«التعدد».. ليس السنة الوحيدة المهجورة

16 سبتمبر 2014 15:17
wscript.exe

«التعدد».. ليس السنة الوحيدة المهجورة

نجاة حمص

هوية بريس – الثلاثاء 16 شتنبر 2014

لعلي ككل أمة في أمة محمد والتي تعمل بشعار: سمعنا وأطعنا، أرى أن موضوع التعدد كالصلاة، كل جاء من فوق سبع سماوات، وكما أن هناك من عليه مراجعة أدائه للصلاة: “ارجع فصلّ فإنك لم تصل“، فهناك من يرد عليه ويقال: “أعد النظر في تطبيقك للتعدد!!

حليته أو جوازه غير قابلين للنقاش أو الجدال، اللهم إلا ممن قوائمه في الأرض ويعوي على المزن في السماء، إلا أنني من خلال مناقشة مع بعض الذين يعارضون التعدد خرجت بخلاصة أن هؤلاء يبدون اعتراضهم على التعدد لما يرونه من بعض من يلجأ للتعدد وليس اعتراضهم على خيار التعدد الذي شرعه الله عز وجل بشروط محددة وصارمة، يعني أن اعتراضهم على تطبيق التعدد وليس على التنزيل والتشريع..

وفعلا إذا نزلنا لأرض الواقع ودققنا في حالات التعدد، نجد أن من يلجأ لهذه السنة يجهل شروطها جهلا تاما، فالتعدد بالنسبة إليه لا يعدو أن يكون سببا للتملص من “أم العيال”، فلا عدل في المبيت والاهتمام ولا التزام بالنفقة والإنفاق، كما أن الزوجة الأولى تركن من أجل الإخصاب والتفريخ وتربية حيوانته المنوية، بينما باقي الزوجات للفرفشة والدلع، لليالي الملاح والسهر المباح..

من خلال هذا المقال أردت لفت أنظار السادة الكرام الذين يلجئون إلى التعدد بحجة: “إحياء السنن المهجورة”، فأقول: بأن التعدد ليس السنة الوحيدة المهجورة، وحال معظم من يتزوج على زوجته هو كحال ذلك الذي لا يقيم الصلاة ولا يعرف اتجاه القبلة، ثم يعلن حالة الاستنفار في البيت بحثا عن “نص الدين” وكأن النصف الآخر قد تحقق فعلا ولا ينقص وصوله للكمال إلا الزواج..

فأقول لمن يسعى جاهدا لإحياء السنن المهجورة:

من منكم يكون في مهنة أهله فيساعد في أعمال البيت، أو يعفي زوجته من أشغاله فيخيط ثوبه ويقوم بشأنه، وكلكم يعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حينما يدخل لبيته يكون في مهنة أهله، فيساعد قدر ما استطاع..؟!!

من منكم يساعد أهله ويتحمل عنها المشقة والعناء؟!!

من منكم يحمل عنها ما ثقل تحقيقا لمبدأ المودة والرحمة؟!!

 فما نراه هو رمي كل المسؤولية على عاتق “القوارير” والتنصل من مسؤولية البيت والأبناء، حتى أننا صرنا نتعجب إذا رأينا زوجين يتمشيان جنبا إلى جنب، فغالبا ما نرى الرجل يتقدم على زوجته بعدة أمتار واضعا يديه في جيبه، بينما المرأة “تتعكل” في ملابسها الطويلة، “تتضارب” مع كيس المشتريات، تحمل طفلا وتجر آخرين وبطنها يفصح عن “اللي جاي فالطريق”، فالأخ الفاضل يطبق حديث “عليكم بالولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم“، فيمنع عن زوجته حبوب منع الحمل، وحبوب منع الفهم..

من منكم يهتم بما تحبه زوجته، ويسعى للترويح عنها؟!! وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمل أمنا عائشة لترى لعب الأحباش في المسجد، ولو طلبت ذلك امرأة في عصرنا لاتهمت بأن “عينها زايغة” تحب رؤية الرجال، هذا طبعا بعد جلسات نقاش ساخنة يتخللها الصفع والضرب بما خف ثمنه وثقل وزنه، بوازع تربية المرأة الناشز، في تجاهل تام لما يردده علماء الأمة الربانيين الضليعين في علم الاستقراء، من أن الضرب المراد في القرآن الكريم يكون بالمسواك أو بطرف الثوب..

