ظاهرة الاغتصاب

01 فبراير 2014 22:10
ظاهرة الاغتصاب

ظاهرة الاغتصاب

استقالة الأسرة، وعجز المدرسة، واختلال في القيم في مواجهة مغامرة المراهقة

محمد احساين

هوية بريس – السبت 01 فبراير 2014م

وافق البرلمان المغربي الذي يتزعم أغلبيته الحزب الإسلامي على قانون تجريم الاغتصاب؛ حيث فلم يعد بإمكان المغتصب أن يجد مخرجا من الإفلات من العقاب بقبول زواجه من المغتصبة، وما يمكن استخلاصه هنا من إجماع المجلس التشريعي على ذلك هو كون المسائل والقضايا المجتمعية التي لم يرد بها نص قطعي هي مجال للمناقشة في إطار رعاية مصالح البلاد والعباد؛

وأن المجتمع لا يغضب ولا يتحرك إلا إذا انتهكت حرمات الله، ووقع التجرؤ على أحكامه القطعية، وهذا شيء جميل، وأجمل منه لو استحضر هذا المجلس، وكثير من الجمعيات المدافعة عن المغتصبات معاني الآيتين 2- 3 الواردتين في سورة النور عند قوله تعالى: “الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ” من أجل ترتيب العقوبة على كل الأطراف المسهمة والمشجعة بطريقة مباشرة وغير المباشرة في نشر الفاحشة والاغتصاب، واتخاذ مجموعة من الإجراءات الزاجرة للوقاية من الاغتصاب، باعتبار أن تجريم الفعل لا يمكن بحال من الأحوال أن يحد من ظاهرة الاغتصاب، خاصة وأن سجوننا غير مؤهلة للإصلاح، بل تزيد المجرم القابلية لحالات العود؛ حيث نرى كثيرا منهم بمجرد مغادرته يحاول الانتقام أو ارتكاب جرم أخطر من الأول للعودة إلى السجن… لهذا فالوقاية أفضل من العلاج، والبحث في الوقاية يتطلب دراسة الأسباب والحيثيات والدوافع وراء ارتكاب هذا الفعل الجرمي، ومحاولة الحد من مقدماته، والكف عن كل ما يشجع عليه، ورعاية ثقافة المجتمع وقيمه من خلال نشر قيم العفة بمفهومها الواسع والسعي من أجل مكافحة الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

  إننا نعيش اليوم على إيقاع متسارع لتفشي عدة ظواهر مجتمعية سلبية: العنف وانتشار المخدرات والقمار، واستفزاز المجتمع في أخلاقه وقيمه من خلال التعري والمجاهرة بإفطار رمضان، والاحتجاج بالقبلات أمام كل فئات الشعب صغيره وكبيره.. كما نشهد ظاهرة اغتصاب الفتيات والأطفال، وهي ظاهرة غريبة عن المجتمع المغربي الإسلامي الأمازيغي، المتسم بتمسكه بقيمه الدينية، وتقاليده وأعرافه الثقافية والاجتماعية… نجدها اليوم تنتشر أكثر بين شباب وشابات، غزت مجتمعنا في منازله ومدارسه، ونواديه وشوارعه، في بواديه وقراه، نتيجة كثرة الاختلاط، وعدم مراعاة آدابه وقيمه، خاصة في فترة المراهقة وما تتميز به من: نزعة نحو التمرّد، وصراع مع المحيط الأسري، وعدم انتظام العمل المدرسي، وميل إلى التشويش وإحداث الشغب، وعدم البوح بالأسرار إلى الوالدين، والكذب والسرقة أحيانا، وبروز الميولات الجنسية، والمبالغة في العناية بالمظهر الخارجي( مرحلة المرآة)؛ حيث يبني المراهق عالمه الخاص ويبدأ في البحث عن الاعتراف والسند، والاحتجاج على القيم العائلية والاجتماعية ورفضها، وتبني الأفكار الفلسفية والإيديولوجية، واتخاذ قدوة للتماهي والمحاكاة، وكثرة النقاش والجدل، ووضع كلّ القيم والمؤسسات موضع الشك والنقد والتصرّف على شاكلة الكبار وتغيرات واضحة في المزاج والسلوك، واللامبالاة والثورة تجاه المجتمع، وبروز النزوات الحادة والمضادة لقيمه…

