هل لا تزال أنوار الإسلام تسطع في سماء شبه جزيرة العرب؟

03 أبريل 2018 22:46
أحداث عالم اليوم بين إيران والغرب والحكام العرب؟ (ح1)

هوية بريس – د. محمد وراضي

سؤالنا المطروح هنا، مرتبط بأحوال الحكام، لا بأحوال الشعوب. فقبل الإسلام، لم تكن في شبه جزيرة العرب دول مستقلة ذات سيادة، باستثناء مملكة “سبأ” التي آلت إلى زوال قبل ظهور الإسلام. إنما هناك إماراتان: إمارة “المنادرة” وإمارة “الغساسنة”، بحيث إن الأولى كانت في خدمة الإمبراطورية الفارسية، وبحيث إن الثانية كانت في خدمة الإمبراطورية الرومانية. والهدف من إنشائهما على يد كل من الفرس والروم، هو حماية حدودهما من أي خطر داهم قادم من بعض القبائل العربية؟

وهنا نتساءل عن العلاقة في الوقت الراهن بين العرب في شبه جزيرتهم وبين كل من الفرس (= الإيرانيين)، وبينهم وبين الروم (= الغربيين والأمريكيين)؟

ومن بين ما نسجله تاريخيا كون حكام الإمارتين من العرب، مجرد مأجورين عملاء! بينما انصرف بقية العرب إلى الأشغال التي يمارسونها، ومن ضمنها الرعي والتجارة، دون الادعاء بأن صلتهم بالتحضر غير واردة بالكلية. إنما في حدود، نظرا لكون الأغلبية الساحقة منهم بدويين أميين.

ثم إنه من بين ما نسجله، اختلاف لهجات العرب وعاداتهم وتقاليدهم، ودياناتهم من منطقة إلى أخرى. فقد كانوا يمارسون وأد البنات، وقتل الأولاد خشية إملاق، إلى جانب كونهم يمارسون كل أنواع الزواج المحرمة الواردة في سورة “النساء”، ومن بينها الزواج بالأم والأخت والعمة… يضاف إليها زواج الرهط الذي يعني اشتراك ثلاثة أو أربعة في الزواج بواحدة، حيث إنها تجامعهم بالتناوب! وإن وضعت مولودا، تترك لها حرية اختيار أب له من بين أزواجها، دون أن يملك أي منهم -بحكم العرف- حق رفض من وقع عليه اختيارها!!! ربما كان زيد هو أباه؟ وربما كان أبوه شخصا آخر من غير المتزوجين علنا بها كما يفهم من السياق!!!

ثم تأكد لدينا تحريم زواج الاستبضاع الذي كان يمارس في العلن قبل البعثة النبوية! وصورته أن يسمح رجل لزوجته بمضاجعة رجل، مركزه الاجتماعي قوي، رغبة منه في أن يسفر الاتصال الجنسي بينهما عن خلف، يحق له الافتخار بوالده المتميز!

وبما أن الحديث عن زواج الاستبضاع، مكننا من الوقوف على نتائج مخزية، فإنه بمثابة مقيس عليه، متى اعتبرنا زواج المتعة مقيسا، من منظور التشابه بين الزواجين في النتائج المتوقعة… فحق لنا أن نتصور ها هنا امرأة تمارس هذا الزواج الذي كثر حوله القيل والقال؟ فبإمكانها أن تتزوج عدة مرات في شهر واحد، بحيث يصبح من المحتمل أن تضع مولودا من الصعب معرفة والده، وبحيث يكون المولود الذي وضعته ناتجا عن الزنا بدون ما شك.

مع التنبيه إلى أن الديانة الأكثر انتشارا بين العرب قبل الإسلام هي الوثنية، بينما تحتل اليهودية المرتبة الثانية، فالنصرانية التي تحتل المرتبة الثالثة، وكلها ديانة شرك لا ديانة توحيد، نظرا لكون اليهود والنصارى فرقوا دينهم وحرفوه تحريفا لنا عليه أدلة قاطعة. أما الدين الخالي من الشرك لدى العرب فيقع في دائرة ضيقة، إنه الحنيفية التي تعود إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام.

لكن ظهور الإسلام سوف يقلب الأوضاع لدى العرب رأسا على عقب، فمن خدمتهم للفرس والروم، إلى إخضاع هاتين الإمبراطوريتين للحكم الإسلامي الذي تمكن في ظرف وجيز من تحرير شعوب، طالما كانت خاضعة لسلطتيهما التي تضرب بكرامة الإنسان وحريته عرض الحائط!!!