من منكم يدلع زوجته ويناديها بأحب الأسماء والأوصاف إلى قلبها كما كان النبي الكريم ينادي أمنا عائشة بـ”الحميراء” و”يا عائش”؟!! فما نراه هو نسيان البعض لأسماء زوجاتهن حتى إذا عجز عن تذكر اسمها ناداها بـ”هاديك” أو “آآآآ سميتك”، بل إن فيهم من يرى أن مخاطبة الزوجة باسمها الشخصي “حشومة”..

من منكم يلاعب مع زوجته ويسابقها وتسابقه؟!! فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول للركب المرافق له أن تقدم، حتى يتمكن من مسابقة زوجته ، فتراه يضحك ملء فاه الكريم إذا غلب ويبتسم برفق إذا غُلب..

من منكم يتسنن بخلق النبي صلى الله عليه وسلم؟!! فلا يعيب ما طبخت زوجته، حتى إذا لم يعجبه شيء أمسك عن الأكل دون أن يؤذي مشاعر من تحملت مشقة الطبخ والنفخ، بل من منكم يعذر زوجته وأمنا عائشة كانت تنام عن العجين فتأتي الداجن وتأكله، ورغم ذلك لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يؤنبها أو يعاتبها بل يتفهم ما قد يشغلها وينسيها فيما فسد عن غير قصد منها رضي الله عنها وعن أبيها..

من منكم يتحمل أن تخاصمه زوجته وتناقشه وتتجادل معه؟!! دون أن “يرضخها” مع أقرب جدار، وأمنا عائشة كانت تخاصم النبي صلى الله عليه وسلم، وتهجر اسمه، تتجادل معه وتناقشه حتى أن سيدنا أبا بكر رضي الله عنه كان يحاول تأديبها وضربها لما يراه من تصرفاتها مع زوجها الكريم، ورغم ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يدافع عنها ويخفيها وراءه حتى لا تطالها يد أبي بكر رضي الله عنه، وما هي إلا لحظات ويتصالحان فترتفع ضحكاتهما..

من منكم يصحب زوجته في السفر ويتسامر معها طوال الرحلة؟!! وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا هم بالسفر يقرع بين زوجاته ثم يسير وهو يتبادل الحديث مع من كان من نصيبها السفر، فما نراه هو أن كل من يسافر لمنطقة ما يسارع إلى التعدد كأول حل يتبادر إلى ذهنه المبجل، درء للفتنة “زعما” حتى أن البعض أصبحت له بكل مدينة زوجة، يصول ويجول طولا وعرضا مجسدا شهريار العصر وسندباده، أينما حل وارتحل ينثر زريعته..

من منكم يسمح لزوجته بالضحك والمزاح، بل ويضحك معها ويتمازح ولا يرى حرجا من أن تبدي الزوجة جانبها الطفولي؟!! وقد روي عن عائشة أم المؤمنين قولها: “زارتنا سودة يوماً، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينها، إحدى رجليه في حجري، والأخرى في حجرها، فعملت له حريرة … فقلت: كُلي، فأبت.

فقلت: لتأكلي أو لألطخن وجهك فأبت، فأخذتُ من القصعة شيئاً فلطخت به وجهها، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجله من حجرها تستقيد مني، فأخذت من القصعة شيئاً فلطختْ به وجهي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك…”.

بل ومن منكم يحكي لزوجته الطرف والأخبار الاجتماعية كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم؟!! فغالب ما نسمعه عن البعل المبجل لا يتعدى الشخير و”النكير”.. لا غير، حتى إذا قال “اشنو ندير”، قال: “التعدد”..

من منكم لا يلذ له طعام دون أن تشاركه فيه زوجته، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم والذي كان لا يخص نفسه بطعام طيب دون من يحبها ويهيم في هواها؟!! وذلك من جميل المعاشرة وحسن المصاحبة وآداب المجالسة..

التعدد حق يراد به في أحيان كثيرة باطل، وإلا فما معنى أن تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة لرجل أعمال في فيلا أنيقة مع زوجاته وأبنائه، فيهرع من يسكن في غرفة مع الجيران إلى نكاح المثنى والثلاث والرباع، فالتعدد ليس من حق من هبّ ودبّ..

والحاصل أن الموضوع يستلزم عدة مقالات وهناك الكثير مما يقال فيما يخص السنن المهجورة، لاسيما تلك المتعلقة بالحياة الزوجية، فليس التعدد هو الشيء الوحيد الذي يجب على الزوج التفكير فيه، ومن لم يستطع أن يخلق أسباب السعادة مع الزوجة الأولى فلن يمكنه ذلك لا مع الثانية ولا مع الثالثة، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M