أنواع الموارد الجبائية في النظام المالي الإسلامي (ج3)

18 سبتمبر 2014 18:43
أنواع الموارد الجبائية في النظام المالي الإسلامي (ج3)

أنواع الموارد الجبائية في النظام المالي الإسلامي (ج3)

إبراهيم بوحمرة

هوية بريس – الخميس 18 شتنبر 2014

(تتمة مقال: النظام الجبائي المالي في الإسلام)

تعتبر الموارد الجبائية الإسلامية دعامة النظام المالي الإسلامي والمورد الرئيسي لبيت المال، وهي تتميز بتنوع وتعدد أساليبها وأنظمتها ووسائلها، إذ نجد التنوع في الموارد المالية من أنها تجبى عينا ونقدا من المكلفين، وكذلك تفرض على جميع صور وأنواع الأموال، وقد أدى اتساع الدولة الإسلامية وزيادة مواردها المالية إلى تفكير الخليفة الراشد عمر بن الخطاب في إنشاء جهاز إداري مالي يسعى لحفظ موارد الدولة، وتنظيم توزيعها، بحيث يضمن للدولة استقرارا ماليا على المدى البعيد.

وتنقسم الموارد الجبائية في النظام المالي الإسلامي إلى قسمين: موارد جبائية دورية وثابتة وعلى رأسها فريضة الزكاة، وموارد جبائية غير دورية وغير ثابتة.

أولا: الزكاة: المورد الرئيس ضمن الموارد الجبائية الدورية والثابتة

لا شك أن المورد الرئيسي لبيت مال المسلمين والذي عماد النظام الاقتصادي المالي في الإسلام، هو مورد الزكاة، وقد أوجبها الله على عباده المسلمين المكلفين، ووجوبها محل استقطاعها؛ أي أنها من العباد للعباد يثاب مؤديها ويأثم مانعها، وهي من واجبات الإيمان، إذ لا يتم، ولا يصلح إلا بأدائها[1]، فضلا عن كونها فريضة إلهية فرضها القرآن الكريم وحددت السنة النبوية مقاديرها ونسبها ومصارفها وكل ما يتعلق بها.

ثانيا: مفهوم الزكاة وأحكامها في التشريع الإسلامي

1- تعريف الزكاة في اللغة والاصطلاح الشرعي

– تعريفها في اللغة:

– قال صاحب المقاييس «زكا: الزاي والكاف والحرف المعتل أصل يدل على نماء وزيادة»[2].

وقال ابن منظور: «وأصل الزكاة في اللغة الطهارة والنماء والبركة»[3]، في مختار الصحاح للرازي «زكا الزرع يزكو… أي نما»[4]، «الزكاة صفوة الشيء، وما أخرجته من مالك لتطهره به»[5].

ومما سبق يتبين أن مدار لفظ الزكاة في المعنى اللغوي يدل على النماء والزيادة والبركة والصلاح والطهارة.

– تعريفها في الاصطلاح الشرعي:

عرفها الحنفية بأنها «اسم لفعل أداء حق يجب للمال يعتبر في وجوبه الحول والنصاب»[6]، عرفها الشافعية بأنها: «اسم لما يخرج عن مال أو بدن على وجه مخصوص»[7]، وعند المالكية «إخراج جزء مخصوص من مال مخصوص بلغ نصابا لمستحقه»[8]، وعرفها الحنابلة بأنها «حظ واجب في مال مخصوص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص»[9].

من خلال التعاريف التي أوردها فقهاء المذاهب نستنتج بأن الزكاة شرعا حق يجب في المال كما قرر ابن قدامى بقوله: «وهي في الشريعة حق يجب في المال فعند إطلاق لفظها في موارد الشريعة ينصرف إلى ذلك»[10].

2- حكمها الشرعي:

أنها فريضة «والدليل على فرضيتها، الكتاب والسنة والإجماع والمعقول»[11]).

أما الكتاب فقوله تعالى: ]خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم[(التوبة:104).