ولما كان من شأن كل دين سماوي -إن لم يلحقه التشويه والتحريف- إرشاد البشرية إلى أقوم السبل وأجداها في كل ما يتصل بالدين والدنيا، أي في كل مجالات الحياة، كما يفهم من قوله سبحانه: “ما فرطنا في الكتاب من شيء”، تعلق الأمر بالاقتصاد والمال والسياسة والاجتماع، أو تعلق بالتعليم، والتجارة والفلاحة، أو تعلق بسبل تحصيل العيش، أو تعلق بالحرية والمساواة، والكرامة والعدل والأخوة والاتحاد، والتعاون على البر والتقوى، والعلاقة بين الحكام والمحكومين، أو تعلق بباقي القيم والمبادئ والتعاليم التي تحول دون الإنسان والعودة إلى الجاهلية، هذه الظاهرة البشرية المقصودة في قوله تعالى: “أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون”.

فلنقرر إذن بأن حكم الجاهلية حكم استبدادي طاغوتي، ظالم متجبر! داخل شبه الجزيرة وخارجها من بقية أصقاع العالم. وهذا بين في قوله عز وجل: “يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به”. مع العلم بأن الطاغوت في عصرنا أشد شراسة منه في أي عصر من عصور البشرية المتقدمة؟ ولنسحضر الآن إن شئنا ما يجري في اليمن، وحكم عبد الفتاح السيسي في مصر؟؟؟

وها هنا أسئلة نطرحها بهذه الصيغ: ما مصير النور الذي جاء به من عند ربه محمد بن عبد الله رسول الله العربي القريشي؟ ما مصيره اليوم تحديدا لدى حكام دول شبه جزيرة العرب؟ ثم ما مصيره ونحن نراقب التحركات السياسية والعسكرية لحكام ما يعرف بدول الخليج العربي؟ وهل أصبحت خدمة الروم بمختف هوياتهم حتمية، إلى الحد الذي عنده نربط معهم أحلافا لمواجهة إخواننا في الدين والعروبة؟ وإلى حد عنده نظهر غباءنا الذي أعادنا بكيفية أو بأخرى إلى الوارء التاريخي، حيث كنا عبارة عن قبائل تحمل شعار “انصر أخاك ظالما أومظلوما”!!!

إن سألنا حكام شبه جزيرة العرب عن مآل قوله تعالى: “هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور”؟ وعن مآل قوله سبحانه: “ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور”؟ وعن مآل قوله عز وجل: “أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها”؟

إن سألناهم عن دلالات هذه الآيات، إن بخصوص علاقاتهم البينية، وإن بخصوص علاقاتهم الغيرية، فسوف يدعي كل طرف بأنه على صواب، لأنه لا يستضيء إلا بنور الله، وأن من سواه على خطأ جسيم؟ وإن لم نكن نحن مقتنعين بما يروجون له، سألناهم عن حال الظلمات التي أخرجهم منها كل من كتاب الله وسنة نبيه؟ وهل لا يزال النور الذي حثهم ربهم على الاستضاء به، يقود تصرفاتهم في السراء والضراء؟ أم إن القهقرى فعل فيهم فعلته وألقى بهم مجددا في غياهب أشد قتامة من قتامة الجاهلية الأولى؟ هذه القتامة المعاصرة التي سلم فيها حكامنا زمام القيادة لشيوخهم الغرباء الذين أزعجتهم العودة المفاجئة إلى الإسلام، مع قيام الثورة ضد أكبر عميل لهم في إيران، والذي كان يحمل قبل الإطاحة به لقب ملك الملوك (= شاه شاه)؟ خاصة وأن خسارة ملك الملوك الذي لم تطح به الثورة العلمانية، وإنما أطاحت به الثورة الإسلامية، إيذان بقدوم عهد جديد، يستدعي قيام تحالف اضطراري بين خصوم الأمس في الحرب الباردة من جهة، وبينهم وبين اليمين واليسار العربيين. تمثلا في الحكام، أو تمثلا في الأحزاب من جهة ثانية؟

