آداب المعلم والمتعلم

10 ديسمبر 2017 18:47
في الحاجة إلى توبة مجتمعية من أجل التغيير

د.أحمد اللويزة – هوية بريس

أمة الإسلام أمة “إقرأ”، والعلم في هذه الأمة شيء معظم مقدس، ومنذ مجيئ الإسلام وفي أول لحظة سينفجر بركان الهداية، وتشرق شمس الإيمان والتوحيد فارت أول كلمة وسطع أول شعاع مؤذنا بحقيقة هذا الدين القائم على “إقرأ”، ولنا أن نتصور هذه اللحظة روحيا ووجدانيا لندرك عظمة هذه الكلمة وما تلاها مما له تعلق بالعلم، ونستوعب دلالاتها التي تفيض على الربوع والنجوع حكمة وهداية ونظاما وسدادا وأخلاقا ورقيا وهلم جرا.

وهكذا كان فيما كان ولم يكن فيما هو كائن؛ وتلألأت أنوار الهداية تبسط رداء العلم على الكون الفسيح، فوجدنا شخصيات عاشت ردحا من الزمان على الجهالة والفوضى في كل المجالات قد سادت بهذا الدين العظيم الذي أسس بنيانه على العلم، وسطرت بذلك أروع البطولات والابتكارات، في كل الميادين وتجليات الحياة.

من شاء أن يتحدث عن واقع العلم والمعرفة ومكانتهما منذ بزوج فجر الإسلام إلى زمن الانحطاط الذي نعيش أحلك ظلماته، فلن تكفيه مقالة أو كتاب، وإنما نظرة على المكتبة ومؤلفاتها تغني عن كل ما يقال ويكتب بعد ذلك.

ولأن ساحة العلم فضاء رحب، وفنونه تكاثرت على جنبات اقرأ بعد أن سقيت بماء الهمة والحرص والتطلع للعلياء والرغبة في الرقي والنماء، يدفعها العقيدة الصحيحة وصدق الانتماء. وضع الأسلاف المناهج والقواعد والضوابط التي تحقق الرجاء، وتجعل من الأجيال امتدادا للآباء، يتسلمون المشعل ويسلكون سبل الارتقاء، ويجعلون من دينهم وأمتهم الرقم الصعب في كل الأنحاء.

ولضبط العلائق وتحقيق أسمى النتائج إيمانا بأهمية العلم وطرقه الناجعة في حفظ الهوية وتثبيت المكانة، ألف العلماء مصنفات عدة في الآداب التي تجعل من طلب العلم متعة مطلوبة، ومن تعليمه شرفا مروما، بل صار لكل نوع من العلوم وما يتعلق بها آدابا، وبدون الآداب يضيع العلم وتضيع الأجيال ويضيع المعلمون وتضيع الأمة ودونك واقع الأمة اليوم.

ولأن الأدب مطلب رفيع في كل ما يشتغل به الإنسان، وعليه تقوم الأركان، وبه يشد البنيان، كان للتأليف فيه حظ وافر من جهود العلماء ضمنا أو استقلالا، فألفوا في أدب القاضي، وأدب المفتي والمستفتي، وأدب المجالسة، وأدب الكاتب…

أما ما يخص التعليم والتعلم وما يتعلق بهما من آداب فلها القدح المعلى في التأليف والتصنيف، فمن ذلك:

كتاب آداب المعلمين لمحمد بن سحنون(ت256هـ).

وآداب العلم وأخلاق العلماء لأبي بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجُرِّيُّ البغدادي (المتوفى: 360هـ).

والرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين لأبي الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري القابسي (ت 403هـ).

وجامع بيان العلم وفضله لأبي عمر يوسف بن عبد البر بن القرطبي (المتوفى: 463هـ).

والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب أبوبكر البغدادي (ت 463هـ).

وأدب الإملاء والاستملاء لعبد الكريم بن محمد المروزي، أبو سعد (المتوفى: 562هـ).

والتبيان في آداب حملة القرآن لأبي زكريا محيي الدين النووي (المتوفى: 676هـ).

وآداب العلماء والمتعلمين للحسين بن المنصور بالله اليمني (المتوفى: 1050هـ).

وغاية الإحكام في آداب الفهم والإفهام لعمر بن علي الطحلاوي (ت1181 هـ).

وأدب الطلب ومنتهى الأدب لمحمد بن علي الشوكاني اليمني (المتوفى: 1250هـ).

هذا وغيره كثير، ناهيكم عما تناولته الكتب عامة في ذات الموضوع، وقد كان هذا مما يدرس للطالب ابتداء حتى يكون على علم بما له وما عليه ويكون على علم بها حين يصير الطالب شيخا ومعلما. وتمضي الحياة المدرسية في الزمن الأغر الغابر الأزهر في جو من الاحترام المتبادل والتعظيم المقتسم، فلا تسأل عن الحصيلة المشرفة والمرتبة المنيفة وعلو الكعب في التحصيل والاستيعاب والتأصيل والتنظير ممن كانوا طلبة صاروا يفوقون الأشياخ أحيانا، بشكل يغمر الشيوخ بسيل من السرور والسعادة، وهم يرون جهودا مكللة بالنجاح الباهر قامت على أسس متينة من أدب المعلم وآداب الطالب.

ولا يسمح بالمقال لبسط معالم هذه الآداب الراقية التي بها رقت الأمة زمانا قبل أن يصيبها الذل والهوان. ولمن رام المعرفة رام إلى مضانها يرتوي من عبق التاريخ ويشتم من روح الأمجاد.

فأين نحن اليوم من كل هذا الماضي الجميل سواء البعيد منه والقريب، ونحن نندب واقعا مريرا ونقيم عليه مأتما وعويلا، ولم نعد نملك عليه حولا ولا قوة، واتسع الخرق على الراقع وفغر فاه لا يدري ما يقدم ولا ما يؤخر، لا يلوي على شيء وهو يرى كرة الثلج تتدحرج لحظة بلحظة وتكبر ساعة بعد ساعة.

أين الأدب وجل الأدب الذي يلقن للناشئة ويدرس للأجيال اليوم يستحق اسم قلة الأدب، ولكم أن تجولوا بين ثنايا المواد الدراسية والمواد الإعلامية لتكتشفوا العجب، ولذلك لا عجب أن تروا مثل هذه النتائج التي تشيب لها نواصي الولدان؛ يهان الأستاذ ويوبخ ويسب ويهدد ويخوف ويشرمل، وأجيال تنظر للتعليم على أنه عقوبة وللمدرسة أنها سجن، وللأساتذة كائنات تستحق الابتذال، هذا باختصار حال أجيال كتب لها الخلود في سنوات الضياع بحكم سياسة تائهة وبرامج وافدة، وهوية مهمشة غائبة.

وإلى حدث آخر لا قدر الله، نرقب القدر وما يخبئه في قادم الأيام، لا نسأل الله رده ولكن نسأله اللطف فيه والله المستعان.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M