يقول أبو بكر بن العربي في تفسير الآية «والأظهر أنها صدقة الفرض»[12]، وقال القرطبي في قوله تعالى: ]خذ من أموالهم صدقة[، «مطلق غير مقيد بشرط في المأخوذ والمأخوذ منه… فتؤخذ الزكاة من جميع الأموال»[13].

وهذا خطاب من الله سبحانه وتعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ولمن يأتي بعده من الولاة بجمع الزكاة من أموال المكلفين، بل عدها بعض الفقهاء رحمهم الله من وظائف الدولة الواجبة عليها[14]، وأن المكلفين بها مطالبون بدفعها للدولة[15].

وقد تكررت كلمة الزكاة في القرآن الكريم ثلاثين مرة، ذكرت في سبع وعشرين مرة منها مقترنة بالصلاة في آية واحدة[16].

وأما السنة فلقول النبي صلى الله عليه وسلمللأعرابي الذي قال له دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال: «تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان»[17]، قال الحافظ ابن حجر: «عبّر عن الزكاة بالمفروضة للاحتراز عن صدقة التطوع»[18].

وأما الإجماع، فلأن الأمة أجمعت على فرضيتها[19].

وأما المعقول فمن وجوه:

أحدها: أن أداء الزكاة من باب إعانة الضعيف، وإغاثة اللهيف، وإقدار العاجز وتقويته على أداء ما افترض الله عز وجل عليه من التوحيد والعبادات، والوسيلة إلى أداء المفروض[20].

والثاني: أن الزكاة تطهر نفس المؤدي من أنجاس الذنوب، وتزكي أخلاقه بتخلق الجود والكرم، وترك الشح والضن، إذ الأنفس مجبولة على الضن بالمال فتتعود السماحة وترتاض لأداء الأمانات، وإيصال الحقوق إلى مستحقيها[21].

والثالث: أن الله تعالى قد أنعم على الأغنياء وفضلهم بصنوف النعمة، والأموال الفاضلة عن الحوائج الأصلية… وشكر النعمة فرض عقلا وشرعا وأداء الزكاة إلى الفقير من باب شكر النعمة[22].

3- أحكام وجوب الزكاة:

تجب بالاتفاق على الحر المسلم البالغ العاقل إذا ملك نصابا ملكا تاما وحال عليه الحول، وتصح بالنية المقارنة للأداء اتفاقا[23]، وقال الدكتور يوسف القرضاوي: «أجمع علماء الإسلام على أن الزكاة تجب على المسلم البالغ العاقل الحر، المالك لنصابها المخصوص بشرائطه»[24]، واختلف الفقهاء في مال الصبي والمجنون: هل تجب فيه الزكاة أم لا تجب حتى يبلغ الصبي ويعقل المجنون؟

عند الحنفية البلوغ والعقل شرط، فلا زكاة على صبي ومجنون في مالهما لأنهما غير مخاطبين بأداء العبادة كالصلاة والصوم، وقال الجمهور لا يشترطان وتجب الزكاة في مال الصبي والمجنون[25].

واستند المالكية في وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون إلى حديث الإمام مالك في الموطأ أن عمر رضي الله عنه قال «اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة»[26].

ثالثا: أهم الأموال التي تجب فيها الزكاة

1- زكاة الثروة النقدية:

 وتشمل الذهب والفضة والنقود المعدنية والورقية المتداولة.

وتجب الزكاة في الذهب إذا بلغ نصابه عشرون مثقالا «والمثقال هو الدينار الشرعي، ووزنه 4,25 جرام فيكون نصاب الذهب 85 جراما».

ففي الموطأ قال يحيى قال مالك: «السنة التي لا اختلاف فيها عندنا أن الزكاة تجب في عشرين دينارا، كما تجب في مائتي درهم»[27].

كما تجب الزكاة في الفضة ونصابها مائتا درهم، والدرهم وزنه ثلاثة جرامات تقريبا فيكون نصاب الفضة ستمائة جرام[28]، والدليل على ذلك ما جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة والأوقية تزن أربعين درهما»[29]*.

