قراءة في كتاب: «أشواق النهضة والانبعاث»

12 فبراير 2015 22:07
قراءة في كتاب: «أشواق النهضة والانبعاث»

قراءة في كتاب: «أشواق النهضة والانبعاث»

قراءات في مشروع الأستاذ فتح الله كولن للدكتور محمد جكيب

أ. عبد العزيز الإدريسي*

هوية بريس – الخميس 12 فبراير 2015

1- معلومات عامة عن الكتاب:

عنوان الكتاب: أشواق النهضة والانبعاث، قراءات في مشروع الأستاذ فتح الله كولن

المؤلف: د. محمد جكيب

الطبعة: الأولى

سنة الطبع: 2013م

دار النشر: دار النيل للطباعة والنشر

بلد النشر: القاهرة ـ مصر

عدد الصفحات: 360

حجم الكتاب: متوسط

2- معلومات عن المؤلف:

– أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة شعيب الدكالي، الجديدة المغرب.

– منسق تكوين الدكتوراه: فكر الإصلاح والتغيير في المغرب والعالم الإسلامي.

3- ملخص كتاب

يعتبر هذا الكتاب نافذة معرفية وقناة منهجية للمواطن العربي عموما والمثقف على وجه الخصوص، للتأمل في التجربة التركية عموما، وتجربة مشروع الخدمة خصوصا، من خلال قراءة عميقة لفكر الأستاذ محمد فتح الله كولن، قراءة مشبعة بهموم الأمة وآمالها، مؤطرة برؤية إصلاحية تجديدية واستشراف نهضوي، دل على ذلك عنوان الكتاب ومتنه.

المؤلف -د. محمد جكيب- وهو يقارب المشروع الإصلاحي للأستاذ كولن في سياقه التاريخي والفكري والثقافي والاجتماعي، يؤكد على أن إشكالية الإصلاح في العالم الإسلامي، تحتاج إلى دراسات علمية أكاديمية، تبحث في مداخل الإصلاح ومناهجه وتجاربه.

أما أهداف هذه الدراسة فتتجلى فيما يلي:

– محاولة تبين أهم معالم التحولات الكبرى التي عرفتها تركيا خلال العقود الأخيرة.

– ملامسة جانب من رؤية المجتمع التركي للكون والحياة، والوقوف عند أهم النماذج الفكرية المعاصرة في تركيا.

– تجاوز رصد الظواهر إلى تحديد أهم الروافد الفكرية التي تصوغ في الوقت الراهن الخصوصية الفكرية والمجتمعية لتركيا.

– تبين مدى محافظة هذه الروافد على صفائها، وماهي أشكال التفاعل وميادينه الأساسية.

– بيان أن الحركات الإسلامية ذات البعد المدني هي الأكثر تأثيرا والأكثر تجذرا في المجتمع.

وقد قسم المؤلف كتابه إلى خمسة فصول، كل فصل يحتوي على مباحث، نلخصها كالتالي:

استهل هذا الكتاب بمقدمة عامة للدكتور سمير بودينار لخص فيها بعض الإشكالات والمقاربات التي أثارها الكتاب.

قراءة في كتاب: «أشواق النهضة والانبعاث»

الفصل الأول: تركيا في ضوء تاريخ الإصلاح وإشكالاته

وينقسم هذا الفصل إلى مبحثين:

المبحث الأول: تناول فيه المؤلف، إشكالية الإصلاح في العالم الإسلامي: حيث استهل حديثه في المقام الأول بالتأكيد على أن قضية الإصلاح هي قضية واحدة تهم الدولة العثمانية بكل مناطق نفوذها، لتشابه المعطيات وتقارب العقليات. ويشدد المؤلف على خطورة تجزيء قضية الإصلاح والنهضة والانبعاث، وحقن الوعي الجمعي بداء الاعتقاد بأن لكل منطقة إشكالاتها الوجودية الخاصة.

ودعا المؤلف إلى تصحيح الصورة السلبية التي ترسخت في ذهنية الإنسان العربي اتجاه الإنسان التركي، والعكس صحيح، والعمل على مد جسور التواصل برؤية تراعي المصالح المشتركة والمصير الواحد.

