استراتيجية الإسلام (2).. الوحي والتاريخ

03 أبريل 2023 15:00
حجاج بيت الله يتوافدون على صعيد عرفات

هوية بريس- محمد زاوي

– الوحي والتاريخ

التاريخ جزء من النظام الكوني، لا كل هذا النظام. صحيح أن له قواعدَ تحكمه، إلا أنها قواعد خاصة، ليست هي قوانين الطبيعة، فضلا عن أن تكون هي نفسها قوانين الكون. يختلف التاريخ جوهريا عن الطبيعة، من حيث ارتباطه بفعل الإنسان الواعي. وبذلك يختلف عن أقرب الظواهر إليه، أي الطبيعة. يدل هذا الاستنتاج على تعدد القوانين بتعدد العلائق وأطرافها، كذا بتعدد مجالات تجريد تلك القوانين. وما دام الكون مليئا بالظواهر، فإن القول بحصر مجالات التقنين فيه أمر مرفوض بمنطق الكون نفسه.

الوحي، قبل أن يتأتى لأصحابه من الأنبياء والرسل، هو محاولة للخروج من ظاهرتين كونيتين، الطبيعة والتاريخ، محاولة للارتباط بالكل، أو بأصله ومصدره؛ محاولة للبحث عن عوالم أخرى، للخروج من قانون الأجزاء إلى قانون الكل. المحاولة كانت قبل الوحي، لذلك كان الاعتكاف والتحنث والاعتزال قبل المعرفة. هذه تجربة مشتركة بين موسى وعيسى عليهما السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم، كما يحكى في الأثر.

لا يخرج الموحى إليه من التاريخ إلا ليعود إليه، تأثير وحيه تاريخي وإن كان في موضوع الوجدان. الوجدان وقود التاريخ، يتراجع ويخبو بمجرد تقدم هذا الأخير. المقارنة بين الأنبياء وأتباعهم تثبت هذا الحكم، بل قد يظهر (هذا الحكم) بوضوح في حياة النبي ذاته. الوجدان لا حدود له، أما التاريخ فيطلب الشريعة. لا يحتمل الوجدان حدودا، وبفرضها يصبح جزءا من التاريخ. المكي والمدني، في علوم القرآن، دليل على هذا التحليل. فلا ينسخ المدني المكي كما يدعي البعض (محمود محمد طه)، بل يجعل له مَنفذا في التاريخ.

التفكير في التاريخ يطلب درجات عالية من العبقرية، وهذه لا تتأتى إلا بالتخلص من أوهام النفس وتبعاتها على الفهم والحكم. الوحي، إذن، تربية على الموضوعية والإنصاف، على التماهي مع الوقائع لا مع الأهواء. لذلك يطلبه التاريخ، ولذلك يصبح جزءا من التاريخ في قضايا التشريع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي..

ولما كان الوحي ظاهرة مفارقة لا تخلو من قيمة تاريخية، كانت الحاجة إليه ماسة في زمن انحسرت فيه “التفاسير المتجاوِزة” (بتعبير عبد الوهاب المسيري)، وسيطر فيه الجهل ب”قواعد التاريخ”. الرجوع إلى الذات، من خلال قراءة الوحي، أو من خلال التفكر كعملية يطلبها الوحي (وهي سبب من أسبابه)؛ أصبح هذا الرجوع أمرا مطلوبا وملحا بعدما “اغترب” الإنسان عن ذاته كنتيجة لاغترابه عن إنتاجه وعالمه، وبعدما عبد نفسه كنتيجة لاغترابه عن “أصل الوحي”.. “قل إنما أعظكم بواحدة، أن تقوموا لله مثنى وفرادي ثم تتفكروا”. (سبأ، 46)

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M