2- زكاة الأنعـام:

وتشمل الإبل والبقر والغنم: فأما الإبل فلا زكاة فيها حتى تبلغ خمسا «فإذا ملك خمسا من الإبل فأسامها أكثر السنة ففيها شاة»[30]، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة»[31]، فإذا زادت على ذلك فيجب في كل خمس من الإبل شاة حتى تبلغ أربعا وعشرين[32].

وأما البقر فإذا بلغت ثلاثين سائمة ففيها تبيع، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة وهي ما أكملت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة. وأما الغنم فلا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين سائمة وحال فيها الحول ففيها شاة[33].

3- زكاة الحرث:

الأصل فيها الكتاب والسنة، فأما الكتاب فقول الله تعالى: ]وآتوا حقه يوم حصاده[(الأنعام:142). قال ابن عباس حقه الزكاة المفروضة، وقال مرة العشر ونصف العشر[34]، ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» [35]، اختلفت المذاهب في زكاة الحرث اختلافا بينا:

يقول ابن جزي الغرناطي فيما تجب فيه زكاة الحرث «فإن ما تنبته الأرض ثلاثة أنواع:

– الحبوب: فتجب الزكاة في القمح والشعير إجماعا، وفي سائر الحبوب التي تقتات وتدخر عند الجمهور.

– والثاني الثمار: فتجب في التمر والزبيب إجماعا، وفي الزيتون خلافا للشافعي، ولا تجب في الفواكه كالتفاح والرمان خلافا لأبي حنيفة…

– والثالث الخضروات والبقول: فلا زكاة فيها خلافا لأبي حنيفة[36]*.

4- زكاة عروض التجارة:

وهي ما سوى النقدين (الدراهم الفضية والدنانير الذهبية) من الأمتعة والعقارات والزروع والثياب ونحو ذلك مما لا يدخلها كيل ولا وزن، والتي أعدت للتجارة، وتجب الزكاة في قيمة هذه العروض إذا بلغت قيمتها نصاب الذهب أو الفضة لا في عينها، ويدخل فيها عند المالكية الحلي الذي اتخذ للتجارة، والعقار الذي يتجر فيه صاحبه بالبيع والشراء وحكمه بالاتفاق حكم السلع التجارية.

أما العقار الذي يسكنه صاحبه أو يكون مقرا لعمله كمحل للتجارة ومكان للصناعة فلا زكاة فيه[37]، وحكمها الوجوب كما قال النووي: «والصواب الجزم بالوجوب وبه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين والفقهاء بعدهم أجمعين»[38]*.

5- زكاة المعادن والركاز:

المعدن: هو ما يستخرج من باطن الأرض من الذهب والفضة، واختلفوا في صرف المعدن، فقال أبو حنيفة: مصرفه مصرف الفيء إن وجده في أرض الخراج أو العشر، وإن وجده في داره فهو له، ولا شيء عليه، وقال مالك وأحمد: مصرفه مصرف الفيء، وقال الشافعي مصرفه مصرف الزكاة[39].

الركاز: هو الكنز ويختلف باختلاف الأرض التي وجد فيها[40]، أما مصرف الركاز (وهو دفين الجاهلية من الذهب والفضة)، فعند أبي حنيفة كالمعدن، وعند الشافعي: يصرف مصرف الزكاة، وعن أحمد روايتان إحداهما كالفيء، والأخرى كالزكاة. وقال مالك هو كالغنائم والجزية يجتهد فيها الإمام حسب المصلحة[41].

والواجب في المعدن الزكاة وفي ربع العشر إن كان نصابا، فإن كان دون النصاب فلا شيء فيه… ولا حول في زكاة المعدن، بل يزكى لوقته كالزرع، خلافا للشافعي، وقال أبو حنيفة: في المعدن الخمس وهو عنده ركاز سواء كان ذهبا أو فضة أو غير ذلك[42]*.



[1] “موقع الزكاة من الضريبة في الاقتصاد الإسلامي” للدكتور غازي عناية (ص:38).

[2] “معجم المقاييس” لابن فارس (1/529).

[3] “لسان العرب” لابن منظور (7/46).

[4] “مختار الصحاح” للرازي (ص:157).