وكانت نقطة انطلاق التحالفات والتعاون على الإثم والعدوان، مباشرة على إثر نجاح قومة الشعب الإيراني. فقد أسندت مسؤولية إخماد هذه القومة في المهد إلى الدكتاتور العراقي الراحل: صدام حسين؟ واعتقد أنه سوف ينفذ المهمة المسندة إليه في ظرف وجيز، فإذا به يحتاج إلى دعم الشيوخ، وتلامذة الشيوخ في شبه جزيرة العرب. فكان أن تلقى إمدادات مالية ولوجستيكية وأنواعا من أسلحة مدمرة، لكونه نصب نفسه مدافعا عن العلمانيين في العالم برمته!!! وبالتالي حاميا لدول الخليج العربي!!! وهو بما نصب له نفسه ينفذ توجيهات الشيوخ الذين يعرفون بدهائهم كيف يحملون مريديهم على السخاء بالمال الوفير، والخدمة المجانية في مختلف الصور؟؟؟

يعني أن الشيوخ من جهة، يخافون من امتدادات الثورة الإسلامية، وهم من جهة ثانية يضربون ألف حساب لمصير المنابع البترولية التي تزخر بها أراضي كافة دول الخليج العربي. لكنهم بعد مرور ثمان سنوات، من إزهاق أرواح ألوف مؤلفة من المؤمنين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله -سميناهم سنيين، أو سميناهم شيعيين- وبعد أن تم إنفاق ملايير من الدولارات، لإطالة أمد الاقتتال بين الإخوة في الدين، تبين للشيوخ المهندسين الموجهين لكافة الفتن التي يقفون وراء إذكاء أوارها في العالمين: العربي والإسلامي، تبين لهم سلوك مسلك آخر يقي حلفاءهم الخليجيين من خطر مسمى الإسلام الشيعي من ناحية، ومن ناحية ثانية يقيهم خطر مبادئ الثورة القائمة على الدين، لما اعتاده الشيوخ من تضليل ممنهج لحكام عرب ومسلمين! كي يزينوا لهم الرجوع إلى الظلام الجاهلي، وهم الذين أصبحت ملايير الدولارات تقطر عليهم من السماء دون أن يبذلوا أي جهد لكسبها عن طريق احترام سبل الحلال التي تعد من ضمن المبادئ النورانية، الواضحة وجاهتها في كتاب الله وسنة رسوله؟؟؟

والحال أن التؤدة الغائبة كقيمة أخلاقية، حالت دون حكام الخليج وإطالة النظر والتمعن في الثورة الإيرانية من حيث أسبابها وأهدافها؟ أو لم يكن من منطق الدين والعقل أن يدركوا بأن الإيرانيين إخوانهم في الدين، وأن شيوخهم المهندسين بزعامة الأمريكيين، أملوا عليهم ما يلزمهم من تصرفات إزاء تلك الثورة الشعبية، دون أن يدركوا -كحكام مسلمين- كيف أن الفرق الشاسع العميق، إنما هو بين المسلمين، وبين من يعتقدون أن عيسى ابن الله في نسخة، وأنه هو الله نفسه في نسخة مغايرة؟ مع أن عيسى عليه السلام يسري عليه ما يسري على كافة أبناء آدم وحواء؟؟؟

فلو كانت التؤدة كمقدمة أخلاقية لتصرفات حكام الدول الخليجية، لفطنوا إلى العلاقة العدائية بين الرأسمالية والشيوعية. فحينما يتعرض نظام رأسمالي لأية هزة انقلابية، نجد نظاما، أو أنظمة مماثلة له، تهب للدفاع عنه حتى لا يحل نظام شيوعي، أو أي نظام غير رأسمالي محله. وهذا ما يتم به تعليل الهبة الغربية للحيلولة دون قيام النظام الإسلامي في إيران. فكانت المواجهة بين هذا النظام، وبين النظام العلماني العراقي الذي حاول القضاء عليه -وهو بعد في المهد- مما يعني أن حكام العراق، نابوا عن الرأسماليين والاشتراكيين في آن واحد لكون قناعاتهما الفكرية واحدة؟ إنها في الجملة اعتبار الدين فكرا ظلاميا متجاوزا؟ تخطته العلمانية وداسته بالأقدام، أو بالحوافر؟؟؟

بينما المطلوب دينيا وعقلانيا من دول الخليج، أن تتجنب الاصطدام مع دولة جارة وليدة، بالإمكان أن تتكامل معها للتخلص من هيمنة الاستكبار الدولي، الذي لا يهمه غير امتصاص دماء الشعوب باعتماد التهديد والتظاهر باحترام مبادئ حقوق الإنسان، التي يتقدمها الاحترام المتبادل، والحرية والكرامة والديمقراطية المزعومة؟

والحال أن الدعائم التي يقوم عليها النظام الإسلامي واضحة، بالإمكان اختصارها في الآتي:

1ـ المساواة التي عبر عنها أبو بكر الصديق في خطاب توليته حين قال: “إني قد وليت عليكم ولست بخيركم”.