ففي الوقت الذي نجد فيه شريعتنا السمحة تقيد كل الأنواع والسبل والعوامل المثيرة للغرائز والمؤدية إلى الاغتصاب، من تبرج وتحرش وإطلاق الحواس والجوارح فيما نهى الله عنه، وكثرة الاختلاط… وقاية لشاباتنا وشبابنا من الوقوع في مغامرة المراهقة وتجاوز ضغوطاتها، من خلال تنمية وترسيخ منظومة من القيم الأخلاقية الإسلامية الهادفة إلى تمنيع وتحصين المراهقين والمراهقات، وإكسابهم مبادئ وأخلاقيات لمدافعة تلك الضغوطات والإكراهات، وتجاوز فترة المراهقة بعفوية وسلاسة وبراءة، عبر التربية على العفة والقناعة والكرامة وعزة النفس واحترام المرأة أختا وبنتا وأما وزوجة… انطلاقا من مجموعة من النصوص مثل: قوله تعالى في سورة الإسراء آ 32: “ولا تقربوا الزنا، إنه كان فاحشة وساء سبيلا“، وقوله تعالى: “قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا۟ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُوا۟ فُرُوجَهُمْ ذَ‌ٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُل لِّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ، وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ…” (النور آ 30-31)، وقوله سبحانه: “وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ…” (النور 33)  وقوله صلى الله عيه وسلم فيما رواه عنه عبد الله بن عمر رضي الله عنه: “أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا” (سنن ابن ماجة، كتاب الفتن، باب العقوبات). وعن أبي هريرة رضي الله عنه مما أخرجه الحاكم في المستدرك. قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم،…”…

نجد في مقابل ذلك من يحاول السيطرة والتشويش على عقول وأفكار ناشئتنا من فكر علماني ليبرالي ذي توجه مخالف لقيم المجتمع الاعتقادية والأخلاقية والثقافية… بالتركيز على التشجيع على أقراص منع الحمل، والعازل الطبي الموضوع رهن إشارة الجميع على واجهة الصيدليات، والتشجيع على استعماله من طرف منظمات وجمعيات معينة، وكذا من خلال جعل المراهق يتماهى مع الصورة الإيجابية المقدمة له عن الحرية الفردية للمراهق، حريته في تفكيره وتبني قيمه، حريته في جسده وكيف يمكن التعاطي معه، حرية في الاختلاط وعدم تقييدها بأي نوع من الرقابة الذاتية أو الخارجية (رقابة الضمير – الدين – الأسرة – السلطة – القيم والأعراف…)؛ وتصريف تلك الأفكار والتوجهات على مستوى الكتب والمدونات والمواقع والقنوات الإعلامية، وكذا على مستوى الرياضة والفن والمسرح والسينما… حيث ظهر منا ومن أبناء جلدتنا من لا يجد حرجا في التعري على خشبة المسرح باعتباره إبداعا، ومن لا يخجل من نفسه وهو يصرح بأنه يشجع بناته على ممارسة الجنس في إطار الصداقة باعتبارها حرية شخصية…حتى أصبحنا نشاهد شبابا وشابات بين السطوح والشرفات، في زوايا الأزقة والطرقات، في المقاهي والحدائق والغابات… ليلا ونهارا، في خلوة تامة أحيانا، يمارسون حريتهم الفردية، دون حراسة أو معاكسة أو محاصرة لشرطة الأخلاق والآداب والقانون، وأحايين كثيرة مع الانتشاء بأنواع التدخين والمخدرات والأقراص… تحت شعارات ليبرالية: دعه يمر، دعه يمارس حريته، يمارس تجربته، يكتشف ذاته، يفعل ما يشاء وبمن شاء… إنه حر، وإنها حرة… لنقع في قول شاعرنا:

