استراتيجية الإسلام (6).. تاريخ الإنسان- معركتان بعد الخلق

08 أبريل 2023 11:16

هوية بريس- محمد زاوي

– تاريخ الإنسان (2)

دافع محمد أحمد خلف الله في كتابه (أطروحة دكتوراه) “الفن القصصي في القرآن”، عن الطبيعة الوعظية والاعتبارية للقصص القرآني، نافيا إخبار هذا القصص بأي حقيقة تاريخية. وناهيك عن النقد الذي وجّه له في مصر، أشده اتهامه بتكذيب القرآن؛ فإن “خلف الله” أغفل مسألة غاية في الأهمية، وهي استبطان القصص القرآني ل”منحى التاريخ وتحولاته الكبرى” الثلاث: ظهور الإنسان، ظهور الدين، ظهور الملكية الخاصة.

بالتزامن مع خلق الإنسان نشأ صراع وجودي بين نازعين فيه (الإنسان)، نازع الشر (الغريزية والغابوية) ونازع الخير (الإنسانية). تعبّر معركة “الإنسان والشيطان” عن هذا التناقض في النوازع الإنسانية، حيث يأبى الشر الخضوع للخير، ويأبى الشيطان الخضوع للإنسان، ويأبى إبليس السجود لآدم. هذه معركة، من نفس نوع معارك أخرى، لم يكون الصراع فيها على نفوذ اجتماعي، بل على الإنسان. كمعركة نوح مع قومه، ولوط مع قومه (وإنْ تزامنت مع ظهور التفاوت، زمن إبراهيم).. تشترك مثيلات هذه المعارك في ثلاث خصائص: فهي معارك بين مؤمن بالدين وكافر به، بين إنسانية تتحقق بالدين وغريزية تستدعى بما قبله، أما الجزاء فيها فكان بالعقاب الدنيوي الطبيعي بعد امتناع عن تطويع الطبيعة بالدين (اهبطوا منها جميعا، الطوفان، جعلنا عليها سافلها..).

عبرت الإبراهيمية عن معركة جديدة في الأرض، في مواجهة أصحاب النفوذ بعدما جعلوا الدين إيديلوجيا لمصلحة نفوذهم، كآلهة النمرود، وسحرة فرعون، وتحريف اليهود الذين بعث إليهم عيسى، وأصنام قريش.. وهكذا واجه إبراهيم عليه السلام استعباد النمرود، وواجه موسى عليه السلام استعباد فرعون، وواجه عيسى عليه السلام ربوية اليهود، وواجه محمد صلى الله عليه وسلم جاهلية سادة قريش.. ومن الأنبياء الذين كانوا أسيادا استفادوا من زمن التفاوت، فأصلحوا فيه وبه، كما هو شان داود وسليمان ويوسف عليهم السلام..

معظم أنبياء مرحلة التفاوت، بل كلهم، بعثوا في مرحلة الاستعباد، لتكون بعثتهم إيذانا بمرحلة إنتاجية جديدة، هي مرحلة الاستقطاع، وهذا نفسه تفاوت.. استمر التفاوت إلى اليوم، ولذلك يعاد إنتاج الدين (عملية تأويلية) على مقاس طرفيه المتناقضين. فإما تأويل لمصلحة ذوي النفوذ (الاستعمار والاستغلال)، وإما تأويل لمصلحة المستضعفين (شعوب الجنوب، والفئات الاجتماعية الدنيا).

وليس عبثا أن ينتصر الإسلام للمستضعفين في القرآن الكريم، ويكثف خصال الشجاعة والجهر بالحق والحقيقة في سلوك الأنبياء ومعاركهم ضد ذوي النفوذ. في ذلك قابلية لتأويل الإسلام في مواجهة الاستغلال والاستعمار، لا لمصلحتهما. وكله يجب أن يتم بتحديد الشرط التاريخي بدقة، وبميزان “بيض النمل” (لينين)، حتى لا تستغَل النوايا الحسنة ضد ذاتها ومصالحها. الاختيار في التاريخ ليس بين شر مطلق وخير مطلق، بل بين طريقين أحدهما أقل شرا وأخف ضررا.. وإلا فلا خير بإطلاق إلا في “الجنة” (مشاعة موعودة).. “فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر”، لا تناقض فيها، “لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا”، “إلا قيلا سلاما سلاما”.. ينتهي معها التفاوت، ويتحقق مثال القرآن الكريم في العيش.

(يتبع)

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M