2ـ الاعتراف بالخطإ. فقد ذهب عمر إلى أن النبي ص لم يمت. فلما صوبه أبو بكر بقوله تعالى: “وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم”. اعترف الفاروق عمر بخطإه على الفور!

3ـ إعانة الحاكم إن كان مصيبا في أحكامه. وانتقاده إن كان مخطئا فيها. وهذا دليل على أن المساءلة مبدأ ديني واجب. لا مبدأ علماني حديث العهد بالظهور؟

4ـ طاعة الحاكم مرتبطة بطاعته لله. وإلا فكما ورد في قوله ص: “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”.

وهذه المبادئ نبحث عنها على عهدنا لدى حكامنا المسلمين -للأسف الشديد- في شبه الجزيرة وخارجها، دون أن نجد لها أي أثر يذكر!!!

كيف يزعم حماة الدين بأنهم حريصون على تفعيله باحترام مبادئه وتعاليمه؟ والحال أن حكمهم غير واضح بالمرة؟ فلا هو بحكم إسلامي؟ ولا هو بحكم ليبرالي رأسمالي؟ ولا هو بحكم شيوعي؟ وإنما هو في حقيقة أمره، أقرب إلى الحكم الطاغوتي؟ أو إلى الحكم العسكري البوليسي؟ لأن الحكم الإسلامي يقتضي الامتثال لمبادئ قدمنا بعضا منها مختصرين؟ وحكم من نعنيهم في العنوان، ليس علمانيا ليبراليا تزينه الديمقراطية والمساءلة كما هو حاله لدى الغربيين! أو القبول بنقد بناء، لا تكلل هامته عمليات كم الأفواه، وإرغام المواطنين على تقديس الأمراء والملوك والرؤساء؟ لأنهم من طينة بشرية أخرى غير طينة أبي بكر وعمر ابن الخطاب!!! فصح أنهم على غرار حكام أمريكا اللاتينية، وبعض حكام إفريقية المتوغلين في التوحش، إلى حد أن أحدهم كان يتناول كبد ضحاياه الآدميين؟

بصرف النظر عن مروءة العربان التي يتنازلون عنها تباعا، وهم يتهافتون على النسوان في كهوف عواصم الغرب الأوربي، كما قال الشاعر السوري نزار قباني؟ حيث ينفقون من عائدات البترول المملوكة لشعوبهم ما تملي عليهم نفوسهم الأمارة بالسوء إنفاقه؟ أما الأخوة والمساواة والعدل، وقبلهما التقوى، فموضوعها الخطب الرنانة التي توجه إلى الرعايا في مناسبات، مقابل التصفيقات والزغاريد إلى جانب قصائد المديح التي تعلي من شأن مسمى مشروعية الممارسة السياسية للقادة الذين يستبعد اتصافهم بصفات الكمال والحكمة والعصمة والإخلاص لله والوطن والشعوب؟

وحتى لا تتسرب إليهم حمولة ثورة إيران، قالوا نعم لمن أوحى إليهم بأنهم لا شك سوف يتعرضون لما تعرض له ملك الملوك؟ فكان أن تحمسوا واستعدوا لمواجهة المد الثوري القادم من جيرانهم، الذين لم يتمكنوا بعد على الفور من ضمان الاستقرار، هذا الذي عكر النظام العراقي العلماني صفوه! فكان أن أملى عليهم شيوخهم إحداث حلف، أو تحالف لمواجهة الشيعة من منطلق ديني، لا من مواجهة الثورة الشعبية الإيرانية من منطلق سياسي؟ هذه الثورة التي ألبسوها بإملاء من الشيوخ لباس الاختلاف في فهم الدين، بحيث إن هذا الاختلاف في فهمه، امتداد للعداء التاريخي، بين أنصار كل من علي ومعاوية، حيث انتهى الصراع بين هذين الصحابيين إلى مقتل علي بن أبي طالب غدرا وهو على وشك أداء صلاة الصبح.