[5] “القاموس المحيط” لفيروزآبادي (4/321).

[6] “بدائع الصنائع” للكاساني(2/371).

[7] المصدر نفسه.

[8] المصدر نفسه.

[9] المصدر نفسه.

[10] “المغني” لابن قدامة (3/335).

[11] “بدائع الصنائع” للكاساني (2/371).

[12] “أحكام القرآن” لابن العربي (2/470).

[13] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (4/565).

[14] “الأحكام السلطانية” للماوردي (ص:133).

[15] كتاب الأموال لأبي عبيد، (ص:580).

[16] المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لفؤاد عبد الباقي، (ص:406-407).

[17] “صحيح البخاري كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة” (1/331).

[18] “فتح الباري” للحافظ بن حجر (4/207).

[19] “بدائع الصنائع” للكاساني (2/373).

[20] المصدر نفسه.

[21] المصدر نفسه.

[22] “بدائع الصنائع” للكاساني (2/ 373).

[23] “الفقه الإسلامي وأدلته” لوهبة الزحيلي (2/649).

[24] “فقه الزكاة” للدكتور القرضاوي (ص:78).

[25] “بدائع الصنائع” للكاساني (2/378)، و”الفقه الإسلامي وأدلته” لوهبة الزحيلي (2/651).

[26] الموطأ للإمام مالك، كتاب الزكاة: باب زكاة أموال اليتامى والتجارة لهم فيها (2/353).

[27] الموطأ للإمام مالك، كتاب الزكاة: باب الزكاة في العين من الذهب والورق (2/345).

[28] “مدونة الفقه المالكي وأدلته” للغرياني (2/21).

[29] صحيح البخاري، كتاب الزكاة: باب زكاة الورق (1/344).

لمزيد من التفصيل في زكاة الثروة النقدية انظر “الفقه الإسلامي وأدلته” لوهبة الزحيلي ج ص إلى(2/668-680)، و”الفقه على المذاهب الأربعة” لعبد الرحمان الجزري، زكاة الذهب والفضة، (ص:339)، و”زكاة الأوراق المالية” (ص:341).

[30] “المغني” لابن قدامة (3/345).

[31] صحيح البخاري، كتاب الزكاة: باب ليس فيما دون خمس ذود صدقة (1/347).

[32] مدونة الفقه المالكي للغرياني: (2/27)

[33] لمزيد من التفصيل في زكاة الأنعام انظر “نيل الأوطار” للشوكاني، باب صدقة المواشي ( 8/43-71).

[34] “المغني” لابن قدامة:(3/466).

[35] صحيح البخاري، كتاب الزكاة: باب زكاة الورق ج ص:(1/344).

[36] “القوانين الفقهية” لابن جزي، (ص:128و129).

* لمزيد من التفصيل في زكاة الحرث انظر “بدائع الصنائع” للكساني ج ص إلى (2/520-493)، و”بداية المجتهد” لابن رشد في زكاة الحبوب والثمار ج ص إلى ( 2/522-528).

[37] “بدائع الصنائع للكاساني” (2/415) ، و”الفقه الإسلامي وأدلته” (2/707).

[38] “المجموع شرح المهذب” للنووي (7/93).

لمزيد من التفصيل في زكاة عروض التجارة انظر الفقه على المذاهب الأربعة لعبد الرحمان الجزري زكاة عروض التجارة (ص:342 إلى 344)، و”الفقه الإسلامي وأدلته” لوهبة الزحيلي؛ مطلب زكاة عروض التجارة (ص:706 إلى 716).

[39] “بداية المجتهد ونهاية المقتصد” لابن رشد القرطبي (2/532).

[40] “القوانين الفقهية” لابن جزي (ص:125).

[41]) “بداية المجتهد ونهاية المقتصد” لابن رشد القرطبي (ص:532).

[42] “القوانين الفقهية” لابن جزي (ص:125).

(*) لمزيد من التفصيل في زكاة المعادن والركاز انظر “الفقه الإسلامي وأدلته” لوهبة الزحيلي مطلب زكاة المعادن والركاز: (2/696-706).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M