ليعرج بعد ذلك للحديث عن تركيا الماضي والحاضر في معطيات دقيقة موثقة، سواء تعلق الأمر بالجانب التاريخي أو الديمغرافي أو الإثني والجيوسياسي والثقافي و.. خلاصة الكلام على حد تعبير المؤلف أن هذه المعطيات تغري معرفيا، لتفرض على المثقف أسلوبا خاصا في التحليل والدراسة والتأويل، لأن هذه المعطيات تؤثر على رؤى الإصلاح وفاعليته.

في المبحث الثاني تحدث المؤلف عن الغزو الثقافي الممنهج، و أشار في هذا المبحث إلى عومل هذا الغزو الذي تعرضت له الدولة العثمانية:

الأول: مفاده أن الموقع الجيوسياسي لتركيا ورمزية اسطنبول وأهميتها التاريخية وكون تركيا تشكل العمق الاستراتيجي لأوربا الصاعدة.

والثاني: تطور أوربا الحديث وصدى الثورة الفرنسية، التي أوجدت مبادئ العلمانية والقومية والحركة الدستورية.

أما العامل الثالث: فتمثل في أطماع أوربا في العالم الإسلامي، خصوصا بعد إضعاف الدولة العثمانية ثم إسقاطها. حيث تغلغلت المنظمات الماسونية في المجتمع العثماني، وتحكمت في الاقتصاد والسياسة.

ليخلص فيما بعد إلى مظاهر الغزو الثقافي، والتي تجلت في الاستغراب، والإصلاحات المؤسساتية والسياسية بسبب انفتاحها على الغرب، لكن بعد سقوط الدولة العثمانية ستعيش تركيا قطيعة قهرية مع الماضي من خلال بناء منظومة مجتمعية جديدة، متحررة من إرث الماضي، ومثال ذلك استبدال الحرف العربي بالحرف اللاتيني.

غير أن هذه القطيعة لم تستطع أن تطفئ جذوة الإسلام في قلوب الأتراك، بل عن الفكرة الإسلامية هي الأقوى حضورا في واقع تركيا بمظاهر مختلفة، حيث تجسد الرجوع إلى الإسلام في ثلاثة أشكال:

1- الشكل الشعبي، 2- الشكل الرسمي، 3- الشكل الحركي، وهذا الرجوع له أسباب وليس أسرارا، لعل أهمها: اقتناع المفكرين بعدم جدوى العلمانية في النهضة والتقدم، وتخوف السلطة من قيام ثورة إسلامية، وانتشار المبادئ الديمقراطية التي عمقت الوعي السياسي.

ومن بين أهم الأسباب التي أدت إلى استمرارية الفكرة الإسلامية في تركيا الدور الذي قام الفكر الحركي الإسلامي بمختلف مشاربه وتعبيراته.

هذا الفكر الإصلاحي المرتبط بالمرجعية الإسلامية ينقسم إلى قسمين كبيرين هما:

1- الذي اختار المجال السياسي معتركا للإصلاح.

2- الذي اختار المجال المدني معتركا للإصلاح.

والمؤلف هنا سيقارب الاختيار الثاني من خلال الوقوف على أهم شخصية مؤثرة في المشهد التركي، والتي بصمت تركيا المعاصرة بمنهجها المتميز والمتفرد، يتعلق الأمر بالأستاذ محمد فتح الله كولن.

ولكن قبل ذلك سيعرج المؤلف على الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي-1876/1960 باعتبار الملهم للحركة الإصلاحية في تركيا، على اعتبار أن النورسي نموذج للمصلح المنفتح، والمستوعب العميق لحاجة المجتمع، والذي اشتغل على تربية الأجيال على الروح المعنوية المنبثقة من ترسيخ الحقائق الإيمانية وخدمة القرآن الكريم من خلال رسائل النور.

هنا يطرح السؤال: ما علاقة دعوة فتح الله كولن بالأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي؟ إن أهم ما يربط دعوة الخدمة بالحركة النورية هو “رسائل النور”، التي أثرت في صياغة محمد فتح الله كولن، وهي من المصادر المقررة لحركة الخدمة، ولقد استفاد فتح الله كولن من تجربة النورسي ودعوته في بناء حركة مدنية جديرة بالاهتمام وجديرة بالدرس والتحليل.

