الدرس الاستراتيجي الإيراني

24 نوفمبر 2013 23:19
الدرس الاستراتيجي الإيراني

الدرس الاستراتيجي الإيراني

بدر الدين الخمالي

هوية بريس – الأحد 24 نونبر 2013م

مما لا شك فيه أن الاتفاق الغربي الإيراني الذي تم التوصل إليه يوم أمس بجنيف جعل “إسرائيل” والقوى الرجعية العربية الخليجية على الخصوص يسقط في أيديها ولا تعرف بما ابتليت به من نكسة وخيبة أمل كبيرة وسقوط الآمال التي كانت تعلقها على المفاوضات الغربية الإيرانية من أجل قصقصت الأجنحة الإيرانية وكبح جماح هيمنتها على المنطقة التي أصبحت ظاهرة للعيان في العراق وسوريا ولبنان.

 

النصر الدبلوماسي الذي حققته إيران في ملفها النووي لم يتأت إلا بفضل الاستراتيجية الناجحة التي اعتمدها النظام الإيراني في علاقته بالغرب واستثماره لما يجري بالمنطقة لفائدة توطيد مصالحه الاستراتيجية بدءا باستغلال حالة الفوضى التي تلت الاحتلال الأمريكي لأفغانستان ثم بعد ذلك احتلال العراق وسيطرة الفصائل الشيعية على الحكم فيه ودعمه المتواصل لحزب الله وللنظام السوري وتدخله المستمر في شؤون الدول الخليجية وتهديده المستمر “لإسرائيل” معتمدا في ذلك على الأقليات الشيعية في المنطقة وعلى جدية مشروعه النووي.

اللعبة السياسية التي لعبها النظام الإيراني بإتقان كبير وبتوازي مع الإصرار الرائع على تطوير برامجه النووية وترسانته العسكرية وتوطيد علاقاته بروسيا والصين ولعب الأوراق الإقليمية بحنكة، أثمرت الكسب الكبير الذي تم تحقيقه برفع العقوبات الاقتصادية في أمد ستة أشهر من بدء تطبيق الاتفاق، ونيل الدعم الغربي بأكثر من خمسة ملايير دولار تتعلق بمبيعات المواد النفطية والاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم بشكل محدد وحقها في التكنولوجيا النووية المعدة للاستخدام السلمي.

الدول الكبرى فكرت في مصالحها القومية وأمنها القومي بدرجة أولى أكثر من التفكير في مصالح الدول العربية الخليجية التي تعتبرها حليفة لها وأكثر من التفكير في تبني مقولات اليمين “الإسرائيلي” الذي يعتبر كل خطوة في اتجاه التقارب الإيراني الغربي هو مس صريح بأمنها ووجودها بحكم العداء الذي يؤطر علاقة إيران بالاحتلال الصهيوني.

بعض الأطروحات المتسرعة قبل سنتين وفي عز الانتشاء والهواجس التي صاحبت ثورات الربيع العربي كانت تصر على أن العلاقات بين الولايات المتحدة والحركات الإسلامية السنية خاصة جماعة الإخوان المسلمين ستدخل مرحلة السمن على العسل من أجل إيقاف المشروع الإيراني في المنطقة بحكم التوافق الحاصل على المستوى النظري بين الإيديولوجية الليبرالية والتصورات السياسية للإسلاميين المعتدلين الذين يقبلون باللعبة الديمقراطية وحقوق الإنسان والدولة المدنية وغيرها من محددات الانفتاح والاعتدال التي يسطرها القاموس السياسي الغربي.

كل ذلك ذهب أدراج الرياح وتبين بالملموس خطؤها الفادح في التنظير والاستشراف بعد الانقلاب الدموي العسكري في مصر الذي ساهمت وشاركت في الإعداد له القوى الرجعية العربية ماديا ولوجيستيا وسياسيا من أجل القضاء على مشروعية الطرح الإسلامي المعتدل الذي كان ينافسها على زعامة الدول السنية والذي ظهر جليا مع محمد مرسي سواء خلال القمة الإسلامية بطهران أو من خلال دعمه الكبير للثورة السورية وعلاقاته الوطيدة بحركة حماس.

كما ذهبت أدراج الرياح الطموحات السعودية في التموقع كقوة إقليمية عربية كبرى حليفة للولايات المتحدة في المنطقة مما كان سيساعدها على الوقوف أمام النزعات التوسعية الإيرانية في الخليج ومشاريع توسيع الهلال الشيعي الذي يهدد الأمن القومي السعودي واستقرارها الداخلي.

الاتفاق الغربي الإيراني كان متوقعا بل ونجزم بأنه كان معلوما بشكل مسبق لدى النظام السعودي وهو ما أدى به إلى رفض تولي منصب عضو غير دائم بمجلس الأمن احتجاجا على الولايات المتحدة الأمريكية وسعيها نحو تطبيع العلاقات مع الإيرانيين بعد انتخاب روحاني رئيسا جديدا للبلاد.

لذلك فالانتكاسة السعودية لا يوازيها سوى انتكاسة “الإسرائيليين” الذين راهنوا كثيرا على التغيرات “الجيو استراتيجية” في المنطقة لكي تخدم مصالحهم في ضمان ديمومة التفوق الاستراتيجي والقدرة الاستباقية في تشكيل منظومة الردع التي عرفت بدورها سقطات كارثية بالنسبة لهم بعد انتصار حزب الله في معركة تموز 2006 وبقاء بشار الاسد في السلطة لحد الساعة رغم المقاومة الشديدة التي تبديها المعارضة.

الدرس الإيراني درس مفيد جدا في تاريخ العلاقات الدولية بغض النظر عن اختلافنا وموقفنا من النظام الإيراني وتوجهاته الإيديولوجية والمذهبية لأنه يؤكد المقترب الواقعي والنظرية البرغماتية التي نظر لها هانس مورغن تاو بقوله (العلاقات الدولية في جوهرها ليست إلا علاقات قوة، ولا تخضع إلا لقانون واحد هو قانون المصالح القومية).

 

الدرس الإيراني كذلك ربما قد يكون مفيدا جدا للأنظمة الانبطاحية في المنطقة العربية لكي تعلم بان الانبطاح أمام الغرب إنما هو وجه من  أوجه الغباء الاستراتيجي المستحكم الذي تتمتع به  ويجعلها تتذيل بكل جدارة واستحقاق مؤخرة الأمم على الكرة الأرضية بالرغم من الثروات والموارد البشرية التي حباها الله بها، وبالرغم من كون أن الفرصة للنهوض ورفع الرأس التي وفرها الربيع العربي كانت جد مناسبة لكي تستلم القيادة من جديد وتشمر عن ساعد الجد في تطوير وتقدم بلدانها ولكن كيف يهدي قوما ختم الله على قلوبهم وأسماعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولازال المستقبل كفيل بأن يعري كل أوراق التوت عن  كوارثهم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M