من خصائص ديننا: التواصل الداخلي، والانفتاح الخارجي

23 ديسمبر 2017 22:29
سلسلة أنواع القلوب (28) القلب الوَرِع (2)

هوية بريس – د. محمد ويلالي

لا شك أن الإنسان اجتماعي بطبعه، لا يمكن أن يعيش منفردا منعزلا عن الآخرين. بل إن الأبحاث الدولية تثبت أنّ الانعزال والوحدة يؤدّيان إلى زيادة احتمال الإصابة بالأمراض والموت المبكر بقرابة الضعفين إلى خمسة أضعاف، حتى ولو كان الشخص يتبع نظاماً صحيّاً سليماً وبعيداً عن جميع الأمور السلبية كالتدخين والكحول. والمنعزل -اجتماعياً- يعيش أقل من غيره بنسبة 22%.

كما بينت الدراسات أن نسبة النجاح في الحياة يرجع 85% منها إلى مهارات الاتصال والتواصل، و15% -فقط- هي التي ترجع إلى مهارات العمل.

ولقد أرسى الإسلام قواعد التلاحم الداخلي بين الأفراد والجماعات، بإقرار عدد من التشريعات المجتمعية المهمة، التي تجعل من المسلمين جسدا واحدا، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى. من ذلك:

ـ صلة الرحم، وما لها من فضل عظيم، حتى جعل الإسلام قطيعتها قطيعة مع الله – تعالى -. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلمقال: “خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ، قَامَتِ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ لَهَا: مَهْ. قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَذَاكِ لَكِ”. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)” متفق عليه.

إن انعدام صلة الرحم أو ضعفها في الدول الغربية، كان دافعا قويا لتكاثر المصحات، ودور العجزة، ومراكز ذوي الاحتياجات الخاصة، وأماكن رعاية كبار السن، وهو ما يكلف هذه الدول المليارات. ففي بريطانيا -مثلا- تكلف رعاية كبار السن قرابة: 120 مليار جنيه إسترليني، مما حدا بالخبراء إلى الإقرار بأن أفضل حل هو أن يتحمل أقارب هؤلاء هذه الأعباء. ولقد لاحظنا أن عددا الأصوات الغربية بدأت تنادي بالرجوع إلى كثير من التشريعات الإسلامية، المتعلقة بالأسرة وتمتين الروابط الاجتماعية.

المسلم يتوخى بر والديه، فيبادر إلى صلتهما، ويتفانى في رعايتهما، ويلتذ بالإحسان إليهما، ويفرح بقضاء حوائجها، باعتبار ذلك رضا للوالدين الذي هو من رضا الله -تعالى-. وهذا الشعور هو ما يفقده غير المسلمين. قال صلى الله عليه وسلم: “رِضا الربِّ -تبارك وتعالى- في رضا الوالدَينِ، وسَخطُ اللهِ -تبارك وتعالى- في سَخطِ الوالدَينِ” ص. الترغيب.

بل إن الابن المسلم ليعتقد أن بإحسانه لأبويه يمسك بمفتاح الجنة، وينهج سبيلا قويما إليها. فعن جاهمة السلمي رضي الله عنه قال: أتَيْتُ رسولَ صلى الله عليه وسلم أستَشيرُه في الجهادِ، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: “ألك والدانِ؟” قال: نَعَمْ. قال: “اِلزَمْهُما، فإنَّ الجنَّةَ تحتَ أقدامِهما” صحيح الترغيب.

ـ ومن التواصل الداخلي زيارة الإخوان، وتفقد أحوالهم، والسؤال عنهم، لما في ذلك من نشر المودة والمحبة، ولما أرصده الله للزائر من خير عميم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم “أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ (طريقه) مَلَكًا. فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا (تحفظها وترعاها)؟ قَالَ: لاَ، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي الله -عَزَّ وَجَلَّ-. قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكَ بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ” مسلم.

ـ ومن التواصل الداخلي عيادة المريض، لما فيها من التخفيف على المريض وتسليته، ولما أعده الله للعائد من الفضل الجسيم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي الله، نَادَاهُ مُنَادٍ: أَنْ طِبْتَ، وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً” ص. الترمذي.

ومن أعظم المرغبات في ذلك قول الله -تعالى- في الحديث القدسي: “يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟” مسلم.

يقول أحد العلماء الغربيين: “إن مجرد رؤيتك للمريض، تحفز جهاز المناعة لديك وتقويه”. ولذلك صار بعض أطباء الغرب ينصحون برؤية المرضى بين الفترة والأخرى، لتقوية نظام المناعة.