أما الفصل الثاني: الأستاذ فتح الله كولن العالم المفكر

فقد قسمه المؤلف إلى مبحثين اثنين:

الأول: خصصه للحديث عن محمد فتح الله كولن -ولد سنة 1938م- باعتباره شخصية معرفية متعددة المواهب، من خلال إثارة إشكالية تصنيف الرجل معرفيا وصعوبة وضع في مجال معرفي محدد، وذلك راجع بالأساس إلى تعدد معارفه التقليدية أو الحديثة، التي درسها على شيوخه أو حصلها بطريقة عصامية، وبعده عن الإيديولوجيا في العلم والعمل، والفكر والسلوك، بعد ذلك أشار المؤلف إشارات لطيفة إلى نشأته السوية وأسرته المحافظة. وأهم المحطات الأساسية في حياته.

أما المبحث الثاني: فقد خصصه المؤلف لمسار فتح الله كولن العلمي والمعرفي، وذلك من خلال المحددات التالية:

1- عشق للطلب العلمي والمعرفي.

2- الإسلام الوسطي منهج حياة.

3- والد وابنه معا في رحلة طلب العلم.

4- شيوخ الأستاذ فتح الله كولن.

5- عناصر التميز في شخصية فتح الله كولن.

إن هذه المحددات الخمس تدور مع العلم وجودا وعدما، بل إن عشقه للعلم وطلبه له دفع إلى الاغتراف من كل الينابيع المعرفية، هذا العشق المشروع للعلم والمعرفة تمظهر في وسطية مقاصدية في الفكر والسلوك لمشروع الخدمة وملهمها.

وفي الفصل الثالث: مصادر الإصلاح في رؤية الأستاذ فتح الله كولن

يعتبر هذا الفصل واسطة عقد الكتاب، ومحور السفر وقطب رحاه، وقد قسمه المؤلف إلى مبحثين: الأول تحدث فيه عن أسس الرؤية ومرتكزاتها، أما الثاني فقد خصصه للمصادر الأساسية للثقافة الذاتية.

في المبحث الأول: أسهب المؤلف -لأن المقام يستوجب ذلك- في بيان أسس الرؤية الإصلاحية عند كولن ومرتكزاتها، والتي تنبثق من القرآن الكريم الذي يؤطر هذه الرؤية، والذي يشكل الباب الفسيح والمعيه المريح للدخول لعوالم الإصلاح عند الاستاذ كولن، في ذات السياق يؤكد المؤلف بأن القرآن الكريم يقع في عمق الرؤية الإصلاحية من خلال المحددات التالية:

1- نون الجمع وتجاوز حدود الزمان والمكان: لأن مركزية الوحي (قرآن وسنة) في الرؤية الإصلاحية ترتبط ارتباطا وثيقا بالمكونات: “الانسان-الكائنات- الله”، والمشكلة في الأخير لثقافتنا الذاتية.

2- معادلة الثقافة الذاتية: والتي تعني التناسب الدائم بين الصنعة والصانع، والأثر وصاحب الأثر، أي ضرورة الانسجام بين الوعي والفطرة والتوحيد.

3- جذور الإسلام فوق الزمان والمكان: ذلك أن عمق الحقيقة الإسلامية هو التوحيد، الذي يخاطب حقيقة الإنسان الفطرية، وحقيقة الفطرة معنوية، فعندما يلتقي الإسلام وحقائقه مع الفطرة المتوثبة تنتج إنسانا متناغما مع حقيقة وجوده وخلقه.

4- لكل عصر خصوصيته وشخصيته: في هذا المحدد تظهر انفتاحية وانبعاثية الفكر الإصلاحي للأستاذ كولن، فهو يؤكد على ان لكل عصر خصوصياته التي يجب أن يستثمر المكتسبات السابقة بزيادة ألوان واعماق طرية صحيحة النسب، مستمدة من الأصل،

5- حقيقة ارتباط الذات بالتراث: وهذه علاقة إشكالية أسالت الكثير من المداد، وتبلورت رؤى ومناهج ومدارس وتيارات في هذا الصدد، في تجربة الخدمة يعتبر الميراث الثقافي بما يحمله من قيم ومبادئ حامل بلسم لهذا العصر.

