ما هكذا يكون العود الأحمد.. (على هامش استئناف تسجيل دروس الكراسي العلمية)

01 يناير 2020 23:34
توضيح.. عملية تصوير محاضرات "الكراسي العلمية" صارت جيدة

هوية بريس – الحاج محمد قاسمي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين، وبعد:

فمن شأن كل مجتمع يحترم نفسه أن يكون الناس فيه مرعية مراتبهم، محفوظة خصوصياتهم، مكفولة حرياتهم.

وكما أن هذه المسائل تعتبر علامات على تحضر المجتمع، فإنها وسائل ومدارج للترقي والتحضر، لأنه منها يكون البدء وإليها المنتهى.

ومن المعلوم في ديننا أن إنزال الناس منازلهم من علامات الانتساب الصادق، يقول النبي الكريم: (من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه أو الجافي عنه)، ويقول عليه السلام:(ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا قدره).

مناسبة هذه الهمسة هو ما حصل في مسجد للا سكينة بالرباط خلال تسجل درس التفسير للإمام سيدي مصطفى البحياوي حفظه الله، يوم السبت سادس عشر ربيع الثاني ألف وأربعمائة وواحد وأربعون هجرية الموافق لرابع عشر دجنبر ألفين وتسعة عشر ميلادية.

ذلك أنه استبشر الناس خيرا بالإعلان عن استئناف دروس الكراسي العلمية التي توقفت منذ أكثر من ثلاث سنوات لأسباب لا يعلمها كثير من الناس ومنهم كاتب هذه الأسطر، فلما جاء الخبر فرحنا به فرح المتشوق لتلكم المجالس الربانية، وما ينتج عنها من أثر في صفوف طلبة العلم وأهله، وما كان لها من إشعاع على المستوى الوطني والدولي.

لكن ما يثير الانتباه _ومن خلال ما جرى يوم السبت وفي سبت الأسبوع الماضي_ هو أن المكلفين بالتسجيل إما مبتدئة أو مستهزئة.

فسلوكهم لا ينبئ عن سابق صلة لهم بمجالس العلم ومقامات العلماء، فضلا عن خصوص المجالس وخواص العلماء، فالمكان مسجد، بيت الله، وينبغي أن ينزه عن كل ما من شأنه أن يكون سببا صارفا عن الدرس، بله منفرا منه، سواء كان المصروف مُلْقيا (عالم أو مدرس أو واعظ …)، أو متلقيا(مصلي أو قارئ للقرآن أو طالب للعلم …).

والناس يجعلون أفضل ما عندهم لأفضلهم، كل بحسب مقامه وموقعه، وما يقتضيه ذلك الموقع والمقام.

والأفضلية في الناس بمقاييس أصول اجتماعهم، وأصل الأصول في الاجتماع هو الدين الذي هو الإسلام في بلدنا، والذي يجعل رأس المجتمع هم العلماء والأئمة والصالحون.

وإني ذاكر أمورا حصلت أثناء تسجيل درس الإمام البحياوي في الحصتين، هي عناوين لأحد أمرين: إما تقصير وإما قصور، وكلاهما لا يليق بالمقام.

1- هذا العَلَم الذي أنتم بصدد تسجيل دروسه له خصوصيات وجب أن تراعوها، ومنها رتبته، وتكريم ملك البلاد له وما بالعهد من قدم، فهو من العلماء الأجلاء الذين يضن الزمان بأمثالهم، جمع العلوم وامتلك ناصيتها، وجدد في درس التفسير بما لم يسبقه إليه أحد، وخُلقه الرفيع وبيانه البديع، وحياؤه وزهده الذي لا يخفى، وقلما يُلْفى خصوصا في أزمنة الجدب وقلة الخصب.

2- مقارنة بسيطة بين مستوى الاهتمام بدروس الشيخ سيدي مصطفى وحجم الاحتشاد الذي كانت تقابل به مجالسه في الشارقة، وهذا الذي صدر من إخوتنا في هذين المجلسين الذين بهما افتتح (العود الأحمد) لدروس الكراسي العلمية! بل إن أدب واستعداد الذين كانوا يسجلون الدروس منذ بدايتها سنة 2011 وإلى ان توقفت، كان مستوى مقبولا لم ينزل ولا مرة إلى هذا الحضيض المسف.

3- القوم غير مستعدين لأي جهد بعدي، فهم لا يريدون توضيبا أو تصفية للصوت أو غير ذلك، حتى إنه رن هاتف أحد الحضور فطلبوا من الشيخ التوقف بعدما شرع في الدرس، وهو أمر يزعج الشيخ ويزعج الحضور، والمقام مقام ترتيل وليس مقام تمثيل يُطلب فيه من الممثل أن يصور المشهد مرات متعددة حتى يتم اختيار أفضلها، خصوصا وأن المعهود من الشيخ سيدي المصطفى أنه يرتجل في الدرس، والمعاني التي يبثها في مجلسه أنفاس تكون في الغالب من وحي اللحظة، وطلب إعادتها فيه إعنات ما كان ينبغي أن يحصل.