والحال أن ما حدث في إيران، وأن العداء المحتدم بينها – كنظام – وبين أنظمة دول الخليج، كان بمثابة ثغرة سياسية، عمقها الشيوخ بالتحريض الذي ركبوا ظهره لابتزاز كل دولة على حدة، ولبيع مختلف أنواع الأسلحة لها جميعها، حتى تستطيع الوقوف في وجه دولة الملالي من جهة، ورغبة مقنعة في التحكم من منابع النفط من جهة ثانية. والحيلولة دون قيام قومة محتملة ضد أي حاكم عربي خليجي من جهة ثالثة؟ هذا إن هو أتقن الإصغاء إلى نصائح الشيوخ وتوجيهاتهم التي تضمن له البقاء في السلطة والاستمرار فيها، ولو أنه أدرك قمة الطاغوت في تسيير شؤون الدولة التي هو قائد شرعي لها على حد زعم الزاعمين؟؟؟

ولا شك أن قيام مجلس التعاون الخليجي فكرة أمريكية، وأن تنفيذها لم يتجه بها منذ عام 1981م كدول ثرية بتروليا إلى بلورتها على جميع الأصعدة: لا عملة نقدية موحدة؟ ولا جيش موحد؟ ولا اقتصاد مندمج معقلن؟ ولا تحرك ذو بال لحفظ دماء وجه العرب أمام وجوه خصومهم الألذاء. فقد كانت غزة الفلسطينية هدفا لمن بتروا أرض فلسطين التاريخية، دون أن ترتفع أصوات العربان فوق صوت الشيوخ حينما كانت غزة تتلقى ضربات مدمرة من بني صهيون، الذين يعتبرون أولى القبلتين وثالث الحرمين أرضا لهم ورثوها عن أجدادهم منذ قرون. ووجدوا تأييدا لهم ولو بالسكوت على ما يجري من أحفاذ الرومان، المتمرسين في المكر والخداع لضمان عائداتهم المادية، لغاية توفير الرخاء لشعوبهم التي عودوها العيش على أكتاف مواطني مختلف مستعمراتهم قبل استقلالها وبعد استقلالها؟؟؟

فبدلا من جعل قادة مجلس التعاون الخليجي مجلسهم أداة معقلنة مدروسة بعناية، لتحويل الأراضي العربية الخصبة إلى مجالات لتحقيق الاكتفاء الذاتي -على الأقل بخصوص مختلف أنواع الحبوب- حول أغنياؤهم أموالهم المنهوبة إلى أبناك غربية وأمريكية، إما لاستثمارها فيما يعود عليهم وعلى عوائلهم بالنفع، وإما لشراء قصور وسيارات ويختات تمخر بهم عباب البحار والمحيطات، تحقيقا منهم لرغباتهم التي تتنافى مع مبادئ الدين التي يدعون بأنهم لها يمتثلون؟

وبما أن الدول العربية والإسلامية، قد تشبعت بكل من الفكر الظلامي الديني، والفكر الظلامي السياسي والسلطوي، فقد أصبحت عندهم الدعارة وباقي الفواحش “ما ظهر منها وما بطن” مصدرا من مصادر الاقتصاد الوطني، يعني أن حكامها لا يهمهم غير الكسب الذي يحصلون عليه! مهما يكن مصدر هذا الكسب، ومهما تكن كيفيات كسبه؟ فكون “الحلال بين والحرام بين” -كما قال رسول الله- لم يعد كمبدإ ديني سياسي وأخلاقي معتمدا لدى الحكام؟ وكيف يظل كذلك حتى من باب الاستثناء، ويجري العمل به كعنوان للتقدمية والحداثة والعصرنة؟

ولما لم تستطع دول مجلس التعاون الخليجي تحقيق الالتحام والتكامل، أصبحت على استعداد لتنفيذ أوامر الشيوخ! إذ عندما وضعت الحرب أوزارها بين إيران والعراق، طالبت العراق من الكويت تمكينها من تعويض ملزم لما قامت به من أجل حمايتها من الخطر الإيراني! ولما امتنعت الكويت عن الاستجابة تعرضت لاحتلال العراق المشؤوم!

