قراءة في كتاب: «المـاجريــات»

17 أكتوبر 2015 22:35
قراءة في كتاب: «المـاجريــات»

قراءة في كتاب: «المـاجريــات»

هوية بريس – فايز الزهراني

السبت 17 أكتوبر 2015

عنوان كتاب الشهر: الماجريات

المؤلف: الدكتور إبراهيم بن عمر السكران

عدد الصفحات: 344

تاريخ الإصدار: شعبان 1436/يونيو 2015

دار النشر: الحضارة

«بهرني هذا الكتاب ودرايته بكمائن النفوس وترياقها، وكأنه امتداد لما كتبه ابن الجوزي وابن القيم عن تلبيس الشيطان ومكايده».

«أحسب أن (الماجريات) حاجة تربوية ملحّة لا بدّ من مطالعتها للمبتدئ والمنتهي في مفازة التواصل الشبكي».

ما سبق هو شيء مما غرّد به فضيلة الشيخ عبد العزيز العبد اللطيف في (تويتر) يصف فيها كتاب (الماجريات) لمؤلفه الدكتور إبراهيم بن عمر السكران، والذي يقع في 344 صفحة من القطع المتوسط، دار الحضارة.

حين قرأتُ هاتين التغريدتين تعجبت من حالة (الانبهار) التي أصيب بها بها الشيخ العبد اللطيف، وقلت في نفسي: نعم، قلم الشيخ إبراهيم يبعث على الإعجاب والمتابعة، أما أن (تنبهر) قامة علمية سامقة مشهورة لا تزال عقولنا وأفهامنا عاكفة في محراب علمها وتوجيهها.. فهذا أعجب!

وظننت للوهلة الأولى أن لحظة (صوفية) استغرقَت فضيلة الشيخ العبد اللطيف في حين (سماع) قلبي لحديث إيماني أخّاذ تطرق له المؤلف، فشرعت في قراءة الكتاب (الماجريات) وأنهيت مقدماته والفصلين الأولين منه، فما وعيت إلا وقد جثت قواي الفكرية على ركبتيها خضوعاً بين يدي هذا الكتاب.

لم يكن فضيلة الشيخ العبد اللطيف مبالغاً -أبداً- في وصفه للكتاب! بل أجزم أنه لم تسعفه العبارة ولم تطاوعه الكلمة للتعبير عن حالة الانبهار التي أصابته وهو ينقِّل طرفه في صفحاته..

فكرة الكتاب

من المهم قبل البدء في إبراز فكرة الكتاب أن أورد -بتصرف- توضيح المؤلف لهذه المركّبة (الماجريات) فهي تعني الأحداث والوقائع والأخبار، حيث تولدت هذه اللفظة بأسلوب التركيب المزجي: فـ(الـ) للتعريف، و(ما) الموصولية بمعنى الذي، و(جرى) بمعنى وقع وحدث، وجمعت بالمؤنث السالم لتصبح: الماجرَيَات.

وهي كلمة استعملها المؤرخون والأدباء، وآل بها الأمر إلى أن أصبحت تعني عند علماء السلوك: اشتغال المرء بالأخبار والأحداث التي لا نفع فيها. قال ابن القيم رحمه الله: فإن بركة الرجل تعليمه للخير حيث حلّ، ونصحه لكل من اجتمع به… ومن خلا من هذا فقد خلا من البركة، ومحقت بركة لقائه؛ فإنه يضيع الوقت في الماجريات ويفسد القلب. اهـ.

الكتاب يتحدث بشكل عام عن مسألة الانشغال بـ(الماجريات) أي تتبع الأخبار والحوادث، وعالجها المؤلف معالجة تأصيلية شرعية نفسية، تمكّن فيها باقتدار من سبر أغوارها وتتبع مسالكها، مستدعياً الدلائل والشواهد المتنوعة.

وكان المؤلف في كل منعطفات (الماجريات) يدعو إلى إعادة التوازن في الانشغال بالماجريات، فهو كما يحذّر من الانهماك في الماجريات و(المتابعة المتفرجة) إلا أنه لم يدعُ أبداً إلى الانقطاع الكامل عن (الماجريات) كما نصّ مراراً على هذا. يقول: والمبهج في كل هذه التجارب الأربع أن أصحابها أكدوا في صيغ متنوعة أن مقصودهم (التوازن) وليس قطع العلاقة المباشرة مع الواقع والشأن العام. ص223.

مراتع الماجريات

في هذه الفقرة سأتناول بإيجاز تعريفاً لمباحث الكتاب وفصوله. فهو يتكون من مداخل مهمة وثلاثة فصول جواهر وتعقيبات.

• ثلاثة مداخل بديعة يمكنك الدخول منها لترتع في بساتين هذا السفر الخصيب.

المدخل الأول يحكي واقعاً صادقاً لتأثير الانهماك في التواصل الشبكي على تعثر المشاريع والبرامج العلمية لشريحة مهمة من القراء وطلاب العلم.

المدخل الثاني يوصف إشكالية الانهماك السياسي الذي أصاب بعض الكوادر العلمية والإصلاحية وتأثيره عليهم.

المدخل الثالث يلفت النظر إلى مشكلتين: ضعف الهمة وتسيّد التفكير الأفقي، واللذين أورثهما الانهماك في متابعة الأخبار والسجالات الفكرية خصوصاً عبر الهواتف الذكية.

ثم خطّ المؤلف حدوداً موضوعية لمعالجة المسألة مبتدئا بتحرير أساس الدراسة حيث وصف المشكلة بأنها: مغالاةٌ وإفراطٌ في أصلٍ صحيحٍ مطلوبٍ. وجاءت حدود مراد المؤلف ومقاصده كالآتي:

1. التمييز بين فقه الواقع والغرق في الواقع.

