(الغناء: الاستماع والسماع).. شبهة وجوابها

02 يونيو 2015 16:53
(الغناء: الاستماع والسماع).. شبهة وجوابها

(الغناء: الاستماع والسماع).. شبهة وجوابها

د. رشيد نافع

هوية بريس – الثلاثاء 02 يونيو 2015

من الآثار الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم في بيان تحريم الغناء: قصة نافع رحمه الله مولى ابن عمر رضي الله عنه، قال: “سمع ابن عمر مزماراً، قال: فوضع إصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئاً؟ قال: فقلت: لا، قال: فرفع إصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا، فصنع مثل هذا”  صحيح أبي داود.

وقد ظن بعض المجيزين للغناء أن هذا الحديث ليس دليلاً على التحريم  لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر ابن عمر رضي الله عنهما أن يسد أذنيه، ولأن ابن عمر لم يأمر نافعاً بسد أذنيه كذلك! 

والجواب عن ذلك: أنه لم يكن يستمع، وإنما كان يسمع، وهناك فرق بين السامع والمستمع، قال شيخ الإسلام رحمه الله: “أما ما لم يقصده الإنسان من الاستماع فلا يترتب عليه نهي ولا ذم باتفاق الأئمة، ولهذا إنما يترتب الذم والمدح على الاستماع لا السماع، فالمستمع للقرآن يثاب عليه، والسامع له من غير قصد ولا إرادة لا يثاب على ذلك، إذ الأعمال بالنيات، وكذلك ما ينهى عنه من الملاهي، لو سمعه بدون قصد لم يضره ذلك” (المجموع 10/78).

 قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله صاحب الموسوعة الفقهية الضخمة (المغني): “والمستمع هو الذي يقصد السماع، ولم يوجد هذا من ابن عمر -رضي الله عنهما-، وإنما وجد منه السماع، ولأن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حاجة إلى معرفة انقطاع الصوت عنه؛ لأنه عدل عن الطريق، وسد أذنيه، فلم يكن ليرجع إلى الطريق، ولا يرفع إصبعيه عن أذنيه حتى ينقطع الصوت عنه، فأبيح للحاجة. (المغني 10/173).

 وعدم تفريق المجيزين للغناء بين السماع والاستماع، وهذا داخل في أسباب الخلاف التي تعود إلى ما يعرف عند علماء الأصول بدلالات الألفاظ، والحق أن السماع شيء والاستماع شيء آخر، فالسماع يكون بغير قصد، أما الاستماع فيكون بقصد، ومثال ذلك من الواقع: عندما تذهب لبعض الأسواق لغرض التسوق لحاجاتك؛ فإنك ستجد أن هذا السوق يبث فيه بعض أنواع الموسيقى والأغاني فأنت هنا قد تسمعها بحكم أنها تبث في السوق، ولا تقصد سماعها، ولهذا لو سألك سائل عن عبارات هذه الأغنية فإنك ستقول لا أدري؟ لأنك كنت مشغولاً بالتسوق والبحث عن حاجاتك، ولم تذهب لقصد سماعها؛ فأنت هنا تسمى سامع، ولا تسمى مستمع.

وأختم بما ورد في كتاب “ترتيب المدارك” للقاضي عياض (2/54): “قال التِّنيسيُّ: كنا عند مالك وأصحابه حوله، فقال رجلٌ مِنْ أهلِ نَصيبين: عندنا قوم يُقال لهم الصوفيّة، يأكلون كثيراً، ثمّ يأخذون في القصائد، ثمّ يقومون فيرقصون؟ فقال مالك: أَصبيانٌ هم؟ قال: لا، قال: أمجانينُ هم؟ قال: لا، هم قومٌ مشايخ، وغيرُ ذلك عقلاء، فقال مالك: ما سمعتُ أنّ أحداً من أهل الإسلام يفعلُ هذا!!

فقال له الرجل: بل يأكلون، ثمّ يقومون ويرقصون دَوَائبَ، ويلطم بعضُهم رأسه، وبعضهم وجهه، فضحك مالك ثم قام فدخل منزله، فقال أصحابُ مالك للرجل: لقد كنتَ يا هذا مشؤوماً على صاحبنا، لقد جالسناه نيِّفاً وثلاثين سنة، ما رأيناه ضحك إلا في هذا اليوم!“.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M