في ذات السياق يطرح المؤلف “أزمة الشرق وإشكالاته الراهنة” والتي لخصها في دخوله في مرحلة ما في نوم عميق أفقده إمكانية توظيف العقل في فهم الطبيعة وتسخير الممكنات البشرية والطبيعية.

لذا كان موقف الأستاذ كولن موقفا وسطا بين الأخذ بالتراث وبين المحافظة على روح العصر، فالقديم أساس متين لقيام عليه الجديد، وتطوير القديم بمعطيات الجديد، والذي جعله ينهج هذا النهج هو تحديده المقاصدي لمفهوم الثقافة، إذ يعتبر كل ما دخله روح الإسلام فاصطبغ بصبغته صار من الثقافة.

هاته الأخيرة يضع لها تعريفا جامعا مانعا: “مجموع نظم وقواعد تحكم التصرفات الاجتماعية والأخلاقية التي أنتجتها أمة أثناء تاريخها الطويل، وجعلتها مع مرور الزمان بعدا من أبعاد وجودها أوحولتها ألى مكتسبات في اللاشعور..”.

في المبحث الثاني: يفصل المؤلف مرتكزات الثقافة عند كولن، أو ماهي المصادر الأساسية للثقافة الذاتية؟ يجملها المؤلف في خمس مرتكزات في تحليل شائق ماتع، وهي على التوالي:

1- مركزية القرآن في الثقافة الذاتية.

2- أهمية السنة ودورها في رؤية فتح الله كولن.

3- الاجماع.

4- التصوف وبناء صرح الروح.

5- العقيدة الصحيحة تمنح التوازن.

إن هذه المرتكزات قد نجدها –بل ونجدها-عند كثير من المصلحين والمفكرين، ولكن السؤال الذي يطرح بإلحاحية، كيف استثمر وتعامل الأستاذ كولن مع هذه المرتكزات؟ وماهي المنهجية التي اعتمدها لتفعيل هذه المرتكزات؟ وماهي خطة العمل التي وضعها لمشروعه الإصلاحي انطلاقا من المرتكزات السابقة؟ وكيف تأتى له استثمر هذا المرتكزات في التعبئة المعنوية لمشروعه؟ وماهي الآليات التي جعلت لهذه المرتكزات آثارا رائدة على جميع المستويات والأصعدة؟

أما الفصل الرابع: فقد خصصه المؤلف: “الخدمة”.. المفهوم النظري والإطار الفكري

قسمه إلى ثلاثة مباحث:

في المبحث الأول: تحدث فيه المؤلف عن الخدمة وإشكالية التصنيف والهوية، من خلال طرح الأسئلة المحة والدائمة: ما الخدمة؟ ما طبيعتها؟ وكيف تحدد هويتها؟ وعلاقتها بالأستاذ كولن؟

1-إشكالية تصنيف الخدمة: إن صعوبة التصنيف تنبع من طبيعة الأسئلة التي يطرحها المثقف الغربي من جهة، ومن جهة أخرى طبيعة أسئلة وانتظارات المثقف المسلم والعربي؟ بالإضافة إلى إشكالية تأويل خطابات -ورقية أو رقمية- الأستاذ فتح الله كولن من طرف النسيج المجتمعي التركي خاصة، الذي ميز بين الإسلام الاجتماعي والإسلام السياسي، على مستوى الخطاب والممارسة والرموز.

إن حركة الخدمة تعتبر من أهم مؤسسات المجتمع المدني في تركيا، والتي تشكل ثمرة يانعة لبذور الهوية والتاريخ التي يحويها المجتمع التركي، برغم التوجهات العامة لقيم النظام العلماني اللائكي الذي أقامه الانقلاب الكمالي، حيث استطاعت حركة الخدمة أن تنساب وتتغلغل في طبقات المجتمع بدون صدامات ولا أزمات، حيث سادت قيم المحبة والإيثار والمسؤولية والتعاون والانفتاح والمبادرة، بعيدا عن أي تجاذبات سياسية أو حزبية، ودون أن تقع في مطب الطرق الصوفية، لأن الأستاذ كولن حريص على ربط الناس بروح الفكر ومقاصده، وليس بشخصه، وهذا المنهج استلهمه من الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي الذي وجه طلابه إلى الاهتمام برسائل النور وليس بمؤلفها.

