آخر الكلام عن موضوع الاستهزاء من نوال السعداوي
هوية بريس – عبد السلام أجرير
كنت كتبت منشورا بمناسبة استضافة جهات علمانية للكاتبة المصرية نوال السعداوي بالمغرب لتحاضر فيه حول أسطوانتها القديمة المشروخة عن نقد الدين والله والدعوة للمساواة الجذرية والحياة البهيمية… وكان منشورا لي فيه سخرية واستهزاء كردة فعل لسخريتها من الإسلام والمسلمين منذ زمن… ولكن المنشور لم يعجب البعض، وأعجب الكثير…
ونظرا لكثرة الانتقادات والتساؤلات التي لم تراع سياق المنشور ولا نوع الشخص الذي يسخر منه، فإني أرى من المفيد الجواب عن أهم هذه الأسئلة، فأقول:
1- قبل نقلي للأبيات التي استهزأ فيها الشاعر من نوال السعداوي فشبهها بالقرود، قدمت اعتذارا، وبينت أن المنشور سينتقد من البعض… وما ذلك إلا لعلمي أن السخرية والاستهزاء ليست هي الأصل في التعامل البشري، وإنما فرع للانتصار من الظلم، وإلا لما اعتذرت مسبقا.
2-وعلى عدم الاعتبار بالاعتذار وعلى حمل المنشور على الجدية والأصل، فإن السخرية من نوال السعداوي… مشروعة ولا غبار عليها، وإن كان الأولى الترفع وعدم مقابلة الإساءة بمثلها.
قلت مشروعة؛ لأن المرأة ظلمت المسلمين وسخرت من الإسلام وألحدت وأتت بأعلى درجات المسخ والإلحاد، مع أنها من مجتمع مسلم، بل وهي كانت مسلمة في الأصل، وتعلم يقينا شعور المسلمين تجاه استفزازاتها… فهي مجاهرة بالعدوان وظالمة فيه…
وقد علم قطعا من القرآن، قبل السنة، أن الانتصار من الظالم ورد سيئته بسيئة مثلها أمر مشروع، وإن كان الصبر من عزائم الأمور.
ولا يجوز لأي كان أن ينكر علينا أمرا مشروعا، ويلزمنا بالحلم، فإن العدل معتبر أيضا كالحلم والسماحة.
أما لمن يبحث عن الاستدلال لمقابلة الإساءة بمثلها من القرآن فآيات كثيرة، أذكر منها مثالين:
أ- قوله تعالى: “لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم”، وهي آية صريحة في جواز الانتصار من الظالم ولو بالشتم والسخرية… وقد ظلمنا من هذه الملحدة، فلا يلومنا أحد على الجهر بالسوء تجاهها.
وقد ثبت في الحديث أن أبا بكر سب أحد مشركي قريش في صلح الحديبية بعدما استفزه وأثار حفيظته، فقال له سيدنا أبو بكر “امصص ببظر اللات”! وهي عبارة قبيحة جدا، بلغة الشارع كما نقول اليوم!
وقد روي عن عمر بن الخطاب قوله: “من استغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن استرضي فلم يرض فهو جبار”.
ب- قوله تعالى: “ولمن انتصر بعد ظلمه فأولائك ما عليهم من سبيل، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق”، ونحن إنما انتصرنا لظلمها لنا.
3-أما الدعاء على المجرمين الظالمين فجائز ولا غبار عليه، بل هو مما يتعبد به الله تعالى تحقيقا لعدله وإشفاء لنفوس المظلوم من الظالم. ألم يقل سبحانه وتعالى في مسألة قتال المشركين: “قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مومنين ويذهب غيظ قلوبهم”؟!
فإذا كان قتل الظالم المحارب فيه شفاء للصدور فالدعاء عليه من باب أولى. ونحن لم نفت بقتلها مع أنها مرتدة مجاهرة بردتها محاربة لدين الله، فكيف نمنع من الدعاء عليها؟!
وقد دعا الكثير من الأنبياء عليهم السلام على أقوامهم، ولا يقولن أحد إنهم دعوا عليهم بعد اليأس من اسلامهم أو إخبار الله تعالى أنهم لن يؤمنوا… لأن بعض أدعية الأنبياء وقعت قبل اسلام الكثير من الكفار، فكان الدعاء عليهم تخويفا لهم ومدعاة للرجوع إلى الحق…
ومن أصرح هذه الأدعية النبوية دعاء سيدنا موسى عليه السلام، قال تعالى مخبرا عنه:
أ- “وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا، ربنا ليضلوا عن سبيلك، ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يومنوا حتى يروا العذاب الاليم”.
ب- وقال الله تعالى مخبرا عن دعاء نوح: “وقال نوح رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا”.
وحتى النبي محمد عليه السلام الذي يستشهد به المنتقد أنه لم يدع على الكفار، قد دعا عليهم، ولكن من ينتقد غير ملم بسيرته، فيظنه أنه رؤوف رحيم مع الجميع، كلا، كان سيفا مسلطا على رقاب من طغا وتجبر، ورأفته ورحمته كانت للمؤمنين والمسالمين وليس للأعداء، قال تعالى في حقه: 《بالمومنين رؤوف رحيم》، ولم يقل بالظالمين رؤوف رحيم!
نعم كان عليه السلام يدعو بالهداية للكفار عموما ويجتهد في البلاغ، ولكن في الوقت نفسه دعا على بعض من طغا منهم كأمية بن خلف الذي دعا عليه بقوله “اللهم سلط عليه كلبا من كلابك”، فافترسه السبع…
ومن أشهر دعاء النبي عليه السلام على كفار قريش، دعاؤه الخالد الذي قال فيه: “اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف”، فكادت قريش أن تهلك من شدة الجذب والقحط…
وهؤلاء من دعا عليهم عليه السلام جلهم أسلم عام الفتح قطعا.
4- من الأمور الغريبة التي روج لها من دافع عنها أنهم قالوا لا ينبغي الدعاء عليها بل الدعاء لها بالهداية… نقول لهم بل ندعو عليها لظلمها وندعو لها بالإسلام ولا حرج، والله تعالى يستجيب لما سبق به علمه، فإن كان الله تعالى قدر لها الإسلام ستسلم رغم دعائنا عليها بالهلاك…
ولو ذهبنا مع هذا المنطق المتساهل المستسلم لما كان هناك دعوة لمظلوم على ظالم !
وقد تواترت النصوص بالقطع أنه يجوز للمظلوم الدعاء على الظالم، بل من الأدعية المستجابة دعاء المظلوم على الظالم. وأي ظلم أعظم من سب دينك والاستهزاء بالله تعالى وبرموز الإسلام؟!
5- من غرائب الردود حقا أن يهاجمك بعض المتدخلين هجوما شرسا لأنك سخرت من ملحدة مستهزئة… وفي الوقت نفسه لا يكلفون أنفسهم عناء تبيان خطورة هذه المرأة وخطورة فكرها، منطقهم يقضي بأن سخريتي من شكلها وخلقتها أقبح عندهم من سخريتها بالإسلام والمسلمين !
6- تشبيه بعض الظلمة ببعض الحيوان كالكلب والحمار والقرد… من الأمور الجاري بها العمل في المخاصمة، فما استهزأنا من خلقتها لذاتها، بل لكون خلقتها انعكاس لطويتها وباطنها… أما خلقة الله تعالى في اصلها فلا لوم عليها ولا اعتراض.
والله المستعان، وهو الهادي لسواء السبيل.