(نظرة فابتسامة فسلام — فكلام فموعد فلقاء)

فتبليغ عن الاغتصاب، أو التستر عن الإجهاض، أو الانتحار أو، أو، أو… فرفع للشعارات…

ولتكون النتيجة في النهاية ما نسمعه ونعيشه ونقرأه من كثرة الأجنة الملقاة على قارعة الشوارع ومطارح النفايات، وأمام المساجد والبيوتات، خوفا وتقية من وصمة العار، وتهربا من ثقل المسؤولية، كما نجد تحدي ظاهرة الإجهاض الذي يرتكب سرا أو الذي يراد له أن يكون علنا، ومع ذلك تسعى بعض الأصوات لفرض إباحته، ورفع كل القيود أمام ممارسته علانية. رغم الضمانات الشرعية والدستورية والقانونية… مما يجعل الحق في الحياة ما يزال معرضا للعديد من التحديات، إضافة إلى كثرة الأمهات العازبات اللائي قد يجدن من يساعدهن، ويخفف من معاناتهن، لتسهل عليهن عملية العود والاحتراف، ويشجع على تكثير الموارد والمريدين… كنتيجة طبيعية لظاهرة الاغتصاب، كما نلاحظ ازدياد عدد التبليغ عن المغتصبين؛ بل هناك من يتخذها وسيلة للشهرة أو الابتزاز أو دفع تهمة المشاركة… وهنا تختفي الحرية والإرادة والحق في التعبير والتصرف في الجسد والمشاركة والتشارك… ويكون المتهم الوحيد هو الشاب، الفتى، الرجل، الذكر الذي مارس الإكراه أو التغرير أو الإغراء… مما يتيح لهواة حقوق الإنسان والمرأة والقاصرات والاتجار بها، فرصة للركوب، وخير مورد لإفراغ حمولتهم القيمية ضدا على الأخلاق والدين والشرع والمشروعية، وروح الوطنية والمواطنة، ودعم ذلك بالاستقواء بالمنظمات والجهات الممولة؛ لإبراز جهودها واجتهادها، وتلميع صورتها أمامها، طلبا للمزيد من الدعم والامتيازات…

إنها في الحقيقة اختلال في الموازين والقيم، وقصور في المنظومة التربوية، واستقالة للأسرة، وغياب للوازع الديني والغيرة الوطنية، وتدافع قيمي، وإفراط في التماهي مع العولمة والكونية والبحث عن المواقع، وتفريط في الهوية والخصوصية؛ مما يطرح أكثر من تساؤل:

– كيف يمكن ترسيخ سبل ودعائم الوقاية من الاغتصاب، بدل استغلال نتائجه ومظاهره المسيئة للمجتمع والوطن وقيمه؟

– ألا يمكن تحميل الأسرة (الوالدين) مسؤولية تقصيرية عن مراقبة وتتبع أحوال القاصرين، والتواصل معهم، ومساعدتهم على ضبط سلوكهم ووقتهم ورغباتهم…؟

– ما دور المدرسة، والأسرة، والإعلام، وجمعيات المجتمع المدني، في الوقاية من الاغتصاب؟

– لماذا تعجز التشريعات والقوانين والمظاهرات والشعارات عن الحد من ظاهرة الاغتصاب؟

– كيف يمكن الموازنة بين ممارسة الحرية، والانضباط للقوانين والقيم والأخلاق؟

– ألا يمكن أن يكون الرجوع لشرع الله، من خلال التزام مبادئه وقيمه، في التواصل والتعارف والاختلاط والسلوك في الأسرة والمدرسة والشارع والإعلام والفن والرياضة… خير مرجع وملاذ لوقاية أبنائنا وبناتنا من مغامرة المراهقة؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M