مشايخ الصوفية من نكران الذات إلى العلو في الأرض بغير حق

18 أبريل 2014 19:59
مشايخ الصوفية من نكران الذات إلى العلو في الأرض بغير حق

مشايخ الصوفية من نكران الذات إلى العلو في الأرض بغير حق

أحمد الشقيري الديني

هوية بريس – الجمعة 18 أبريل 2014

من أركان التزكية عند علماء السلوك والصوفية : اتهام النفس وعدم تزكيتها والحذر من مجاراة هواها،وإصلاح أعطابها بالرياضة والمجاهدة،لأن تزكية النفس والرضا عنها يمنع التفتيش في عيوبها.

قال تعالى : (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد أقلح من زكاها وقد خاب من دساها).. وقال سبحانه: (ولا تزكوا أنفسكم، هو أعلم بمن اتقى).. وقال جل وعز: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى).. والنصوص في هذا المعنى كثيرة..

كان سادات القوم لا يقيمون لأنفسهم وزنا ولا يلتفتون للمداحين، كانوا لا يرون لهم حقا على الله ولا على عباده..ومنهم من كان يستحيي أن يسأل الله الجنة، ويكتفي بأن بستعيذ به من النار.

بل كان منهم من يعتقد أن البلاء الذي ينزل بالناس، إنما هو من وجوده بين أظهرهم، ولو مات لارتاح الناس.. وكان منهم من يستيقظ فيتحسس جسده خيشة أن يكون قد مسخ..وقصصهم من شدة الخوف مشهورة ومعروفة في كتب التراجم والطبقات.

ولهم في ذلك سلف صالح

فهذا سيدنا أبو بكر الصديق يقول: يا ليتني كنت شعرة في صدر مؤمن.

وهذا سيدنا عمر الفاروق يقول، وهو على فراش الموت: ليتني أخرج منها لا لي ولا علي، يعني خلافته للمسلمين، وذلك بعد ثناء الناس عليه في آخر أيامه، بعد أن طعنه المجوسي أبو لؤلؤة.

وهذه أمنا عائشة الصديقة بنت الصديق، لما اتهمها من اتهمها في عرضها، ونزلت براءتها في قرآن يتلى، تقول: (والله لنفسي أحقر عندي من أن ينزل في قرآن يتلى..وإنما كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يبرؤني الله عز وجل فيها).

لكن جاء بعد هؤلاء الذين كان سلفهم بذلك المقام من شدة الخوف واحتقار النفس، من نحت مصطلحات كلها تدور حول تعظيم النفس وتزكيتها، مثل:

الغوث، والقطب الرباني، والكبريت الأحمر.. وخاتم الأولياء.. إلخ..

وتنافسوا في تلك الادعاءات الفارغة، حتى زعم شيخهم الأكبر أن قدمه على عنق كل ولي من لدن آدم إلى أن تنتهي الدنيا ومن عليها.

وذهبوا أبعد من ذلك، فزعم بعضهم أنه يلتقي بالخضر صاحب موسى عليهما السلام ..  

وآخر يرى النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة، ويمده بالأوراد، أو يشرب معه فنجان شاي..أو يحضر عقد قرانه..

ثم جاء من يزعم أن جبريل عليه السلام والملائكة تحفه بأجنحتها..

قال تعالى: (يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين، ويقولون حجرا محجورا).

وبذلك أفسدوا على المسلمين نظام الاستدلال الذي بينه علماء الأصول، فجعلوا الذوق والكشف والإلهام، وحدثني قلبي عن ربي، وسمعت هاتفا، والتقيت الخضر، وأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم الورد في المنام أو في اليقظة..إلخ، فملأوا كتبهم بالأحاديث المكذوبة والخرافات والبدع.

