مغالطة التضاد بين الشريعة والعلم (ج2)

13 يوليو 2017 23:42
مغالطة التضاد بين الشريعة والعلم (ج2)

هوية بريس – سعيد المرواني

بناء الأحكام على وقائع شاذة أو أحداث مشوشة تدل على أن القائل: “إن علماء المسلمين المتخصصين في العلوم المادية “الكيمياء الرياضيات الطب..” على مر التاريخ إما ملاحدة أو فارين من السلطة“، ليس لديه حياد وأنه من خلال أمانيه ورغباته يريد التغطية على حقيقة الواقع الاجتماعي خلال فترات الحكم الإسلامي.

علماء الطب والهيئة كانوا يحظون بمنزلة لدى الحكام ومنهم الفقيه والمحدث.

في هذا المقال سيتم إيراد بعض الأمثلة من علماء جمعوا بين الفقه والأدب وعلوم مادية أخرى، وإثبات كيف أن الدين كان مفتاحا لإيراد المسائل الرياضية وإيجاد حلول لها وخاصة علم الفرائض.

قال المستشرق الفرنسي سارتون “إن ابن الهيثم أعظم عالم ظهر عند العرب في علم الطبيعة، بل أعظم علماء الطبيعة في القرون الوسطى، ومن علماء البصريات القليلين المشهورين في العالم كله”1.

وقال العالم الفرنسي لوتير فياردو: “إن كبلر أخذ معلوماته في الضوء ولا سيما فيما يتعلق بالانكسار الضوئي في الجو من كتب ابن الهيثم”2، أما ماكس مايرهوف فقال: “إن عظمة الابتكار الإسلامي تتجلى في البصريات..”3.

أما ابن الهيثم نفسه فقد قال في مخطوطة الحركة المتعرجة “مما قاله الشيخ الجليل، فمن الواضح أنه يعتقد في كل ما يقوله بطلموس، دون الاعتماد على إثبات أو دليل، ولكن عن طريق التقليد الخالص، وهو مما لا يجوز إلا في اتباع سنن اﻷنبياء عليهم السلام، لا مع المختصين بالرياضيات”.

مما يستنتج من قول ابن الهيثم العالم الكبير في البصريات أنه يسلم للأنبياء بوجوب اتباعهم وتقليدهم حتى في حالات عدم إدراك العقل لمقصد حكم شرعي أو سنة، وهل بعد هذا تسليم وتوحيد وتصديق عند من ذكر فيه المستشرقون مقولاتهم الخالدة، وأثنوا على علمه وابتكاراته، وأكد المؤرخان ضياء الدين سردار و لورانس بيتاني أنه سني؟!

ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع الحقيقي، قال فيه عالم الاجتماع الشهير جمبلوفتش: “لقد أردنا أن ندلل على أنه قبل أوجست كونت، بل قبل فيكو الذي أراد الإيطاليون أن يجعلوا منه أول اجتماعي أوروبي، جاء مسلم تقي، فدرس الظواهر الاجتماعية بعقل متزن، وأتى في هذا الموضوع بآراء عميقة، وإن ما كتبه هو ما نسميه اليوم علم الاجتماع”4.

نقل ابن خلدون عن بعض مشايخه “شرح صحيح البخاري دين على الأمة” وحث ابن خلدون اﻷمة على مزيد شرح لصحيح البخاري  وهذا تدليل صريح على سنيته، ولا يخفى على الناس أن صحيح البخاري يحتوي على مجمل عقائد أهل السنة والجماعة بل من الكتب المؤسسة لاتباع المنقول والبحث فيه واستخراج الأحكام والعمل بالصحيح منها.

وهذا ابن القاضي (960هجرية) المغربي كان متضلعا في العلوم الشرعية كالفقه والحديث عالما باﻷدب والتاريخ بارعا في الحساب والفرائض، ومن كتبه كتاب “غنيمة الرافض في طبقات أهل الحساب والفرائض”، وكتاب “مدخل إلى الهندسة”.

ولم يكن مطاردا أو مبعدا بل بالعكس لقد أسرته سفن اﻹفرنج وفداه السلطان أبو العباس المنصور الذهبي السعدي بمال كثير.

هذا المثال الأخير يبين مدى سطحية القول بأن علماء المادة أو حتى المنطق والفلسفة كانوا مطاردين من قبل السلاطين أو مجرد ملاحدة.

وهذا ابن غازي أيضا (858هجرية) كانت له مشاركات في الرياضيات، وكان شيخ الجماعة بفاس، وكان أستاذا ماهرا مبرزا في القرآن الكريم والعربية والفقه والحديث، من بين كتبه “منية الحساب في علم الحساب”.

أما قطب الدين الشيرازي (634هجرية)، فله كتب في الفلك والحساب والهندسة والطب، وكانت علاقته بالملوك جيدة، وفي آخر حياته وضع بعض المؤلفات في الحديث والقرآن.

وشرف الدين الطيبي (743هجرية) من علماء الحديث والتفسير والبيان، كانت له ثروة طائلة من الإرث والتجارة أنفقها في وجوه الخير حتى افتقر، وكان ملازما لتعليم الطلبة والإنفاق على ذوي الحاجة، وله كتاب اسمه “مقدمات في علم الحساب”.

وإذا انتقالنا إلى ابن حمزة المغربي من علماء القرن العاشر للهجرة وواضع أصول اللوغاريتمات أقام مدة في استنمبول حيث درس العلم، ثم عاد أواخر القرن العاشر للهجرة إلى بلاد الجزائر، ومنها توجه إلى الحجاز لأداء فريضة الحج؛ وبحوثه في المتواليات كانت الأساس الذي بني عليه فرع اللوغاريتمات في الرياضيات، ولديه ما يسمى المسألة المكية، فالحج من أسباب اجتماع المسلمين من مختلف بقاع العالم، حيث أن حاجا هنديا سأله مسألة في الإرث عجز علماء الهند على إيجاد حل مرض لها، فوضع لها بن حمزة حلا مبتكرا رياضيا يدل على فطنته وذكائه في مسائل المتواليات، وعلى قوة عقله في حل المسائل الرياضية.

وهذا يبين كيف أن مسائل الفرائض الدقيقة والصعبة دفعت علماء الرياضيات من المسلمين لابتكار حلولها والاجتهاد في البحث والتدقيق، وأن الدين هو محرك لإبداع العقل خصوصا في المسائل الفقهية، وبالأخص علم الفرائض.

هذه بعض الأمثلة، وما زال هناك الكثير يترك للبحث في مصادره؛ ولعل من يطرح إشكالات لا ترِد على ديننا الإسلامي ابتداء وانتهاء، قد تبين له خطأ فرضياته المصطنعة، وعليه بمزيد بحث ليتأكد من أن ليس هناك تضادا بين الشريعة والعلم المادي بمفهومه المعاصر ولا حتى مع العلوم الانسانية خصوصا المتزن منها، وحتى التصادمات التي وقعت ليست أصلا بل عوارض تمر ويستمر العلماء في الجمع بين العلوم الدينية السنية والعلوم المادية بل حتى الفلسفية المتزنة منها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-2-3- “السبق العلمي لعلماء العرب والمسلمين.. في الرياضيات-الفيزياء-الكمياء-الفلك” لسمير محمد عثمان الحفناوي.

4- “الصياغة الإسلامية لعلم الاجتماع.. الدواعي والإمكان” لمنصور زويد المطيري.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M