سياسة التعريب بين الملك الحسن الثاني والمفكر إدريس الكتاني

11 نوفمبر 2014 14:43
سياسة التعريب بين الملك الحسن الثاني والمفكر إدريس الكتاني

سياسة التعريب بين الملك الحسن الثاني والمفكر إدريس الكتاني

هوية بريس – إعداد: نبيل غزال

الثلاثاء 11 نونبر 2014

شغلت قضية التعريب بالَ حكام وعلماء ومفكرين بارزين في المغرب؛ وكان هذا الموضوع -ولازال- موضوع نقاش حاد بينهم وذلك لما له من انعكاسات خطيرة على مجالات حساسة أهمها قطاع التعليم.

ويحكي لنا الدكتور إدريس الكتاني في الملف الرابع من (ملفات وثائقية في تاريخ المغرب العربي الإسلامي المعاصر)؛ جانبا من هذا النقاش الذي جاء مباشرة عقب خروج جيوش الاحتلال الفرنسي من المغرب.

وقال الدكتور إدريس الكتاني في الملف الرابع: (ازدواجية لغة التعليم الأساسي أخطر عمليات الاختراق الاستعماري لمقومات الشعب المغربي المسلم): إن أخطر معركة واجهها الشعب المغربي مع الاستعمار الفرنسي؛ بعد الإعلان الرسمي عن الاستقلال 1956؛ تتمثل في المطالبة بتغيير نظام التعليم الاستعماري الصليبي الذي رغم مرور 7 سنوات على استقلال المغرب لا يزال فارضا وجوده بقوة.

وحكى لنا في هذه الوثيقة قصة وقعت له مع الملك الراحل الحسن الثاني بخصوص قضية التعريب؛ جاء فيها:

«وكان وزير التربية الوطنية في هذه السنة -1963م- هو الطبيب الدكتور يوسف بن العباس الذي سبق أن عين الأستاذ محمد بن البشير الحسني عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال مديرا عاما لوزارة التعليم، وعينني مديرا عاما مساعدا ومكلفا بالتعليم الإسلامي والتعليم الخاص، وعين الأستاذ محمد زيان مكلفا بالتعليم الثانوي.

وكان الهدف الأساسي والمستعجل للوزير من هذا التعيين أن نبدأ بحل مشكلة (نظام التعليم) المستعجل، والذي يجب أن يحل محل المدرسة الفرنسية بعد الاستقلال، حيث كلفنا الوزير رسميا بوضع مشروع نظام التعليم الجديد لهذه المدرسة».

قال د. إدريس الكتاني: «وقضينا نحن الثلاثة أربعة أشهر لإنجاز هذا المشروع الذي قدمه الوزير بدوره للملك الحسن الثاني، لنفاجأ بعد أيام بالوزير يخبرنا أن الملك سيتقبلنا يوم (لم أسجله) وعلينا أن نكون بباب القصر في الساعة 12 زوالا.

كان الملك في هذه السنة 1963م هو أيضا رئيس الحكومة التي حضر من بين أعضائها هذه الجلسة السادة:

يوسف بن العباس وزير التربية الوطنية.

محمد الفاسي أستاذ الملك ووزير التعليم سابقا.

رشيد ملين وزير التعليم لفترة قصيرة سابقا، ومؤلف كتاب «نضال ملك».

إدريس السلطاني وزير المالية، والمدير العام للديوان الملكي سابقا.

أحمد رضا كديرة وزير الداخلية ووزير الفلاحة، ومستشار الملك الخاص.

قدمنا للملك في هذه الجلسة عرضا مفصلا عن مشروعنا الوطني للتربية الوطنية كدولة عربية إسلامية كاملة الاستقلال، ودافعنا عن المبادئ والبرامج التربوية وأن من حقنا أن نعطي للغتنا وتاريخنا وحضارتنا ومقدساتها الدينية نفس الامتيازات التي تتمتع بها الدول المتقدمة بما فيها فرنسا.

وكان من بين ما ذكرته في عرض (مشاكل التعليم المزدوج) خاصة تعليم النصوص التربوية والعلمية، أن الدراسات الحديثة أثبتت أن 80 في المائة من تلاميذ الفصول الدراسية ذكاؤهم متوسط، و10 في المئة ذكاؤهم فوق المتوسط، و10 في المئة ذكاؤهم دون المتوسط.

لكن برامج التعليم يجب أن تخضع لتلبية حاجات ومستوى الثمانين في المئة بصفة عامة (مع مساعدة المتفوقين والمتخلفين بطبيعة الحال) وقبل نهاية هذه الجلسة طلب الملك مني تعديل مادتين:

– أن تظل (ازدواجية التعليم باللغتين العربية والفرنسية) خلا مرحلتين الابتدائية والثانوية.

– وأن تكون الفرنسية هي لغة العلوم في المرحلتين المذكورتين.

وكان معنى هذا أن تقتصر العربية على المواد (الدينية والأدبية)؛ لتصبح كاللغة اللاتينية. فقال له الأستاذ ابن البشير: إن نظام التعليم المزدوج الحالي يستغرق خمسين من الحصص الدراسية باللغة الفرنسية، فإذا نحن أضفنا لذلك (المواد العلمية) فسترتفع هذه النسبة إلى 75 على الأقل، إن العربية هي لغتنا فمتى نسترجعها؟

فأجابه الملك: هذا السؤال ألقه علي بعد 30 سنة!

وكان آخر سؤال ألقاه علي الملك في ختام هذه الجلسة: (أنا مزدوج وأحب أن يكون جميع المغاربة مزدوجين مثلي).

فأجبته: أنت سيدنا (رجل عبقري) وجميع المغاربة ليسوا عباقرة مثل سيدنا.

وإذا بي أرى الأستاذ محمد الفاسي -ولم يكن مواجها للملك- يرفع كفيه المفتوحتين في مواجهتي مرددا لها جيئة وذهابا، في (إشارة قوية لي) معناها: قف، توقف عن مجادلة الملك.

وتابع الملك كلامه واضعا حدا لأي مناقشة بقوله: (وعلى كل حال أنا أعطيكم مهلة أسبوعين لإنجاز (التعديلين المذكورين).

واستدرك أحمد كديرة: ربما لا تكفيهم مدة أسبوعين، إذا شاء سيدنا رفعها لمدة شهر، وسيتناسب ذلك مع نهاية عطلة الربيع المقبل، فأشار الملك بالموافقة ورفع الجلسة.

بعد مغادرتنا للقصر تبادلت الرأي مع الأستاذ محمد بالبشير، قال إنه سيحيل (اتخاذ القرار) -يعني بشأن تطبيق التعديلين المذكورين على حزب الاستقلال-، وقلت له: الحمد لله قدمت استقالتي من حزب الشورى والاستقلال (سنة 1958 بكتابي “المغرب المسلم ضد اللادينية“).

وبعد الزوال قدمت استقالتي لوزير التعليم في مكتبه الذي تردد في قبولها، ولكني أقنعته بضرورة عودتي للجامعة، لتكون هذه هي استقالتي الثانية بعد 5 سنوات من قيود الحزبية، لأتمتع بحرية الرأي والضمير طيلة 50 عاما في مسيرة التعليم والتربية والدعوة، فالحمد والشكر لله على نعمه التي لا تحصى» اهـ.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M