استراتيجية الإسلام (24).. العدل * تفاوت التاريخ

12 مارس 2024 15:48
مصر تسترد 36 قطعة أثرية من دول عربية

هوية بريس- محمد زاوي

* تفاوت التاريخ

لا يختلف تفاوت التاريخ عن تفاوت القرآن لمن أحسن القراءة. يمرّ تفاوت التاريخ بثلاثة مراحل: انعدام الملكية الخاصة – ظهور الملكية الخاصة وتطورها إلى ملكية استغلالية – نفي التفاوت والملكية الاستغلالية. يمكن إرجاع هذه المراحل إلى صيغتها القرآنية التالية: الآدمية، المعركة الإبراهيمية، العالمية المحمدية.

-مرحلة انعدام الملكية/ الآدمية: حيث اقتسام الخيرات حسب الحاجة، لا حسب سيطرة فئة دون أخرى على وسائل الانتاج. يطلق الباحثون على هذا المجتمع اسم “المجتمع البدائي”، يستمد بدائيته من تخلف وسائله، إلا أن علاقاته الإنتاجية كانت إنسانية خالية من التفاوت. “وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة”، لا ينازعك وزوجك وذريتك فيها أحد، خيراتها لا توفر شروطا موضوعية لظهور الملكية الخاصة، وبالتالي التفاوت وسيطرة طبقة على أخرى.

-مرحلة ظهور الملكية الخاصة وتطورها/ المعركة الإبراهيمية: تقدم الإنتاج وقواه، تزايد السكان وندرة بعض الموارد، فوائض الإنتاج عند فئة دون أخرى؛ أدت هذه العوامل إلى ظهور ملكيات من نوع جديد، خاصة في يد فئة بعينها على الدوام. ملكية خاصة سرعان ما تحولت إلى ملكية استغلالية تسيطر فيها طبقة اجتماعية على أخرى. وهكذا كان وما زال الانتقال من نمط إنتاجي إلى آخر لا ينفي التفاوت، بل يعززه رغم تقدم الإنسان في ثرواته ووسائل إنتاجه. هذه هي المفارقة التي ميزت تاريخ الإنسان، طيلة ثلاثة عصور: العبودية، الإقطاع، والرأسمالية. واليوم تظهر المفارقة بوضوح أكبر: تقدم تكنولوجي اقتصاد نقدي في جانب من الحضارة، وفقر وفاقة وأوضاع مزرية في الجانب الآخر. فكان الانحراف عن مقصد الدين، ومنه مقصد القرآن: “كي لا يكون دولة بين الإغنياء منكم”. وتلك معركة أنبياء ورسل التوحيد منذ نبي الله إبراهيم عليه السلام إلى اليوم.

-المرحلة المأمولة/ العالمية المحمدية: وتلك مرحلة في مستقبلٍ “يرونه بعيدا ونراه قريبا” (سورة المعارج، الآية 6). فيها يرجع الإنسان إلى علاقاته البدائية القديمة في عالم من وفرة الإنتاج وسبل العيش. الرجوع إليها لن يحصل عفويا، بل عن دراسة وتخطيط يعيدان توزيع وسائل الانتاج بما يقضي على التفاوت الوظيفي والاجتماعي في بنى الإنتاج. لا يتحقق هذا المستقبل من عدم، وإنما بعد تحقق شروط الخروج من عالم التفاوت. “يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية” (سورة الفجر، الآية 27)، لا رجوع إلا بعد اطمئنان، ولا نفي التفاوت إلا بشروط.

لا يخلو الإسلام من معانٍ مشاعية. بعضها في نموذجه، والبعض الآخر في طوباه. الأولى جنة الدنيا، والثانية جنة الآخرة. الأولى بحث عن الغائب في الشاهد، والثانية حنين يروي ظمأه الغيب. يجب أن يملأ العدل ما بين الجنتين، لتستحيل المرحلة البينية جنة ثالثة، أو على الأقل تحاكي “تكريم آدم” و”الخلود في جنة الرحمان”. بين هذين الأملين يعيش المسلم، وهو أمل الإنسان على الأرض مهما كان دينه، ورغم حوائل الزمن بينه وبين الطوبى، بما هي مصير حتمي للبشرية.

(يتبع)

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M