استراتيجية الإسلام (20).. العدل- شرط إبراهيم عليه السلام

14 مايو 2023 13:18

هوية بريس- محمد زاوي

5-العدل

– التفاوت وتطوره

* تفات القرآن

**شرط إبراهيم عليه السلام

بُعِث إبراهيم عليه السلام في شرط صراعين، خاض أولهما ضد قومه ومقربيه (ضد أبِيه آزر)، والثاني ضد النمرود؛ في هذا واجه السلطة (سيطرة اجتماعية سياسية، ثم دينية) مباشرة، وفي الأول واجه خطاب السلطة وتصورها العقدي. تحدى في الأول ألوهية الأصنام، وفي الثاني ربوبية النمرود. وتلك من هذه، فلم يكن النمرود ليسيطر إلا بآلهة آزر وقومه. يرمز النمرود للسلطة، فيما ترمز الآلهة لإيديولوجيتها الدينية. وبعد أن وجد إبراهيم الحقيقة، أي بعد أن وجد الله في أمره (في الخلق، في أفول الكواكب وإحياء الطير)، خاض المعركة على جبهتين:

– تسفيه “ألوهية” الأصنام: “وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين، وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين (سورة الأنعام، الآيتان 74 و75)/ “قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون”. (سورة الأنبياء، الآية 63)

– تحدي “ربوبية” النمرود: “ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك، إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت، قال أنا أحيي وأميت، قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر، والله لا يهدي القوم الظالمين”. (سورة البقرة، الآية 258)

كان الدين قبل إبراهيم، سبقته الظاهرة الدينية إلى الوجود، إلا أنها في شرطه ستتخذ منحى جديدا، أضاف البعد الاجتماعي إلى البعد العقدي الوجودي للدين. لم يواجه إبراهيم عليه السلام عبادة الأصنام وربوبية النمرود فقط، بل من خلال تلك المواجهة واجه التفاوت كطارئ جديد على تاريخ الإنسان. فكانت دعوته فارقة في هذا التاريخ، وإن سبقه أنبياء آخرون ذكرنا شروطهم سابقا. مع إبراهيم بدأ التنزيل (صحف إبراهيم)، وظهرت الملة (“ملة أبيكم إبراهيم”/ سورة الحج، الآية 78)، وتأسس الإسلام (“هو سمّاكم المسلمين من قبل”/ سورة الحج، الآية 78) بما هو إسلام لله لا لسيطرة فرضها تفاوت الملكيات، وبما هو إسلام للغيب (للأصل) لا لهوى أو خلود إلى الأرض (“من يفسد فيها ويسفك الدماء”/ سورة البقرة، الآية 30).

تنبيهان:

– لم يذكَر النمرود (أحد ملوك بابل) بهذا الاسم في القرآن، بل في سفر التكوين (التوراة)، باعتباره أول من جعل التفاوت دينا في الأرض؛ هو إذن رمز لبداية التفاوت في تاريخ الإنسان.

– هناك من يبحث عن إبراهيم في علم التاريخ فلا يجد لشخصيته أثرا في هذا العلم، كما فعل سيد القمني في كتابه “النبي إبراهيم والتاريخ المجهول”؛ إلا أن وجوده في النص الديني التوحيدي (في اليهودية والمسيحية والإسلام)، ليس عبثا بل لغاية تاريخية، ربما لا تدل عليها شواهد التاريخ لحدود الساعة، إلا أنها مسعفة في إثبات انعطاف التاريخ بفعل التفاوت. قد لا تعبر النصوص الدينية عن تفاصيل الأحداث في التاريخ، إلا أنها قد ترمز لتحولاتها الكبرى.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M