هكذا انتقل “الكلاش” إلى الملعب السياسي بالمغرب

21 فبراير 2022 10:18

هوية بريس – برعلا زكريا

لعلكم تابعتم التراشقات “الفيسبوكية” بين مغنيي “الراب”. والتي بالمناسبة تعتبر عادية جدا في هذا النوع من الغناء، وتضفي شيئا من الحماس والإثارة للمتابعين، وتكون المنافسة بين الهجوم والرد والتعقيب وهكذا..

بعد ذلك تابعنا “الكلاش” بين عمالقة التفاهة والذي غزى الفيسبوك وربح على إثره منتجوه دريهمات “اليوتوب”،
بل أبدع هؤلاء من خلال افتعال الخلافات والمشاحنات عبر سيناريوهات مفضوحة لم تثني المتابعين على الإقبال عليها بالرغم من معرفتهم المسبقة أن كل ذلك مفبرك. حتى انتهى ببعض هؤلاء تهورهم إلى دخول السجن لا لشيء سوى لجمع ما بات يعرف ب “الأدسنس”.

لكن ما يثير التساؤل هو انتقال عدوى “الكلاش” إلى المعترك السياسي !
ولعل أبرز مواجهة في هذا الباب هي التي جمعت مؤخرا رئيس الحكومة الأسبق عبر الإلاه بنكيران ضد المؤثرة المعروفة مايسة.

ودون الدخول في تفاصيل المؤاخذات والأحكام التي أصدرها كل طرف تجاه الآخر، ما يهم أكثر هو لمذا صار الجميع يلجأ لاستعراض العضلات من بيته مستعملا عدسة وهاتفا ذكيا ؟ فهل كان هؤلاء سيؤدون حلقاتهم بنفس الطريقة والحدة لو كانت المواجهة وجها لوجه عوض التنابز عن بعد ؟

والأكيد أننا جميعا أضحينا نتواصل مع الهاتف أكثر من المحيط الأسري أو الأصدقاء أو زملاء العمل.
وبهذه الوتيرة المتسارعة في إنتاج المحتويات المرئية فصانعوا الفيديوهات سيصبحون أكثر عددا من الجمهور الذي يتابع، وفي آخر المطاف سوف يقوم الفرد منا بتصوير “فيديو” ليشاهده وحده لأن الجميع منشغل بالتصوير !

ومن البديهي أن إنتاج محتوى مرئي يحتاج وقتا مطولا من إعداد وتخطيط وتحضير، ثم التصوير والتوضيب، قبل رفعه على الشبكة العنكبوتية. بعد ذلك مراقبة الصدى الذي أحدثه وعدد المشاهدات والرد على تعاليق المتفاعلين. وبالنظر لغزارة الإنتاج، فالمنطق يوصلنا إلى أن المغاربة يتوفرون على حيز كبير من الوقت “الفارغ” الذي يتم استغلاله في إنتاج هذه المحتويات. أو أن الانشغال بالعالم الافتراضي يكون على حساب وقت النوم والأكل وممارسة الرياضة وحتى العمل.
وبالتالي فالصحة العامة سواء الجسدية أو النفسية بالمغرب تحتاج للدراسة والبحث.

ومن جانب آخر، فالانشغال بإنتاج المحتويات الرقمية من طرف الكبار يعطي قدوة سيئة للصغار، والمقصود الأطفال والقاصرون، فهم بدورهم سيكونون ضحية هذا الشيطان المارد المسمى “هاتف ذكي” بتطبيقاته وعجائبه التي تكون في الغالب مضيعة للوقت. كما أن كل ذلك سيكون على حساب بناء الشخصية المتزنة والجسد السليم.

فإلى أين يأخذنا كل ذلك يا ترى؟

وهل سيطر “روتيني اليومي” بجميع أصنافه سواء الإباحية أو التافهة أو السياسية على المجتمع المغربي؟

أين علماء النفس؟ أين الباحثون في علم الاجتماع؟ من يأخذ بيدنا من الضياع والاتجاه نحو الهاوية ؟

من ينقذ أطفالنا من هذا القطار السريع الذي تم إتلاف فرامله من طرف من خططوا قبل الآن بسنوات لاستعمارنا عن بعد بواسطة التكنولوجيا والحداثة المزيفة ؟

ما أحوجنا للزمن الجميل، زمن آبائنا وأجدادنا، حيث الجميع يتبادل أطراف الحديث وجها لوجه، بود وابتسامة وأوجه مشرقة !
ما أحوجنا لزمن الأطفال وهم يلعبون ويمرحون ويقفزون أمام البيوت بأمن وسلام بعيدا عن الشاشات المضرة !

لطالما اقتضت الحكمة بالتوجه للمستقبل وترقب الأفضل. لكن هذه المرة أمسى العقلاء يتحسرون على الماضي !

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M