وتؤكد إحدى الدراسات أن وجود الأحباب بجانب المريض من أعظم أسباب تخفيف الألم عنه، وأنه كلما كان الإنسان اجتماعياً، ويمارس النشاطات النافعة للغير، مثل الأعمال الخيرية، وحب الخير للآخرين، وأعمال البر والعطاء، والإحسان للأقربين، والتصدق على المحتاجين.. كلما أصبح النظام المناعي أقوى، يتمتع صاحبه بصحة أفضل، وأمراض أقل.

ـ وثبت في بحث آخر، أن الجار الجيد والمتعاون مع جاره، يؤثر إيجابياً على صحة جاره. وتبين أن المشاركين في الدراسة، الذين استوفى جيرانهم تلك المعايير، هم الأقل عرضة للإصابة بـ “النوبة القلبية”. ولذلك جاء في الحديث: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ” متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: “لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ” مسلم.

ـ وفي الوقت الذي يعيش فيه المسلمون حالات التآزر والتعاون -كما في رمضان-، حيث يتسابق الصائمون إلى إفطار الفقراء والمحتاجين، وإعانتهم بزكاة الفطر وغيرها، نجد دراسة غربية تتحدث عن كون ثلث المواد الغذائية التي يشتريها البشر، يكون مصيرها سلة المهملات، حتى إن شركة غربية واحدة معروفة بأن لديها أكبر سلسلة مطاعم، ترمي سنوياً 60 ألف طن من بقايا الطعام، دون التفكير في توزيع الزائد على الفقراء والمعوزين، مما حدا ببعض المطاعم الغربية إلى  فرض عقوبات مادية على الذي يطلب طعاما زائدا عن حاجته.

ـ بل إن حب المسلم الخير لأخيه المسلم، يقتضي أن يحجزه عن المنكر إن ارتكبه، وأن ينبهه إلى خطورة الإثم إن اجترحه. قال صلى الله عليه وسلم: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ” ص. الترمذي.

إنها نماذج قليلة من أشكال التواصل الداخلي للمجتمع المسلم، تفتقر إليها – اليوم – أكثر المجتمعات تمدنا وتحضرا.

ورحَّبَ الناسُ بالإسلام حين رَأوْا * أن الإِخَـــاءَ وأن العَــدلَ مَغـــزَاهُ

أما الانفتاح الخارجي، فهو سبيل التمكين للأمة الإسلامية في الأرض، لأن الإسلام ليس دين قوم دون قوم، ولا دين شعب دون شعب، بل هو دين البشرية جمعاء. قال -تعالى-: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا). وقال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا).

لقد بَعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم برسائل إلى ملوك وكبراء زمانه، مثل هرقل عظيم الروم، وكسرى ملك فارس، والنجاشي ملك الحبشة، والمقوقس ملك القبط، والمنذر بن ساوى أمير البحرين، والحارث الحميري حاكم اليمن، وغيرِهم، يأمرهم فيها بدخول دين الإسلام، فهو لهم خير في حفظ ملكهم في الدنيا، وسبيل لهم للنجاة يوم القيامة. فقبل الدعوةَ بعضهم، ورفضها بعضهم، وتردد بعضهم.

وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بعد أن وقعت سبيا في يد المسلمين في غزوة بني المصطلق، فأطلق المسلمون من كان في يدهم من الأسرى، فأسلم أبوها، وأسلم معه قوم، فكانت أعظم امرأةٍ بركةً على قومها.

وما هي إلا سنوات، حتى انتشر الإسلام شرقا وغربا، يضيء نوره القلوب، وتطمئن بهديه النفوس.

لقد كان انفتاح المسلمين على غيرهم من باب العزة والغلبة، لا من باب الضعف والاستسلام -كما هو الحال اليوم-، الذي أرادت فيه دولة واحدة أن تفرض إرادتها على عشرات الدول الإسلامية، بالسماح لها بالاعتراف بالقدس عاصمة للصهاينة، مهددة إياها بقطع المعونات المادية عنها، إمعانا في إذلالها، وتماديا في إهانتها والاستنقاص منها. ولَلْقدس عندنا أعظم من معونتهم، وأشرف من جوارهم.

وَنَحْـنُ أُنَـاسٌ لا تَوَسُّـطَ عِنْـدَنَـا * لَنَا الصّدرُ دُونَ العالَميـنَ أو القَبرُ

تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا * ومنْ خطبَ الحسناءَ لمْ يُغلِها المهرُ

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M