4- إغفال المتلقي المباشر وهم الطلبة الحضور، بحيث لم يُلْتفت إليهم رأسا في جانب الصوت وكأنهم غير معتبرين، إلا في الصورة فقط! إذ اكتفى المسجلون بلاقط الصوت المرتبط بجهاز التسجيل، ولولا تنبيه الشيخ وأنه لابد من أن يسمع الحاضر ابتداءً، فتم الربط بمكبرات الصوت في المسجد في ارتباك مقلق في الحصة الأولى، وفي الحصة الثانية أحضروا مكبرات رديئة تشبه مكبرات الصوت عند بائعي الأشرطة المتجولين في الشوارع.

5- عدم الإعداد القبلي وتجريب الأجهزة وترتيب الأمور الضرورية لتسجيل درس علمي ينتظره الآلاف من المهتمين والمتابعين.

6- الأجهزة والأسلاك الكهربائية التي تستعمل في التسجيل ضعيفة، حتى إنه في أثناء الدرس ارتفعت حرارتها وانقطعت الإنارة.

7- ومقارنة ثانية وهي ثقيلة على النفس تعطي إشارات سلبية عن بوصلة الاتجاه في مقام اهتمام الناس وأولوياتهم، ذلك أنه لتصوير أغنية أو مهرجان أو مسلسل … تجد آخر ما في الباب من أليات وأدوات وتقنيات، وهنا للبدء في الدرس يتوجب انتظار ما يفوق نصف ساعة مع كثير من الحركة (والمشي والمجي بالدارجة) الذي يذهب معه التركيز المطلوب والخشوع اللازم في صف الطلب المساوي في الرتبة لصف الصلاة.

8- يطلب المصورون من الحضور الاصطفاف وهو أمر محمود، لكن في حدود، وليس بتلك الدرجة من التدقيق، (زيد واحد سنتيم، أرجع واحد شوية، قادّْ ركبتك، أخف قدمك، …) سنتميترية ومبالغة ليست في محلها وليس الطلبة من أهلها.

9- ثم إن التسجيل في المسجد، والقصد التذكير،ولا معنى أن ينتهي الدرس ويقوم الناس للصلاة، ومن خلفهم جمع الأليات وأدوات التصوير، وما يحدثه ذلك من إزعاج وتشويش، أنتم توقفون الدرس وتطلبون الإعادة لمجرد رنة هاتف قد تشوش على جودة التسجيل ظنا منكم، ولا تراعون المصلين في الصلاة بالانتظار دقائق معدودة لتستأنفوا أعمالا مشوشة تحقيقا، هذا إن لم نطرح السؤال: هل أنتم غير معنيين بالصلاة أم أننا في صلاة الخوف؟!

10- كما أن شيبة الإمام ووضعه الصحي،يستوجبان أمور لم تراعى، ومنها كرسيكم الذي لا يناسب حتى بمقاييس الجمال، فضلا عن معايير الوظيفة، فلا معنى أن تبقى أقدام المدرس معلقة وظهره بعيد عن متكئ الكرسي، ولما انتبه أحد الحاضرين ووضع خلفه وسادة أزعجتكم.

تلك ملاحظات محب للشيخ سيدي مصطفى، مواظب على دروسه منذ انطلقت صادق في النصح، متشوق لاستمرارها بإذن الله الذي لا يقدر إلا الخير، ولا يُصَرِّف إلا بالحكمة وهو على كل شيء قدير.

والحمد لله رب العالمين.

وكتبه الحاج محمد قاسمي بعد تردد سحر يوم الاثنين 18 ربيع الثاني 1441 هجرية\ 16 دجنبر 2019.

آخر اﻷخبار
3 تعليقات
  1. الإشكال أيضا من الشيخ حفظه الله تعالى بحيث يجب أن يعز بضاعته ويلقم هؤلاء السفلة الحجر تلو الحجر ليعلموا قدر العلم والعلماء

  2. نفس الأمر تماما بالنسبة لدرس المنطق مع فضيلة الشيخ مصطفى بنحمزة ، قلة أدب المصورين وعدم الاحترام واللامبالاة بالشيخ أزكمت أنوف الحاضرين وجلعتهم يتأززون من كثير من المواقف غلبها أشار إليها الكاتب بارك الله فيه، منها عدم الاعداد القبلي للدرس حتى حان وقت الدرس ثم اصبحوا يكثرون الضجيج في المسجد ويجربون في الأجهزة ويطلبون من الشيخ تكرار بسم الله الرحمن الرحيم ثم قاموا بإقامة طلبة العلم من مجالسهم وأعادوا تجليسهم مرة أخرى حتى يتم ملء الصورة التلفزية، ثم قاموا بإطفاء مكبرات صوت المسجد من أجل أن يسمع المشاهد على التلفاز أما الحاضرون الذين امتلأ بهم المسجد فلا غرض لهم بهم، حتى نهرهم الشيخ وقال لهم جئنا لطلب العلم لا لنأخذ الصور ولسنا هنا للتمثيل.
    في الحقيقة قلة أدب واضحة مع العلماء وطلبة العلم وجب على المسؤولين أخذ ذلك بعين الاعتبار

  3. الحمدالله، أعز الله شيوخنا، أنتم مربون ومعلمون، فإذا كان ثمة ما يخل بحرمة العلم وبيت الله فلاتقروه، بل أصلحوا فلذلك نأتيكم، ونستمتع إليكم لتربونا وتصلحوا أمورنا، جزاكم الله خيراً،

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M