التعليم بين مآسي الأعطاب ومساوئ الإصلاح

25 سبتمبر 2013 14:16
صناعة القدوات بين ماضي البناء وحاضر الهدم

محمد بوقنطار

هوية بريس – الأربعاء 25 شتنبر 2013م

أعطيني تعليما صحيحا سليما أعطيك رعيلا رائدا مفكرا تواقا إلى إعادة بساط التمكين إلى تحت أقدامنا، فإذا ما أعطيتني تعليما سقيما عقيما تابعا لا متبوعا فلا تسأل عن الكوارث والموبقات، من جنس ما نراه اليوم ليس في أكبر شوارعنا ولا أضيق زقاقنا، ولكن في مؤسسات تعليمنا بدء من المدرسة وانتهاء إلى أكبر باحات معاهدنا وجامعاتنا، بدء من التلميذ والطالب إلى المعلم فالأستاذ المبرز، ولسنا بمنأى عما تنقله بالتواتر قنوات إعلامنا ومنابر صحفنا عن حالات القتل والاغتصاب وجرائم الضرب والجرح وجنح السب والقذف وفشو تجارة واستهلاك المخدرات والغش والأرقام الضخمة التي تؤرخ لظاهرة الهدر المدرسي..

حتى في عز زمن تطبيق البرنامج الاستعجالي المستورد، حيث وصلت النسبة أحيانا إلى 10 في المائة من مجموع المتمدرسين المغادرين لحجرة الدرس، زد على هذا ما لا يمكن حصره من مظاهر الانحلال الخلقي بالإضافة إلى تغول ظاهرة الغياب التي لم تستطع المخططات الرقمية تطويقها والحد من لوازم خطرها، إذ أثبت الواقع أن ظاهرة الغياب تعتبر نقطة انطلاق موصلة لا محالة إلى كارثة الانقطاع النهائي عن الدراسة، انقطاع في غالب الأحيان ما يأتي في سن مبكرة لم تختمر بعد في ذهن المغادر الصورة السريالية للمستقبل ومشاكل الاندماج في نسيج المجتمع الاقتصادي والاجتماعي، الشيء الذي يعرض هذا الكم المغادر إلى أن يكون مادة خام تتغدى منها تنظيمات الجريمة بكل أشكالها.

ولا شك أن الكلام عن التعليم يجرنا بشيء من القسر والتلازم إلى الحديث عن مشاريع الإصلاح التي تبنتها الدولة وأنفقت عليها من خزينة المال العام ملايين الدراهم، دون أن نرى بغير غبن لهذا الإنفاق أثرا تقر به عيون الحاملين لهمّ الأمة، الذين يسيئهم أن يقفوا ليسمعوا عن ترتيب المغرب في مجال التعليم ليس بين الأمم المتقدمة، بل خلف دول فقيرة عاشت ويلات الحروب وعدم استقرار جبهاتها الداخلية، فقد أفادت العديد من التقارير الأممية أن النظام التعليمي في المغرب من الأنظمة الأكثر تخلفا في العالم، وليس ثمة ما يمكن الاستشهاد به هنا خير من الخطاب الملكي الأخير الذي أشار إلى وضعية التعليم ونظامه الفاشل الذي لا يخرّج إلا أجيالا من العاطلين، أجيال تؤسس لقطيعة بين الترادف والتلازم الذي كان حاصلا يوما ما بين التعليم والتقدم والتنمية.

وهكذا وحتى لا نغرق في وحل التفاصيل، فإذا استثنينا المخطط الخماسي الذي شمل المواسم الدراسية الممتدة بين سنتي 1973م -1977م؛ والذي سمي آنذاك ببرنامج العمل الاستعجالي، والذي كان قد حقق نجاحا نسبيا في مشروع تنمية التمدرس في جميع مستويات التعليم، وكذا تعزيز مسلسل مغربة الأطر التعليمية، بالإضافة لتحقيقه لتوزيع إضافي لوحدات مدرسية محدثة في الوسط القروي، وإنشاء مراكز تكوين مهني للمنقطعين عن الدراسة، بالإضافة إلى رفع الطاقة الاستيعابية لمدخلات التعليم الابتدائي والثانوي والعالي، فإن ما تلا هذا الإنجاز سواء تعلق الأمر بالمخطط الثلاثي 1978-1981م، أو بالإصلاح التقشفي 1984-1999م والذي أوغل في انتهاج برامج التقويم الهيكلي بإيعاز من المؤسسات المالية الدولية، أو بالإصلاح الذي ارتبط بالميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي توج بتشكيل  لجنة خاصة بتوجيهات ملكية سميت باللجنة الخاصة لإصلاح نظام التربية والتكوين، حيث كانت باكورة أعمالها ما اصطلح عليه بالكتاب الأبيض و الميثاق الوطني للتربية والتكوين.

ورغم أن هذه اللجنة قد قسمت الجهد حيث ميزت بين الجانب التجهيزي المادي والمالي وبين الجانب التشريعي وما صاحب هذا التقسيم من إصدار لمجموعة من المراسيم والقرارات والدوريات والمنشورات والمذكرات من أجل تنظيم الشأن التعليمي في مختلف مستوياته، إلا أن الجهد ظل قاصرا على بلوغ نصاب الفاعلية والفعالية والرشد القادر على استئصال شأفة الأورام الخبيثة والشوائب و المعيقات التي تحول دون تحقيق ذلك التعليم الذي متى كان صحيحا سليما أثمر جيلا من العلماء والمفكرين والفضلاء والمصلحين وما ذلك على الله بعزيز ولكن بشرطه، ذلك أن السنن الكونية اقتضت جملة من المعايير والضوابط حتى نستطيع في غمرة الشبهات والأهواء والشهوات التمييز بين المصلح صاحب الحق وبين مدعي الإصلاح بالباطل.

 وهنا لا نملك إلا أن نرد الأمر لصاحبه فهو جلّ جلاله القادر على أن يميز المصلح من المفسد والطيب من الخبيث مصداقا لقوله تعالى) والله يعلم المفسد من المصلح)، وما أحوجنا إلى فضل الله وعنايته ورعايته في هذا الباب وما خلفه، سيما عندما تغيب أو يتم تغييب مرجعية الإصلاح الربانية وتصبح الشعارات والمسميات والبرامج جوفاء لا قيمة لها، ويختطف شعار الإصلاح العظيم طغمة المفسدين الذين متى ما قيل لهم (لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون). 

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M