريرة في قصته مع الشيطان الذي كان يسرق من زكاة رمضان :” صدقك وهو كذوب.” قالها في حق أشد عدو للبشرية جمعاء، فما بالنا إذا كان من بني جلدتنا نشترك معه في كثير من القضايا، وما بالنا إذا كان لنا نظيرا في الخلق من بني الإنسانية، ووفق للقول الحسن والعمل الأحسن، أليس من العمل بالقرآن والسنة إنصافه وتأييده؟ بلى وهو كذلك. وفي حديث أبي هريرة من الفوائدة على ما ذكره ابن حجر رحمه الله في (فتح الباري) “أَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يَصْدُقُ بِبَعْضِ مَا يَصْدُقُ بِهِ الْمُؤْمِنُ، وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُؤْمِنًا وَبِأَنَّ الْكَذَّابَ قَدْ يَصْدُقُ”.

من هنا أقول لنفسي ولإخواني العلماء والباحثين، يجب علينا شرعا وعقلا أن ننصف علماءنا ومفكرينا، وننصف أيضا من ليس من ملتنا. إنه ليحزنني أن أقرأ من حين لآخر تسفيها بالعلماء، وتجريحا بآكابر الفحول والجهابذة، ممن ضحوا بالغالي والنفيس من أجل هذا الدين، بل منهم من قدم نفسه وروحه، ومنهم من عذب وسجن، ويأتي بعضنا فيحط من قدره، ويزدري منزلته، لمجرد اختيارات تفرد بها، أو مسلك علمي سلكه، أو اجتهاد انتحاه، وهو في كلا الحالتين مأجور عليه، أو معذور. ونغض الطرف عن حسناته الكثيرة، ونضاله الكبير، وعلمه الوافر، فليس هذا من الإنصاف.

خلل في المنهج وعطب في التفكير

وإنه لمن الخلل البين في المنهج، والعطب الفادح الدال على الرزء في التفكير، أن تجد بعض الباحثين يتصيد زلات العلماء، وبخاصة الذين يختلف معهم في المنهج، أو المذهب، أو المسلك الذي اقتفاه، وإن الداء ليزداد فحشا، حينما ينظر إلى تراث ذلك العالم، من خلال كتاب خطته أنامل متعصب أو صاحب هوى، فيحكم من خلاله، كالأعمى الذي فقد بصره، وإنما يهتدي ببصر غيره، وأمثال هؤلاء شر مكانا وأضل سبيلا، لأنهم فقدوا بصيرتهم، وهي أشد على المرء من فقدان البصر. نسأل الله السلامة فيهما معا.

وقد ذكرني هذا الصنيع بطائفة من الطلبة زمن القباب الفاسي، أخذوا يطعنون في أبي حامد الغزالي رحمه الله، وكتابه (إحياء علوم الدين)، وأنقل لكم السؤال وجوابه، لتعرفوا من خلاله هذا التهجم على العلماء أمثال أبي حامد.
” سئل القباب عن جماعة من الطلبة يطعنون في كتاب الشيخ الإمام أبي حامد الغزالي رضي الله عنه المشهور بالإحياء، ويشددون في الإنكار على من أراد قراءته، وبالغ بعضهم في ذلك إلى أن قال: ليس ذلك بإحياء علوم الدين، وإنما هو إماتة علوم الدين، وأردنا منكم أعانكم الله على طاعته جوابا شافيا يوضح الحق، وهل لإنكارهم وجه أم هو جهل منهم؟ وهل يجوز لكل أحد أن ينظره أم لا يجوز إلا لعارف؟ وفيه ما ينظر وما لا ينظر؟ وهل على من أنكر منهم عقوبة لكونه أنكر ما لا يعرفه أم لا؟ يبينو لنا ذلك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فأجاب: إنكار المنكر لقراءة الإحياء وقوله إنه إماتة علوم الدين لا إحياؤه، فهذا قول منكر وكلام مبتدع وغبي جاهل بحق الرجل وبحق كتابه. وأبو حامد إمام من أيمة المسلمين، قال فيه المازري إنه لا يشق غباره في الفقه وفي أصول الفقه؛ وإنما انتقد عليه بعض الفقهاء مسائل مما يتعلق بشرح عجائب القلب وما يتعلق بذلك وما أشبه ذلك، أجاب عنه آخرون. ولا شك أن ترك النظر في تلك المسائل لمن لا رسوخ له في العلم واجب، وما عدا ذلك من الفقه والتكلم في خبائث القلب من الكبر والعجب والرياء والحسد فقراءته واجبة؛ وكذلك جميع الآداب من الطهارة والصلاة والزكاة والصوم، والأوراد وآداب الصحبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك مما لا يتعلق بالتعليل في قياس الشاهد على الغائب، فلا يعدل بكلامه شيء من كلام غيره. وإذا كان المنكر لقراءته ممن لا يمارس كلام العلماء فإنه يزجر عن ذلك، ولو أدب لكان لذلك أهلا، والله ولي التوفيق”.

منهج القرآن

وكم نحن في حاجة ماسة إلى التمسك بمنهج القرآن الكريم في التعامل مع المخالفين، من العدل والإنصاف، وذكر أقوالهم كما هي، والتعقيب عليها، إما تأييدا أو إبطالا، والابتعاد عن التعميم،…فنحن في حاجة إلى هذا المنهج القرآني الرباني، والآيات في ذلك كثيرة.

ونسأل الله تعالى السداد والصواب والرشاد

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M