فالخدمة بهذا المعنى تتجاوز المعايير التي وضعها علم الاجتماع لتصنيف الحركات والجماعات، إلى نظام اجتماعي جديد، ونموذج حركي جديد في ظل نموذج بشري، بإضافات نوعية في العمل الدعوي.

في المبحث الثاني: خصصه المؤلف للمجال الحيوي للخدمة والمتمثل في التربية والتعليم:

حيث انطلق من مسلمة وقناعة راسخة عند الخدمة أن التربية والتعليم من المهد إلى اللحد، باعتبارهما أهم مرتكزات الإصلاح في رؤية فتح الله الشمولية، وهذا نابع من اقتناع منهجي وفكري مفاده استحالة تصور النهضة والبناء والتأسيس دون إصلاح منظومة التربية والتعليم.

المسلمة الثانية وهي أن التربية والتعليم هي النشاط المركزي للخدمة، من أجل تخريج ما يطلق عليم فتح الله كولن “فدائيو المحبة” في ارتباط بالأصل ومواكبة للعصر.

التربية عند كولن أعم وأشمل من التعليم، فالتربية هي الإطار الكبير الذي يحتوي التعليم، لأن وظيفة التعليم لا يمكن أن تنجح إذا لم تؤطر برؤية تربوية دقيقة، فإذا كان التعليم مسألة تقنيات، فإن التربية هي الطاقة التي تحركه وفق مرام محددة ينبغي الوصول إليها. ولذلك فالأستاذ كولن يؤكد على أن التربية مدرسة من مستوى راق، ومدرس كفء، لأن المدرسة عنده مختبر يمنح الإكسير ويمنح الحياة ويداوي أمراض الناس، والذي يقوم بذلك هم المربون والمدرسون، فيتنقلون بذلك من المدرسة النظرية إلى المدرسة العملية، على قاعدة التربية الشمولية.

أما المبحث الثالث فوسمه المؤلف: إنسان الحوار والتسامح في ضوء رؤية الأستاذ كولن التربوية.

 إن أجيال الأمل الذين تخرجهم مدرسة الخدمة، وترعرعوا في كنفها، منذ ستينيات القرن الماضي، كان ديدنهم التبشير والتيسير والحوار والانفتاح سواء داخل تركيا أو خارجها.

إن المشترك الإنساني تجل لنقاء المشاعر وصفاء السرائر، وهذا المشترك الإنساني تقويه وترسخه التربية والتعليم من منطلق الحوار والتسامح، فالقضية في الأول والأخير قضية إنسان.

فكان الانطلاق من المشترك الإنساني سببا رئيسا و مجالا خصبا لنجاح مشاريع الخدمة في أصقاع الدنيا، بعد أن أعطت النموذج الرائد داخل بلاد الأناضول، فكان مهاجر التربية عنوانا بارزا في العالم المعاصر لعالمية الإسلام، لأنه استطاع تحويل الفكر إلى منجز حضاري بصورة مثالية، فهم ورثة الأرض بصفاتهم الثمانية.

أما الفصل الخامس والأخير: المثقف العربي وفكر الأستاذ فتح الله كولن: الأسئلة وأفق الانتظار

يضع المؤلف سياقا معرفيا وتاريخيا عاما حول علاقة المثقف العربي بتركيا، من خلال جملة من العوامل من قبيل:

– العامل التاريخي فالدولة العثماني كانت عنصر توحيد وحماية.

– عامل القطيعة الذي أحدثه قيام الجمهورية، الذي أدى إلى الانغلاق المتبادل.

– عامل التحديث والإصلاح الذي عرفتها تركيا بعد سقوط الدولة العثمانية.

– عامل النهضة والتقدم الذي تعرف تركيا في السنوات الأخيرة.

كل ذلك جعل المثقف العربي يتساءل عن نهضتها وتقدمها وانبعاثها من جديد.