فكانت لدول التعاون الخليجي فرصة سانحة للمشاركة في تحرير الكويت، بكل ما قدمته من إمكانيات مادية ومعنوية! مما يعني أن الحكام الخليجيين، أبانوا عن تحالفهم في مواجهة إخوانهم في الدين للمرة الثانية. إذ سبقت لهم مواجهتهم ممثلين في إخوانهم الإيرانيين للمرة الأولى؟

ثم يتقوى حضورهم لاحقا لمواجهة مسمى “الإرهاب الإسلامي”. خاصة عندما تم تدمير نظام صدام حسين؟ دون أن يهتدوا إلى أن الواقع يكذب ما زعموه من كونهم يحاربون المذاهب الهدامة؟ فلزمنا التصريح بأن الصراع بين إيران ودول الخليج، صراع سياسي، لا صراع ديني، لأن الطرفين كليهما طلقوا الدين إلى حد بعيد، مما يبدو معه أن العودة إليه لا تلوح في الأفق حتى الآن على الأقل!!!

أوضحنا كيف أن العداء المستعر بين إيران ودول الخليج سياسي لا ديني. خاصة وأن الطرفين كليهما أساءا إلى الدين من حيث يعلمان، ومن حيث يجهلان. لكن ما يجمعهما هو الإقرار بالشهادتين وأداء الفرائض من صلاة وزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام. مما يعني أنه لا دليل لدى أي طرف لرمي الطرف الآخر بالخروج عن الملة. إذ الأمر قبل كل شيء يتعلق بالابتداع في الدين. فإن ابتدع الشيعة، فإن السنيين أنفسهم مبتدعون. وإلا فدلونا على دولة إسلامية واحدة ملتزمة بتطبيق الإسلام الحق؟ فإن قدس الشيعة الأئمة، فإن تقديسنا نحن لمشايخ الطرق، أدرك ذروته حين تحولهم بعد وفاتهم إلى آلهة معبودة!!! مع أن الله عز وجل يقول: “والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير”؟؟؟؟

فصح عندنا أن مضمون هاتين الآيتين، نهي صريح عن اتخاذ أضرحة مسمى الأولياء “أعيادا والصلاة إليها والطواف بها وتقبيلها واستلامها وتعفير الخدود على ترابها، وعبادة أصحابها والاستغاثة بهم، وسؤالهم النصر والرزق والعافية، وقضاء الدين، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وغير ذلك من أنواع الطلبات التي كان عباد الأوثان يسألونها أوثانهم. فلو رأيت غلاة المتخدين لها عيدا، وقد نزلوا على الأكوار والدواب إذا رأوها من مكان بعيد، فوضعوا لها الجباه، وقبلوا الأرض، وكشفوا الرؤوس، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، فاستغاثوا بمن لا يبدئ ولا يعيد، ونادوا ولكن من مكان بعيد، حتى إذا دنوا منها صلوا عند القبر ركعتين، ورأوا أنهم قد أحرزوا من الأجر من صلى إلى القبلتين! فنراهم حول القبر ركعا وسجدا، يبتغون فضلا من الميت ورضوانا! وقد ملأوا أكفهم خيبة وخسرانا”؟؟؟

فضلا عن كون مشايخ الطرق جميعهم يكذبون على رسول الله، حين يدعون بأن أسانيدهم في طرقهم المبتدعة، تنتهي إليه ص عن طريق العنعنة!!! كما هو شأن الأسانيد لدى المحدثين، حيث إنها تنطلق من الراوي وصولا إليه ص، وكأنه هو الذي رتب لأولئك المشايخ الأذكار والكيفيات التي يؤدون بها تلك الأذكار!!!

ولدينا هنا مسلمة واقعية يلخصها هذا التساؤل: هل توجد دولة عربية واحدة بعد تحررها من الاحتلال الأجنبي، قام قائدها باستفتاء شعبها بخصوص ما إذا كان يريد العودة إلى النظام الإسلامي الذي ألغاه المحتلون؟ أم يريد الإبقاء على النظام العلماني كتركة غير مرحب بها عن هؤلاء؟

ولما لم يتم استفتاء الشعوب بخصوص الاختيارين المذكورين، علمنا بداهة كيف أن إقبار النظام الإسلامي من اختيار الحكام لا من اختيار الشعوب! نقصد اختيار من تولوا مباشرة -حتى بدون أي انتخاب يذكر- قيادة بلدانهم بعد تمكن شعوبهم بأنفسهم من الحصول على مسمى الحرية والاستقلال!