2. التمييز بين المتابعة المتفرجة والمتابعة المنتجة.

3. التمييز بين زمن التحصيل والمتابعة زمن العطاء.

4. التمييز بين توظيف الآلة والارتهان للآلة.

5. التمييز بين فصل السياسة ومرتبة السياسة.

• الفصل الأول جاء تأصيلاً لمسألة (الماجريات) من حيث البناء اللغوي اللساني، ومن حيث التعرض لرأي علماء السلوك فيها، حيث حذروا رحمهم الله من صحبة الماجرياتيين الذين ضاعت أوقاتهم فيما لا ينفعهم لا ديناً ولا دنياً. كما حذروا من تبديد الطاقة الذهنية التي وهبها الله للإنسان بقدر معيّن في هذه الماجريات، وبيّنوا أن التطلع إلى الكمال يقتضي البعد والهرب من هذه الماجريات، وأنها قد تكون من لهو الحديث الذي قال الله تعالى فيه: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم…) كما نص على ذلك شيخ التفسير ابن سعدي رحمه الله.

• الفصل الثاني عقده المؤلف بعنوان: الماجريات الشبكية. وهو ألماسة بين جواهر الكتاب. حيث تطرق المؤلف بتفصيل ممتع عن «اضطراب إدمان الإنترنتIAD » بشكله الطبي والتطور العلمي له.

ومنه، وببراعة ملفتة للانتباه، نفَذ المؤلف إلى تفاصيل دقيقة في هذا الباب مما يتلبس به الماجرياتيون -ولعي أحدهم- كالتصفح القسري والأعراض الانسحابية والهروب النفسي والتصفح الملثم والعمى الزمني وإدمان البيانات.

ثم تسلّل المؤلف إلى مظاهر أدق في هذا الباب كتسلسل التصفح والنبأ المتدحرج ومسلسل الخبر والتعليق والتعليق على التعليق.. واستطاع المؤلف أن يصف لحظات التسلسل وتأثير النظراء على استمراء هذه الحالة. وعرّج على المهاترات الشبكية وغيرها من الحيل النفسية التي نتلبس بها ونحن نتصفح ماجريات الشبكة.

• الفصل الثالث على طوله بالنسبة لسابقية يعتبر مجموعة من الشواهد الواقعية على نتيجة البحث: أهمية التوازن في متابعة الماجريات السياسية والانشغال بها، سواء كان ذلك في المضامين المفاهيمة أو في الأدوات والتقنيات. وتعرض لخمسة نماذج فذة: أبي الحسن الندوي، و د.عبد الوهاب المسيري، والبشير الإبراهيمي، ومالك بن نبي، و د.فريد الأنصاري. رحمهم الله.

يستعرض في كل نموذج سيرته المفيدة، ثم يتبعها بالشواهد والتحليلات لما كان عليه من توازن مثمر في هذه المسألة.

• حصائل وتعقيبات تعتبر خاتمة للكتاب يراجع فيها المؤلف مفاهيم الكتاب الرئيسية ويؤكد على فكرة (التوازن) في مسألة الماجريات.

جماليات

الكتاب من ألفه إلى يائه يبحث مسألة الماجريات ويعالج تفاصيلها، لكنك حين تقرؤه ستبهرك معالم الجمال في نواحيه، فهو في ناحية منه يعرض مسألة طبية «اضطراب إدمان الإنترنت» فتشعر أن بين يديك مقالة طبية من مجلة متخصصة، وفي ناحية أخرى منه يعرض لك خبايا نفوس الصالحين وطلبة العلم وهم يتابعون الماجريات عبر الهواتف الذكية وغيرها؛ فكأنك تقرأ فصلاً من كتاب تلبيس إبليس لابن الجوزي.

أما النماذج التي تعرض لسيرتها فيما أسماه (محيط النموذج) فقد كانت نوافذ تطل برأسك منها على تاريخ علمي ودعوي وفكري للحقبة التي عاشها هذا النموذج، بأسلوب متسلسل رائع، وهو مع هذا يملك طاقة تحليلية تسهّل عليك فهم كثير من المغلَقات.

وفي نواحي أخرى تلمس المناقشة الأصولية الدقيقة، كما أنه يضع يد القارئ على قلبه هو -أعني المؤلف- وأحاسيسه ببيان حلو المذاق.

نتيجة مهمة

الكتاب من وجهة نظري ليس مجرد مناقشة علمية وعقلية لمسألة الماجريات، بل هو برنامج عملي في إدارة الأفكار وإدارة الأوقات. وأرى أنه من الأهمية بمكان أن يقرأه المربون والمشرفون على الأنشطة الطلابية والشبابية بشكل خاص، ليعيدوا التوازن في الماجريات، ويضبطوا الاتزان لدى المجموعات الشبابية.

إن الجوال الذكي يعدّ اليوم سمة عصرية؛ ليس الشباب بمنأى عن الماجريات المضمنة فيه، وحين نستشرف المستقبل فإنه -أعني الجوال الذكي- سيكون أحد المعطيات الرئيسية في بناء الرؤية التربوية.

وهي دعوة لأن يكون هذا الكتاب (الماجريات) متطلباً عاماً لكل شاب دلف إلى المحاضن التربوية، طالباً أو معلماً أو مشرفاً بغضّ النظر عن آلية تسريب مفاهيمه لدى المستهدفين.

إنه إضافة تربوية قيّمة ومهمة في تهذيب النفوس وتزكيتها والمحافظة على طاقاتها من التبديد.

جزى الله فضيلة مؤلف الكتاب على ما قدمه خير الجزاء وأثابه أحسن الثواب.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M