ليدلف بعد ذلك المؤلف إلى النقطة الثانية والمتمثلة في اكتشاف المثقف العربي لمفكر وعالم ومثقف ومصلح مختلف تماما عن طينة دعاة الإصلاح في العالم العربي، هذا الاكتشاف كان عبارة عن صدمة ناتجة عن إحساس عميق باليأس من قدرة الذات على تحقيق ما تصبو إليه من بعث ونهضة في العالم العربي، فاندهش المثقف العربي إلى تلك المؤسسات التربوية والثقافية والفكرية والإعلامية والاقتصادية والإغاثية والصحية والاجتماعية ذات الوجه الحضاري المشرق.

إن اكتشاف المثقف العربي للخدمة وللأستاذ كولن دفعه إلى مراجعة أفكاره التي قيدت ذهنيته وفكره لقرنين وأكثر، فالمثقف العربي وجد ما كان يبحث عنه من انبعاث ذاتي متحرر من النمطية مرتبط بالسنن الكونية.

ولذلك تفاعل المثقف العربي مع شخصية الأستاذ كولن من خلال المعايير الآتية:

1- معيار الحضور الفكري لزمن طويل دون انقطاع.

2- معيار انتشار فكر الأستاذ وتأثيره في الواقع.

3- معيار انتشار أفكار الأستاذ في حياته وليس بعد مماته.

4- معيار العالمية والإنسانية التي تطبع فكر كولن.

ليخلص كل من اطلع على تجربة الخدمة بأنها تجربة ناجحة رائدة فريدة متميزة، وإن كانت نتيجة لقراءة انطباعية، غير ان الأمر لا يقف عند هذا القراءة الانطباعية، فقد خصص المؤلف مبحثا لفكر الأستاذ في البحث الأكاديمي، مقسما ذلك إلى: كتب ودراسات علمية، و رسائل جامعية، ومؤتمرات وندوات دولية، سمتها الكثافة والعمق والتنوع والتجدد.

في نقطة فريدة، أشار المؤلف بذكاء وعمق إلى أفق انتظار المثقف العربي في إطار العلاقة التي تكونت لديه مع فكر الأستاذ كولن-وأفق الانتظار مفهوم أساسي في نظرية التلقي الألمانية-، لعل هذا الأفق يتجلى في:

– الاقتراب من التجربة التركية من خلال نموذج فكري ومنجز حضاري هو الخدمة.

– اكتشاف المنهجية المعتمدة في الخدمة للتوفيق بين روح الإسلام والحداثة.

– معرفة مجال تأثير فكر الأستاذ وأدواته ومناهجه في النهضة والانبعاث.

– الإجابة على السؤال الكبير “لماذا لم يستطع الفكر الإصلاحي العربي على مدى قرنين أن يحقق النهضة والانبعاث؟”.

– إعادة قراءة جميع أفكار الإصلاح في ضوء التجربة التركية التي يشكل فكر الأستاذ محركها الأساس.

إن أهم ما يميز حركة الخدمة هو تحويل الفكر إلى مؤسسات أو ما سماه المؤلف ب”مأسسة الفكر”، فالمؤسسات المتنوعة بنت شخصيتها المعنوية المستقلة بعيدا عن الأشخاص، فلا رابطة عضوية بين هذه المؤسسات من جهة، ولا علاقة لها بالأستاذ من جهة أخرى.

إن مؤسسات الخدمة انطلقت من “معقولية الفكرة” التي آمنت بها، تفعيلا وتنزيلا وتطبيقا لها على أرض الواقع، في تصفير للذات وإعلاء للقيم الروحية والذات الحضارية.

 الخاتمة:

في خاتمة القول أشار المؤلف إلى الدور الطلائعي الذي تقوم به مجلة “حراء” -التي تصدر من إسطنبول بلغة عربية- في التواصل بين المثقفين العرب والأتراك، فهي النافذة التي يطل منها فتح الله كولن على العالم العربي، ويطل منها العرب على الخدمة.

وأفق انتظارنا من المؤلف أن يشفع هذا الكتاب بمدارسة عميقة لأفكاره الإصلاحية وأسئلته الإشكالية، فخير جليس في الأنام كتاب.

والحمد لله رب العالمين

Elidrissihiba@gmail. com

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحث في قضايا التربية والتكوين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M