التحول الخطير

السؤال الآن: كيف حصل هذا التحول الخطير، من الخوف من ذي الجلال واحتقار النفس في جنب الله عز وجل، والزهد في الدنيا، والتذلل للمؤمنين.. إلى تضخم الأنا وتعظيم الذات وتزكية النفس، والعلو في الأرض بغير الحق، واحتقار الناس، وحملهم على تقديس الولي المزعوم، وفرض العطايا والمنح والضرائب على العامة..؟؟؟

الذي حصل -والله أعلم- أن كبار الزهاد والمخلصين المنقطعين للعبادة، حصلت لهم، بعد مجاهدات عظيمة: كرامات..

لأن من خرق العادة التي عليها الناس من حب الدنيا واتباع الهوى وطاعة الشيطان، خرق الله له العادة بإلغاء الأسباب أحيانا، أو باستجابة الدعاء.. إلخ وهذا معنى الكرامة.. وقد كان نبي الله زكرياء عليه السلام يدخل على مريم البتول فيجد عندها في الصيف فاكهة الشتاء، وفي الشتاء فاكهة الصيف، فيقول لها “أنى لك هذا؟ قالت هو من عند الله”.

وخرق العادة ليس خاصا بها أو بغيرها، بل هي في حق الأنبياء تسمى معجزة، وفي حق الأولياء تسمى كرامة، وإن كان الفرق بينهما معروف..لكن ليس هذا موضع بحثنا.

الذي يهمنا الآن أن الناس لما رأوا أحوال أولئك العباد الزهاد، وما هم عليه من كرامات ربانية، عظموهم، واجتهدوا في التقرب إليهم بشتى القربات طلبا للبركة أو الدعاء أو الاستشفاء، ثم ما لبثوا أن اتخذوهم وسائط بينهم وبين الله، حتى بعد مماتهم..

فزاروا قبورهم وأوقدوا عليها الشموع، وقدموا العطايا والمنح وذبحوا القرابين عند أعتابهم، متوسلين بجاههم عند الله، أن يكشف همهم ويفرج كربهم ويشفي مرضاهم ويزيدهم من فضله.

بل إن رجال السلطة في كل عصر كانوا يتقربون من هؤلاء تعظيما لمقامهم عند الله، وأحيانا خوفا منهم، لمكانتهم في نفوس العامة.

والنتيجة أن “مقام الولاية” أضحى مركزا كبيرا في المجتمع يتشوف إليه حتى المدعون، باعتباره جزءاً من السلطة ومركزا ماديا يدر الأموال والهبات والعطايا، ليس على الولي فحسب، بل أيضا على أقربائه وعشيرته، وأحيانا القبيلة التي ينحدر منها.

لكن لما كان مقام الولاية لا يحصل إلا بالمجاهدة والعبادة المتواصلة والزهد في الدنيا، وخدمة الناس دون مقابل… لم يبق لمن يروم الاستفادة من نتائجها الدنيوية -وهو كسول- إلا الادعاء أو “الوراثة”.. فيشغل مريديه من أجل الدعاية الكاذبة له بأنه الكبريت الأحمر والولي وقطب الزمان والغوث.. وكل تلك الألقاب الفضفاضة، من أجل سرقة الناس، كما كان سلفهم يشترون بآيات الله ثمنا قليلا.

وقد كثر المدعون للولاية، خصوصا بعد ظهور الطرق والزوايا، وظهرت المنافسة بين “الأولياء” المزعومين في عصور الانحطاط.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

لا يمكن أن نواجه الفساد والاستبداد، في حين نغض الطرف عن فساد واستبداد الزوايا التي تسيطر على أرواح العامة، وتسرق أموالهم.

فقد عادت الزاوية إلى موقعها المركزي في مجتمعاتنا المتخلفة، بدعم من الدول العظمى التي ترى فيها بديلا عن الديمقراطية، وحصنا في مواجهة السلفية الجهادية.. وهي مستعصية عن التجديد، إلا بثورة علمية أو إدماجها في منظومة التحديث.. وإلا فلننتظر جيلا من الخرافيين ينتشر بين أظهرنا في العقود القليلة المقبلة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M