ابن رشد يفتي الإمام بتأديب أمثال عيوش ممن يقصون العربية

12 نوفمبر 2013 16:50

د. محمد بولوز

هوية بريس – الثلاثاء 12 نونبر 2013م

ورد في فتاوى ابن رشد الجد الفقيه المالكي الكبير (1/545) أنه سئل رحمه الله “عمن قال: لا يحتاج إلى لسان العرب، فهل يلزمه شيء أم لا؟

فقال وفقه الله: هذا جاهل جدا لينصرف عن ذلك، وليتب منه، فإنه لا يصح شيء من أمور الديانة والإسلام إلا بلسان العرب، يقول تعالى: “وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين” (الشعراء:192-195).

فقال له السائل: إن قائل هذا القول ليس بجاهل، ولكنه ممن يقرأ الحديث والمسائل.

فقال أيده الله: وإن كان، فإن هذا منه جهل عظيم، يقال له: تب منه، وأقلع عنه، ولا يلزمه شيء إلا أن يرى أن ذلك منه لخبث منه في دينه أو نحو ذلك فيؤدبه الإمام على قوله ذلك بحسب ما يرى، فقد قال قولا عظيما. والله الموفق للصواب”.

وسئل أيضا (2/1429) عن رجل شهد عليه شاهد واحد أنه قال: “لعن الله العربية والذي أخرجها”، فقال ابن رشد: “وما ذكرت من أنه شهد عليه شاهد واحد، وفشا عنه في موضعه وقريته يوجب عليه الأدب إن ثبت ذلك عليه، وبالله تعالى التوفيق”.

ننتقل مباشرة من القرن السادس الهجري حيث الحكم بالتأديب لمن يمس حرمة العربية إلى ما يحاك ضد هذه اللغة العظيمة من مكايد في بلادنا، ومن آخر ما يحدث من ذلك، المذكرة التي رفعها نور الدين عيوش وزمرته إلى الدوائر العليا، ومن أبرز الملاحظات المسجلة عليها: ضربها لتعليم اللغة العربية الفصحى في منظومتنا التربوية وخصوصا في مراحلها الأساسية بحجة “ضبط اللغة المغربية”، والتي ليست عندهم سوى اللسان الدارج واللهجات المحلية في مختلف مناطق المغرب، ثم التمويه بعد ذلك بالقول: “مع الحرص على مد الجسور مع اللغة العربية الفصحى”، بل وتطرح المذكرة مشروع خلخلة هذه العربية الفصحى بإحداث لغة ثالثة هجينة بتوصية أوردوها في المذكرة تقول: “تطوير سريع للتعليم الهادف إلى تحقيق التقارب بين العربية المتداولة والعربية المكتوبة، في مدارس نموذجية، قبل الانتقال إلى تعميم التجربة”.

ومن ضرب العربية أيضا وجود توصية مبهمة ومحتملة والتي لن تفسر في الأغلب الأعم إلا  بحسب موازين القوى في الميدان والتي لا تزال مائلة للغة الفرنسية حيث تقول: “وضع حدّ للوضع الحالي الذي يقدم تعليم المواد العلمية باللغة العربية في التعليم الثانوي وباللغة الفرنسية في التعليم العالي. ينبغي تأمين استمرارية لغوية على مجمل برنامج التدريس من التعليم الثانوي إلى التعليم العالي” فظاهر التوصية يريد إزالة الوضع الحالي والذي يبدو أمرا جميلا، ولكن في أي اتجاه؟

فالتوصيات التي جاءت بعد هذه التوصية تفيد إمكانية اعتماد الانجليزية وخصوصا في الجانب العلمي والتقني إلا أن دون ذلك من الصعوبات الواقعية وغياب الإرادة الصادقة ما يجعل هذا الخيار مستبعدا على الأقل في المنظور القريب، والواقع الحالي للغة التدريس يفرض إما تعريب التعليم الحالي وهو المطلب الطبيعي إلا أنه تكتنفه بدوره صعوبات إضافة إلى غياب الإرادة الصادقة في ذلك عند معظم الفاعلين في الميدان، فيبقى الخيار الوارد لتنفيذ توصية عيوش وأصحابه هو العودة إلى فرنسة التعليم الثانوي لوجود تجربة سابقة للمدرسة المغربية الحديثة ولوجود لوبي فرانكفوني واقتصادي قوي ضاغط ويرجح هذه الكفة.

ولا تمنع هذه الملاحظة الجوهرية بطبيعة الحال من الاستفادة من مذكرة عيوش بخصوص بعض ما جاء فيها من نقط إيجابية تهم الحكامة والإشراك والتحديث وربط المؤسسة التعليمية بسوق الشغل وحسن التأهيل له ومسألة الانفتاح ونحو ذلك.

غير أن ما يهمني في هذه المقالة هو التركيز على ما يمس الهوية والثوابت، وكذا المسار الديموقراطي في تدبير المسألة التربوية والتعليمية أسوة بمختلف القطاعات المجتمعية، وأعتبر مما يمس هذا الملمح الأخير ما جاء في بداية التوصيات حيث أقصت المذكرة من البداية الحكومة على منهج تهريب المؤسسات المهمة والاستراتيجية عن الرقابة الحقيقية والمسلك الديموقراطي والمحاسبة الشعبية بحجة الاستمرارية والتخطيط بعيد المدى، فوجهت الخطاب للدولة وأشارت إلى النظام الملكي، وميثاق التربية والتكوين والمجلس الأعلى للتعليم، ثم قفزت إلى السلطة الجهوية.

كما وأن في المذكرة نوعا من التأسيس لضرب وحدة الوطن وتكافؤ فرص كافة المواطنين انطلاقا من اقتراح إحدى التوصيات التركيز على الأصل الجغرافي حيث جاء فيها: “وينبغي إعطاء عناية خاصة للأصل الجغرافي عند تعيين المدرسين”، ولا يقلل من خطورة التوصية قولهم في آخرها “مع الحرص على أن يتم التعيين بصورة منصفة”.

كما يؤخذ على المذكرة التوجس من نظام الكتاتيب حيث جاء في المذكرة بأن 67 في المائة من الأطفال موجودين “بمؤسسات تقليدية بدون مراقبة، مثل الكتاتيب” (وفي النسخة الفرنسية إشارة أيضا إلى لمسيد) إذا لم نقم بأي شيء، سيبلغ عدد الأطفال غير المدمجين في التعليم الأولي 11 مليون سنة 2030؛ بمعنى لا بد من التحرك السريع ولكن يبقى السؤال في أي اتجاه، وما تخفيه السطور مفهوم لمن يعرف توجه القوم وتصوراتهم. 

ولاشك أن تصريحات عيوش على هامش المذكرة يبين المقصود، فهل يتحرك الغيورون على لغة الضاد وثوابت البلاد كما كانت نخبة الأمة عبر تاريخها وعلى رأسهم العلماء من أمثال ابن رشد الفقيه وغيره، أم تراهم في نومهم يغطون وعلى هامش الحياة يسيرون؟   

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M