وهكذا نجد أن العداء بين إيران الشيعية وبين دول الخليج السنية! مجرد مراشقة كلامية، أقرب إلى السياسة منها إلى الدين. إنه عداء يعود بالأساس إلى الخوف مما سوف يعرف لاحقا ب”الربيع العربي”، هذا الذي مهدت له الثورة الإيرانية، ولو أن هناك من يرفض تحليلنا المستخلص من متابعة الأحداث السابقة لعام 2011م. مع ملاحظة أساسية لا بد من استحضارها كلما تعلق الأمر بانتفاضة شعبية مرعبة. دون الحضور الفعلي لأب روحي يقودها كحال إيران التي قادها الإمام الخميني ضد الطاغية شاه شاه. لكن الربيع العربي بالمقابل لم يقده أي زعيم علماني، ولا قاده أي زعيم إسلامي، لأن الأحزاب كانت حينها ولا تزال داخلة في الغيبوبة أو ما يماثلها؟

فما حصل في تونس من شعب ضحى لإزالة ثقل الطاغوت عن كاهله منذ استقلاله، فضح لما يعد همجية لا تقيم أي وزن، لا للأخلاق التي يباين بها الإنسان الحيوانات العجماوات، ولا للقيم الدينية التي لم تعرف طريقها إلى المتجبر المعروف بالمجاهد الأكبر: حبيب بورقيبة، هذا الذي قال لخلفه – وهو على فراش الموت -: “أحضر لي رأس راشد الغنوشي”؟ لأن الغنوشي كشف عن سوأة رجل يسب الدين جهرا دون أن يتعرض للوم مباشر من طرف أي عالم تونسي! وإنما تعرض له من طرف العالم الجزائري صاحب كتاب “المزدكية هي أصل الاشتراكية”؟

أما خلف الدكتاتور الخرف، فقد وضعته سيدة تونس الأولى: الحلاقة ليلى الطرابلسي في قفص الحب الأعمى! مما مكنها من تسيير شؤون شعب تونس الشقيقة، وبالتالي من اكتناز ثروة طائلة، يتم التمييز فيها بين المجوهرات، والسبائك الذهبية، وأكداس من العملات الأجنبية التي يتقدمها الدولار الأمريكي.

ونظرا لكون الحكام العرب يتظاهرون بحب متبادل لدر الرماد في العيون! وجدنا خلف بورقيبة، بعد الإطاحة به على إثر الثورة الشعبية، وجدناه مرحبا به في إحدى دول الخليج العربي؟

وهذه الدول بذلت كل مجهوداتها المادية والمعنوية، لإلغاء أهداف هذا الربيع، سواء بتونس، ومصر، واليمن، وليبيا، إلى جانب الأعداء الغربيين الذين ساهموا بكيفيات مختلفة للحيلولة دون سقوط أصدقائهم الدكتاتوريين فيما سقط فيه دكتاتور تونس، وليبيا، ومصر، واليمن. فصح عندنا أن إفشال أهداف الثورات في هذه البلدان كان وراءه من تحالفوا اليوم ضد اليمن، دفاعا عن مسمى المشروعية! ثم تبين بعد أزيد من ثلاث سنوات كيف أن سبعة ملايين من اليمنيين هجروا ويعانون من شدة الجوع والعطش وحرارة الشمس، ومن قساوة البرد والشتاء! ومن أمراض معدية قاتلة! إلى حد أن دولا غربية متحضرة -لا عربية مسلمة- تلتمس من الحلف العربي، ضد دولة عربية، أن ترفع الحصار عن الشعب المغلوب على أمره من طرف من يصح وصفهم بالغزاة المعتدين، لأنهم لا يملكون أي حق لمهاجمة شعب كان بالإمكان أن يحل مشاكله بيده؟ فأين إذن أنوار الإسلام في شبه جزيرة العرب؟

ونفس الحلفاء الذين قدموا في اعتدائهم على اليمن، وجها سيئا للعالم برمته، وجدناهم ينصبون العداء في محاولة منهم لإزاحة دولة قطر من طريقهم حتى لا تفسد عليهم “الجزيرة” ما يخططون له من تركيع الشعوب، بعيدا عن مبادئ الإسلام التي ضرب بها الأحلاف العرب ضد بعضهم البعض عرض الحائط؟ فأين إذن أنوار الإسلام التي أخرجت العرب والعجم من الظلمات إلى النور؟ إجابتنا تلخصها هذه المعادلة الغريبة: الإخوة أصبحوا أعداء!!! والأعداء أصبحوا إخوة!!!

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M